يرمم نوري المالكي بيته الحزبي، بترسيخ شعبيته بين المؤيدين في المحافظات الشيعية التي تشهد توترًا، خشية من الانجرار إلى حرب طائفية جديدة مع المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية.


عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: حمّل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي البرلمان العراقي مسؤولية تأخير المصادقة على الموازنة العامة للدولة وعدم التصديق على مشروع البنى التحية ومشاريع أخرى.

وقال المالكي خلال زيارة مفاجئة لمحافظة البصرة اليوم، حيث ينعقد المؤتمر الأول لمحافظات الوسط والجنوب، quot;حينما تتوقف مشاريع وقوانين، عندما لا يصادق البرلمان على مشروع البنية التحتية، وعندما تتعطّل الموازنة حتى الآن وربما لا تصادق. هذا كله تعطيل، ومجلس النواب مسؤول، وقد تخلى عن الكثير من مسؤولياته حاليًاquot;.

وتعتبر محافظات وسط العراق وجنوبه، البالغة تسع محافظات، ذات غالبية شيعية، ويعوّل على أصواتها معظم القادة الشيعة في البلاد، ولم تنضم إلى التظاهرات المتواصلة منذ شهرين في عدد من المحافظات ذات الغالبية السنية في غرب وشمال البلاد. حيث يتهم عدد من الساسة العراقيين تلك التظاهرات بسعي ساسة سنّة إلى حرفها عن مطالبها الشعبية، وتحويلها إلى وسيلة ضغط سياسي وطائفي باعتبارها وسيلة انتخابية.

ضجيج إعلامي يعطل الإعمار
وأضاف رئيس الوزراء العراقي إن الخلافات السياسية عطلت البلاد لمدة أربع سنوات، مؤكداً quot;أقول في هذه الدورة إننا كنَّا نأمل بأننا سنقفز قفزة كبيرة، لكن هذه المناكفات السياسية وهذا الضجيج الإعلامي وهذه الصورة البائسة عطّلت العمل والإعمار وعودة الثقة الكاملة في العراقquot;.

وطالب المالكي جماهير محافظات الوسط والجنوب بالسعي، خلال الانتخابات المقبلة، إلى إيجاد من يتولى ويكون في مواقع المسؤولية quot;مؤمنًا بوحدة العراق ومسؤولية هذه المكونات جميعًا، لا من يعتقد أنه أخذ موقعًا أو مسؤولية ليتصرف وحده، ولا يفتح الطريق أمام الآخرquot;.

وخاطب المالكي محافظي ورؤساء مجالس محافظات الوسط والجنوب قائلًا quot;نحن اليوم على أبواب انتخابات، ويجب أن ينعكس هذا الوعي والتجربة المرَّة على المواطنين، ويعرفون من سيختارونquot;.

سياسة الباب المفتوح
وأوضح quot;نحن في السياسة الخارجية نعتمد سياسة الباب المفتوح على كل الدول، وعلى مختلف المستويات، وهذه ومن سمات النظام السياسي في العراق، إنه ليس نظامًا منعزلًا، ولا يعتمد العداوات، بل الانفتاح والتواصلquot;.

وطالب المالكي المحافظين بـquot;الاهتمام بالفقراء سكنًا وصحة وعملًاquot;، قائلًا quot;هؤلاء هم المادة التي يسألنا عنها التاريخ، ولا ينبغي أن يبقى في العراق فقير يعاني من فقره، ومعالجة الفقر يجب ألا تكون فقط عندما نعيّن أناسًا، ولكن من خلال المشاريع التي نقوم بهاquot;.

وعدَّ المالكي أن quot;هذه المناطق (الوسط والجنوب) حرمت بظلم وبقصد من قبل النظام المقبورquot;، وخاطب مسؤولي تلك المناطق بالقول quot;وأتمنى أن يكون ذلك من ضمن المطالبات التي تتقدم بها حكوماتكم المحلية، بعدما أصبح فيها رشد وتجربة وخبرةquot;.

ثوب طائفي
ويرى مراقبون عراقيون أن زيارة المالكي للبصرة وعقد مؤتمر محافظات الوسط والجنوب لا يمكن إبعاده عن ثوبه الطائفي ردًا على ما بات يرفع من شعارات طائفية في تظاهرات الأنبار، مؤكدين أن ساسة سنة وشيعة ركبوا ظهر التظاهرات، وراحوا يتبادلون حولها الاتهامات الطائفية، لتكون وسيلة انتخابية مضمونة النتائج.

وقال المالكي إن quot;بعض الشركاء في العملية السياسية ركنوا إلى الطائفية، والقضية اختلطت بين قضايا طائفية وأجندات خارجية بعدما تمكننا من تجاوزها بوحدتناquot;، معربًا عن أسفه إزاء بعض السياسيين، الذين يتفوّهون بكلام مناف للسلطة، بلهجة طائفية، وهو أمر خطيرquot;.

وأضاف إن quot;هناك من هم في موقع المسؤولية، ويطلبون من الاتحاد الأوروبي بأن لا يوقع اتفاقية تجارية مع العراق، ويؤجّجون الطائفية، والذين يستفيدون من الحرب والطائفية هم أمراؤهاquot;، كاشفًا عن عزمه quot;تقديم طلب لمقاضاة الذين حرّضوا على الطائفيةquot;.
وكان عدد من الصحف والمواقع العراقية نشر وثيقة موقعة من عدد من نواب القائمة العراقية مرسلة إلى الاتحاد الأوروبي، يطالبونه فيها بعدم توقيع اتفاقية مع الحكومة العراقية، كي لاتحتسب دعمًا لرئيس الوزراءquot;. وقد أيّد بعض الموقعين الوثيقة، فيما استغرب آخرون من وجود أسمائهم وتواقيعهم فيهاquot;.

سياسات طائفية

وفي كلمة له خلال مؤتمر آخر لشيوخ ووجهاء عشائر البصرة اليوم قال المالكي إن quot;الذين يقودون الطائفية اليوم هم جهات مسؤولة في الدولة من خلال تصريحات حمقاء على شاشات التلفزيون، وبأبشع صور الحديث عن الطائفيةquot;، معربا عن صدمته quot;من محاولة البعض إعادة العراق إلى فترة إضطهاد الناس من قبل ميليشيات وعصابات سراق المال العامquot;.

وأضاف المالكي أن quot;ما نواجهه اليوم هو أمر خطير ومؤلم فهو من قبل سياسيين بمواقع متقدمة في الدولة مع دعوات للثورة وإلى عملية التطهير ويصنفون ويشتمون بهذه العبارات التي نسمعها يومياquot;، مؤكدا أن quot;هؤلاء لا يمثلون الوجدان السني ولا الشيعي إنما يمثلون انفسهم والأجندات التي تقف خلفهم، فهم ليسوا من أبناء العراقquot;.

وخاطب المالكي في كلمته من وصفهم بالطائفيين quot;قبل ست سنوات من الذي كان يحكم الشارع في العراق ومن كان يستطيع أن يحصي السيارات المفخخة والصواريخ التي تنطلق يوميا على بيوت الناس والجثث في الشوارع والرؤوس المقطعة، وكيف كانت سمعتنا في بلدان العالمquot;، مشيرا إلى أن quot;القرار بالنهاية هو بيد الشعب وليس من يمثل الأخر بما يتحدثquot;.

ولفت المالكي quot;أنا لا أريد أن أقول أن العملية السياسية كاملة ولا حتى الدستور ولكنه حتى وأن لم يعدل فهو دستور مع أنه يحتاج إلى مزيد من الجهدquot;، لافتا إلى أن quot;الأصوات المطالبة بإلغاء الدستور والعملية السياسية وقانوني مكافحة الإرهاب والمسألة والعدالة واطلاق سراح كل المعتقلين مرفوضة قطعا ولن تؤثر على سلامة العملية السياسيةquot;.

وأكد المالكي quot;لن نسمع لهذه الأصوات النشاز في بعض المحافظات التي أن ترجمت مطالبها تريد في غايتها النهائية تسليم النظام من جديد إلى حزب البعث وتريد أن تقول اذهبوا أنتم من جديد إلى المقابر الجماعية والأسلحة الكيماوية والإعداماتquot;.

الطائفية بوصفها قوة للخائفين

وتشهد العملية السياسية العراقية تأزماً كبيراً، خاصة بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان وكتلهما الانتخابية، حيث يتهم كل طرف خصمه بالطائفية. وكان رئيس البرلمان أسامة النجيفي قاد حملة لحجب الثقة عن رئيس الحكومة في العام الماضي مع رئيس إقليم كردستان العراق ورئيس القائمة العراقية أياد علاوي وزعيم التيار الصدري، الذي تراجع بسبب سحب عدد من نواب القائمة العراقية تواقيعهم.

وينتظر أن تشهد محافظة أربيل في إقليم كردستان العراق في الشهر المقبل جلسات بين جميع الكتل لحلّ الأزمة السياسية، تبقي المالكي رئيسًا للحكومة، مع شروط الالتزام بتفيذ ما سيتفق عليه.

من جانبه، قال الباحث العراقي وليد شناو لـquot;إيلافquot; إن المخاطبات الطائفية بين الخصوم السياسيين ستبقى متواصلة حتى موعد الانتخابات المحلية في العشرين من شهر نيسان/إبريل المقبل.

ورأى أن طبيعة الناس في مجتمعات، مثل المجتمع العراقي، تتجه إلى الانضمام إلى أي تجمعات كبيرة تشعرها بالقوة، مهما كانت التجاوزات التي تتخللها، خاصة في الأزمات. فلا نستغرب من التفاف أعداد كبيرة من الشيعة حول جيش المهدي، ومثلهم من السنة حول تنظيم القاعدة، أبان فترة الحرب الطائفية في العراق من 2006 حتى بداية 2008.

وأضاف إن الكثير من الساسة يستخدمون مبدأ quot;الغاية تبرر الوسيلةquot; في تعبئة الجموع وحثهم على الثورة طائفياً. لكن ذلك سيولد رد فعل مماثلًا، وهو ما يحصل اليوم في العراق.