القاهرة: بينما وقف محمد حمدي، الشاب المصري الذي دخل عقده الثالث، أمام حائط بمدخل ميدان التحرير(قلب القاهرة) يدون رقم هاتف إحدى المكاتب المعنية بتزويج الشباب، والتي وضعت إعلانًا على الحائط، كان خالد فوزي (35 عامًا ولم يتزوج)، مهتمًا بقراءة عبارات على نفس الحائط تندد بالوضع السياسي الذي تشهده مصر حاليًا.

هذا التباين في الاهتمامات بين شاب يريد أن يبدأ حياة جديدة عنوانها quot;الزواجquot;، وشاب آخر أغرقته السياسة في بحورها، فنسي أنه وصل إلى سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوج بعد، هو تجسيد لحالة عامة يعيشها المجتمع المصري.
ويرى محللون أن الزخم السياسي الذي يشهده الشارع المصري بسبب نشاط أقلية فاعلة يمثلها quot;فوزيquot; وأقرانه، يواجَه برفض قطاعات عريضة من الشعب المصري باتت تكره السياسة، وتنظر لها على أنها سبب رئيسي في تدهور أحوالها المعيشية والاقتصادية.
ويقول حمدي، الذي عرف نفسه لمراسل الأناضول، على أنه من شباب ثورة 25 يناير: quot;قمنا بثورة، أوصلتنا إلى انتخاب رئيس لأول مرة في تاريخنا (الرئيس محمد مرسي)، لكن هناك من لا يريد لهذا البلد أن تهدأ لتحقق أهداف الثورةquot;.
وأشار حمدي إلى محاولات تبدو واضحة على الحائط لمسح رقم هاتف مكتب الزواج، مضيفًا: quot;هم لا يريدون لنا أن نعيش حياة طبيعية، نحب ونتزوج وننجبquot;.
وتساءل: quot;هل قمنا بثورة لنظل طيلة عامين لا نرى سوى مشاهد الحجارة والقنابل المسيلة للدموع وزجاجات المولوتوف الحارقةquot;.
محاولات مسح رقم الهاتف التي أشار إليها حمدي لا ينكرها فوزي، بل إنه قال بحكم تردده الدائم على ميدان التحرير: quot;هي شكل من أشكال النزاع على حوائط ميدان التحرير، التي يريد كل شخص أن يملأها باهتماماتهquot;.
ووجد فوزي على نفس الحائط ما يدعم وجهة نظره، مضيفًا بلهجة ساخرة: quot;لو نظرت لإعلان الزواج ستجد أنه وضع على لون مغاير للون الحائط، بما يعني أنه تم دهان الحائط باللون الجديد لحذف شعار سياسي كان يوجد على الحائطquot;.
ويتمسك فوزي بأنه quot;لا شيء يعلو على السياسة هذه الأيامquot;، رافضًا أن تكون حوائط الميدان لشيء آخر غيرهاquot;.
وبلهجة حاسمة قال: quot;ثورتنا لم تحقق شعار (العيش والحرية والعدالة الاجتماعية)، لذلك فنحن مستمرون لحين تحقيقهquot;.
ولا يعبأ فوزي بأن قطاعات عريضة من الشعب المصري، والتي يطلق عليها اسم quot;الأغلبية الصامتةquot; لا توافق على نشاطهم السياسي، وأضاف ساخرًا: quot;وما المشكلة، ثورة 25 يناير التي أزاحت مبارك (الرئيس السابق حسني مبارك) لم يشارك بها كل الشعب المصريquot;.
ما يقوم به فوزي وأقرانه لن يؤدي إلا لزيادة أعداد الكارهين لنشاطهم على شاكلة quot;حمديquot; ، هذا ما أكده أحمد عبد الله، استشاري الطب النفسي، لمراسل الأناضول.
وقال: quot;ما يمارسه المصريون ليس سياسة، بل هي حالة من العك (تخبط ) تؤدي حتمًا إلى زيادة الكارهين لها (السياسة)quot;.
ويشبّه عبد الله الوضع بمن يتهم quot;الزواجquot; بأنه مشروع فاشل، وكأن العيب في الزواج، وليس في عدم قدرة البعض على إدارة مشروع الزواج.
وأوضح عبد الله أن هدف أي سياسة هي الوصول للأفضل، ولكننا تركنا الهدف الأساسي الذي يجب أن يتركز حول العمل السياسي وهو تغيير النظام، وبدأنا نصب غضبنا على رأس النظام.
وأضاف: quot;الوضع أشبه بمن يأتي بأحد الحرفيين لإصلاح عيب ما في منزله، وبدلاً من أن يتعاون معه على ذلك وينفذ له طلباته، يقوم هو بهدم كل ما يقوم به هذا الحرفيquot;.