ارتعب البريطانيون، عندما اكتشفوا أنهم يأكلون لحم الخيول بدلاً من اللحم البقري، فيما اعتبرت هذه الحادثة بمثابة جريمة في بلد يصور الشعب نفسه كمحب للحيوانات ويعتبر أن أكل لحم الخيل أمر مريع.


اتسع نطاق فضيحة لحوم الخيل، ليصل إلى المأكولات المعدة مسبقاً والمثلجة التي تنتجها العديد من الشركات، مثل البرغر واللازانيا وغيرها، فيما وجهت أصابع الاتهام إلى عدة دول أوروبية، من بينها رومانيا وبولونيا وفرنسا، حيث يعقد عدد من الوزراء الذين ترتبط وزاراتهم باستهلاك المواد الغذائية محادثات أزمة مع الأطراف الرئيسة في صناعة اللحوم.
بعد انتشار هذه الأنباء، سحبت 6 سلاسل غذائية كبيرة، من اللحوم المجمدة التي أنتجتها شركتا quot;فندوسquot; وquot;كوميغيلquot;، بعد أن اكتشفت أن لحوم الخيول تدخل في صناعة البرغر في بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.
وأثارت هذه الفضيحة الكثير من الأسئلة حول تعقيدات شركات توريد صناعة الأغذية في أنحاء الاتحاد الأوروبي، ومدى قدرة الهيئات الحكومية على مراقبة مكونات اللحم والمنتجات التي تدخل في السلسلة الغذائية. كما طالت هذه الفضيحة الموزعين في كل من بريطانيا وفرنسا والسويد وايرلندا ورومانيا.

نواب بريطانيا يتهمون الوزراء

ويعتبر الكثير من النواب في البرلمان البريطاني أن الوزراء في بريطانيا ساهموا في هذه الفضيحة، لأنهم عملوا خلال السنوات الماضية على الحد من سلطة الهيئات المنظمة للمواد الغذائية، ما أدى إلى تقليص صلاحياتها.
ويأتي هذا التقرير في ظل انتقادات شعبية شديدة للحكومة، بعد أن أظهرت إحصاءات شاملة أن الشعب البريطاني فقد ثقته بالغذاء في بلاده، فيما توقف نحو نصف من المستهلكين عن شراء اللحوم المصنعة.
ومن المتوقع أن يقوم النواب في لجنة شؤون البيئة والغذاء والريف بإدانة الوزراء بمحاولة سحق وتمييع الأنظمة المتعلقة بصناعة الأغذية. وبناء على القرارات الوزارية التي أدت إلى تقليص دور وكالة المعايير الغذائية (
FSA) منذ أن فقدت الموظفين والتمويل في عام 2010، يوصي نواب بريطانيا ما يلي:
- منح صلاحيات أكثر صرامة لوكالة المعايير الغذائية لإجبار المنتجين على اختبار منتجاتهم.
- إبلاغ وكالة المعايير الغذائية بكل نتائج الاختبارات على الأطعمة سواء أتمت عن طريقها أو بشكل مستقل
- فرض إجراءات رقابية وفحوصات اشمل لتوفير قدر أكبر من الضمانات للمستهلكين.
وورد في التقرير مقطع محرج للغاية بالنسبة إلى الوزراء، إذ انتقدت اللجنة أيضاً خطط الحكومة الحالية للحد من معايير وضع العلامات الغذائية، لا سيما فيما يسعى وزراء المملكة المتحدة إلى طلب الإعفاء من قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة المقترحة، التي تتطلب الإعلان عن كمية اللحوم الطازجة الفضفاضة التي تدخل إلى بلادهم.

الحكومة عاجزة عن الاستجابة للتهديدات الصحية

وحذرت اللجنة في تقريرها من أن الدور الضعيف لوكالة المعايير الغذائية quot;أدى إلى عدم وضوح في تحديد مكمن المسؤولية، ما أضعف من قدرة المملكة المتحدة على تحديد مخاوف المعايير الغذائية والاستجابة لهاquot;.
وأضاف التقرير أن quot;الأزمة الحالية اثبتت أن الوكالة والحكومة على حد سواء قاصرتان وعاجزتان عن الاستجابة بفعالية للتهديدات على صحة الإنسانquot;.
وأوصى النواب في تقريرهم باتخاذ إجراءات صارمة في حال أظهرت التحقيقات تورط دول أوروبية في هذه الفضيحة، وطالبوا بوقف الصادرات بشكل نهائي من أي دولة يثبت أنها quot;مصدر ملوثquot; للمواد الغذائية.

الشعب البريطاني لا يثق بطعامه

أظهر استطلاع نشر على مواقع الانترنت، أجرته شبكة سكاي نيوز وشمل 1946 شخصاً، أن واحداً من بين كل خمسة شملهم الاستطلاع قد غيروا عادات التسوق الخاصة بهم نتيجة هذه الفضيحة، فيما توقف أكثر من نصفهم عن شراء اللحوم المصنعة.
وفي حين ألقى 49٪ من الذين شملهم الاستطلاع باللوم على شركات تصنيع اللحوم، و20% على مصنعي المواد الغذائية، أظهرت النتائج أن 10٪ فقط توجه اللوم لمحلات السوبر ماركت و3٪ مباشرة للحكومة و 8٪ لوكالة المعايير الغذائية.
وأظهر استطلاع آخر شمل 6620 شخصاً أجرته مجموعة quot;كانتارquot; التي تدير خدمات البحوث الاستشارية أن 36٪ من المستطلعين كانوا أقل عرضة لشراء اللحوم المصنعة نتيجة للفضيحة، فيما قال ربع هؤلاء انهم لم يشتروا اللحوم المصنعة على أي حال.

استنكارات واتهامات

أعرب وزير الغذاء الفرنسي غويلام غاروت عن رغبته في ضمان التخلص من جميع المنتجات المشكوك فيها، فيما تحقق السلطات في رومانيا في مزاعم أن واحدة من مجازر البلاد ضالعة في هذه الفضيحة.
وفي بريطانيا حذر وزير البيئة أوين باتريسون من وجود quot;مؤامرة إجرامية دوليةquot; وراء تفاقم فضيحة لحوم الخيول، لكنه أشار إلى أن الحظر على واردات اللحوم القادمة من الاتحاد الأوروبي - والذي دعا إليه البعض - غير وارد وفقاً للقواعد المعمول بها في الاتحاد.
وقال باترسون quot;أنا أتفهم بالكامل قلق العديد من الأشخاص حيال هذا الأمر، فما حدث غير مقبولquot;، معتبراً أن قضيتي اللحوم البقرية المجمدة المباعة في quot;تيسكوquot; وكذلك اللازانيا في quot;فيندوسquot; لهما علاقة بموردين في أيرلندا الشمالية وفرنسا على وجه الخصوص.

استمروا بتناول اللحوم

وفي خطوة استغربها كثر، دعا وزير الدولة لشؤون الغذاء في بريطانيا ديفيد هيث المستهلكين إلى الاستمرار في تناول اللحوم quot;حتى يتم الكشف عن ملابسات ما حدثquot;، فيما أعربت وزيرة البيئة في حكومة الظل، ماري كريغ عن مخاوفها إزاء الكشف عن مزيد من المنتجات التي تحتوي على لحوم الأحصنة والخنازير.
وعلى الرغم من أن لحوم الخيول لا تشكل خطراً على السلامة الغذائية، إلا أن وكالة المعايير الغذائية أمرت بإجراء اختبارات للكشف عن احتمال وجود عقار quot;فينيل بيوتازونquot; البيطري الذي لا يسمح للحيوانات بالدخول ضمن السلسلة الغذائية إذا كانت تعالج به.

برغر الخيل

اعترفت سلسلة مطاعم quot;برغر كينغquot; بوجود نسبة من لحم الحصان في عينة من اللحم لديها، اخضعت لاختبار (دي ان اي). وذكرت صحيفة الـ quot;غارديانquot; أن برغر كينغ نقل مصنع اللحم لديه من ايرلندا في سلفركرست إلى ألمانيا وإيطاليا، لتجنب تلوث وجباته من ذلك المصنع، عقب انكشاف فضيحة تلوث اللحم فيه، بلحم الأحصنة الموردة من بولونيا.
من جانبها، اعلنت سلسلة متاجر quot;آلديquot; ان منتجات اللازانيا والباستا، تحتوي على ما بين 30% و100% من لحوم الأحصنة، فيما تم سحب تلك المنتجات من الأسواق، وذلك عقب تحذير الشركة الفرنسية الموردة quot;كوميغيلquot; بعدم مطابقة منتجاتها للمعايير الغذائية.
بدورها، قالت هيئة المعايير الغذائية إن quot;فيندوس قد أجرت فحصاً لحوالى 18 منتجاً من منتجات اللازانيا ووجدت أن 11 منتجا يحتوي على ما بين 60% و100% من لحوم الأحصنةquot;، فيما تم سحب بعض تلك المنتجات من الأسواق الفرنسية.

مؤسسات رقابة هشة وغير صادقة

على الجانب السياسي من أزمة quot;لحوم الخيولquot;، أدت الفضيحة إلى تعرية مؤسسات الرقابة الصحية الأوروبية، وكشفت إخفاقها في هذا المجال، إذ إن لحوم الخيل تباع في دول الاتحاد الأوروبي على أنها لحوم بقر من دون أن تتمكن مؤسسات الرقابة الصحية من ضبطها.
وفيما أعلنت وزارة الزراعة الفرنسية أنها فتحت تحقيقاً في المسألة واتصلت بوزارة الزراعة الرومانية، انطلاقاً من مقولة أن عملية التلاعب في اللحوم تمت في رومانيا.
واتهم النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر جوزيه بوفيه، مافيا الحصان الأوروبية بالوقوف وراء عملية التلاعب في اللحوم، مشيراً إلى أن هذه المافيا لجأت إلى تصدير لحوم الأحصنة إلى أوروبا بدلاً من لحوم البقر بعد انهيار أسعار سوق الخيل نتيجة لقرار السلطات الرومانية منع سير الخيل في الطرقات.

رومانيا: لم نقتل شريك عملنا

رئيس مربي الخيول الرومانية تيبوريو هيرمنيان، نفى هذه الاتهامات، مؤكداً أن الحصان في رومانيا يعتبر quot;شريك عملquot;، وأنه لا يتم قتله إلا نادراً عندما تتعرض للحوادث أو عندما تهرم، وأضاف أن الرومانيين يحبون الخيل مثل البريطانيين وربما أكثر.
من ناحيتها أعلنت مسالخ اللحوم الرومانية أنها نادراً ما تقوم بذبح الخيول، لأنه لا يوجد زبائن للحم الحصان، واعتبرت أن المستورد الفرنسي هو المسؤول عن هذه الفضيحة.

إجراءات لاحتواء الفضيحة وquot;حل أوروبي شاملquot;

وحث الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء على إجراء فحوص لعينات عشوائية من منتجات اللحوم فيها، لمواجهة آثار فضيحة اكتشاف لحم خيل.
وقال مفوض شؤون الصحة في الإتحاد تونيو بورغ إنه quot;يتوجب على جميع الدول الأعضاء القيام بفحوص (دي أن اي) لمنتجات لحوم البقر لرصد آثار وجود لحوم الخيل فيها خلال فترة ثلاثة اشهر بدءاً من آذار (مارس)quot;.
وقال وزير الزراعة الايرلندي سايمون كوفيني إن quot;هذه القضية تشمل كل أوروبا وتحتاج إلى حل أوروبي شاملquot;.
وأشار مفوض شؤون الصحة انه يجب نشر نتائج برنامج فحوص العينات العشوائية بعد 30 يوماً، على ان تستمر الفحوصات لثلاثة اشهر.
وسيتكفل مكتب الشرطة الأوروبي (يوروبول) من جهته بتنسيق التحقيقات القضائية التي تجريها عدة دول في الاتحاد الأوروبي لتحديد مصدر الغش الذي أدى الى استخدام لحم الخيل بدلاً من لحم البقر.