كشفت وثائق أن الولايات المتحدة مولت إنشاء وحدات أمنية خاصة في العراق ساهمت في تأجيج العنف المذهبي. وأقامت الوحدات العراقية معسكرات تعذيب واعتقال ذات طابع طائفي بدعم من عناصر أميركية متقاعدة شاركت في ما يعرف بـquot;الحروب القذرةquot;.


أرسلت وزارة الدفاع الأميركية مخضرمًا في quot;الحروب القذرةquot;، التي عاشتها دول أميركا الوسطى في ثمانينات القرن الماضي للاشراف على وحدات طائفية من قوات الشرطة الخاصة في العراق أقامت مراكز اعتقال وتعذيب سرية لانتزاع المعلومات من المسلحين الذين يقعون في قبضتها. وارتكبت هذه الوحدات أبشع اعمال التعذيب خلال الاحتلال الأميركي مساهمة في دفع العراق إلى حرب اهلية دامية.

وكشف تحقيق أجرته صحيفة الغارديان وبي بي سي العربية أن الكولونيل جيمس ستيل كان مخضرمًا متقاعدًا من ضباط القوات الخاصة في الثامنة والخمسين عندما اختاره وزير الدفاع وقتذاك دونالد رامسفيلد للمساعدة في تنظيم تشكيلات أمنية خاصة في مواجهة المسلحين السنة المنخرطين في حركة المقاومة.

مراكز اعتقال سرية

وبعد أن قرر البنتاغون إلغاء الحظر على انضمام افراد الميليشيات الشيعية إلى قوى الأمن، اصبح عناصر كوماندو الشرطة العراقية يُجندون بصورة متزايدة من جماعات شيعية مسلحة مثل فيلق بدر. وعمل مستشار خاص آخر هو الكولونيل المتقاعد جيمس هوفمان مع ستيل في مراكز الاعتقال السرية التي أُنشئت بملايين الدولارات الأميركية.

وكان هوفمان مسؤولاً أمام الجنرال ديفيد بترايوس مباشرة بعد إرسال الجنرال إلى العراق في حزيران (يونيو) 2004 لتنظيم قوى الأمن العراقية الجديدة وتدريبها. وكان ستيل الذي عمل في العراق من 2003 إلى 2005 عاد مرة أخرى في عام 2006 مسؤولاً امام وزير الدفاع رامسفيلد مباشرة.

انتهاكات

وتوجه أقوال شهود أميركيين وعراقيين تحدثوا في اطار التحقيق اصابع الاتهام للمرة الاولىإلى مستشارين أميركيين بالتورط في انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها قوات الشرطة الخاصة العراقية. كما أنها المرة الأولى التي رُبط فيها اسم بترايوس الذي استقال من ادارة وكالة المخابرات المركزية العام الماضي بعد فضيحة جنسية، بهذه الانتهاكات من خلال احد مستشاريه.

وكان هوفمان يقدم تقاريره إلى بترايوس، وفي مقابلة مع صحيفة الجيش الأميركي quot;ستارز اند سترايبسquot; قال إنه كان quot;عيون بترايوس وآذانه على الأرضquot; في العراق.

وقال الجنرال العراقي منتظر السامري الذي عمل مع ستيل وهوفمان اثناء بناء قوات الشرطة الخاصة العراقية إنهما quot;كانا يعملان يداً بيد، ولم أرَهما قط يفارق احدهما الآخر خلال الـ 40 أو 50 مرة التي رأيتهما فيها داخل مراكز الاعتقال. كانا يعرفان كل ما يجري هناك... التعذيب، أبشع أنواع التعذيبquot;.

أبشع أنواع التعذيب

وأكدت تحقيقات إضافية أجرتها صحيفة الغارديان تفاصيل أخرى عن عمل نظام التحقيق. وقال السامري متحدثًا للمرة الاولىعن دور الأميركيين في وحدات التحقيق: quot;كل مركز اعتقال كانت له لجنة تحقيق خاصة به. وكل لجنة كانت تضم ضابط استخبارات وثمانية محققين. وكانت هذه اللجنة تستخدم كل وسائل التعذيب لإجبار المعتقل على الاعتراف، مثل استخدام الكهرباء أو تعليقه من ساقيه أو قلع اظفاره وضربه على المناطق الحساسة من جسمهquot;.

وليس هناك دليل على قيام ستيل أو هوفمان بتعذيب المعتقلين ولكنهما كانا يحضران إلى مراكز الاعتقال والتعذيب ويشاركان في دراسة ملفات آلاف المعتقلين.

وجاء تحقيق الغارديان والبي بي سي العربية بعد نشر وثائق عسكرية أميركية مصنفة على موقع ويكيليكس تسجل بالتفصيل مئات الحوادث عن ممارسة التعذيب بحضور جنود أميركيين في شبكة المعتقلات التابعة لقوات الشرطة الخاصة العراقية في انحاء البلاد. ويواجه الجندي برادلي ماننغ (25 عامًا) عقوبة السجن لـ20 عامًا بعد اعترافه بتسريب هذه الوثائق.

وقال السامري إن التعذيب كان يُمارس بصورة روتينية في مراكز الاعتقال التابعة لقوات الشرطة الخاصة العراقية. واضاف: quot;أذكر صبياً في الرابعة عشرة كان مربوطًا بأحد اعمدة المكتبة وكان مقيدًا وساقاه فوق رأسه. كان مقيدًا وجسمه كله أزرق من تأثير الأسلاك التي ضُرب بهاquot;.

والتقى المصور جيليس بيريس المستشار ستيل عندما كان في مهمة لصحيفة نيويورك تايمز خلال زيارة احد المراكز التابعة لقوات الشرطة الخاصة العراقية في المكتبة نفسها في مدينة سامراء. وقال بيريس: quot;كنا داخل غرفة في المكتبة نجري مقابلة مع ستيل ونظرتُ حولي فرأيتُ دماً في كل مكانquot;.

صرخات الرعب

وكان الصحافي بيتر ماس حاضرًا ايضًا لإعداد تقرير مع المصور بيريس. quot;وفيما كانت المقابلة تجري مع جهادي سعودي بوجود ستيل ايضًا في الغرفة، كانت هناك صرخات مريعة، وكان أحدهم يصيح quot;الله، الله، الله!quot; لكنها لم تكن صيحات دينية أو شيئًا من هذا القبيل بل كانت صرخات ألم ورعبquot;.

ويعد النمط الذي شهده العراق من هذه الممارسات نسخة موازية من الانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها فرق تعذيب بمستشارين وتمويل من الولايات المتحدة في أميركا الوسطى إبان الثمانينات.

وكان ستيل رئيس فريق أميركي من المستشارين الخاصين قام بتدريب قوى الأمن السلفادورية على مكافحة الحركات المسلحة. وزار بترايوس السلفادور في عام 1986 خلال وجود ستيل هناك واصبح من اكبر دعاة اساليب مكافحة الحركات المسلحة.

ولم يرد ستيل على اسئلة الغارديان والبي بي سي العربية بشأن دوره في السلفادور والعراق. وقال متحدث باسم بترايوس quot;إن الجنرال بترايوس علم خلال سنوات عمله في العراق باتهامات ضد القوات العراقية بتعذيب معتقلين. وكان في كل حادث ينقل المعلومات فورًا إلى سلسلة القيادة في الجيش الأميركي والسفير الأميركي في بغداد، والقادة العراقيين ذوي العلاقةquot;.

تصوير ضحايا التعذيب

وعلمت صحيفة الغارديان أن ضلوع وحدات الشرطة العراقية الخاصة في التعذيب دخلت الوعي الشعبي في العراق عندما عُرض بعض ضحايا التعذيب على شاشة التلفزيون في برنامج اسمه quot;الارهاب في قبضة العدالةquot;.

وابتاعت معتقلات قوات الشرطة الخاصة العراقية كاميرات فيديو بتمويل من الجيش الأميركي لاستخدامها في تصوير المعتقلين وعرضهم في البرنامج. وحين بدأ البرنامج يثير غضب العراقيين يتذكر الجنرال السامري أنه كان في منزل الجنرال عدنان ثابت، قائد القوات الخاصة العراقية، حين اتصل مكتب بترايوس مطالبًا بالكف عن عرض ضحايا التعذيب على التلفزيون.

وقال السامري quot;إن مترجم الجنرال بترايوس الخاص سعدي عثمان اتصل لنقل رسالة من الجنرال بترايوس يقول لنا ألا نعرض السجناء على التلفزيون بعد تعذيبهم. وبعد 20 دقيقة تلقينا مكالمة من وزارة الداخلية العراقية تقول لنا الشيء نفسه، بأن الجنرال بترايوس لا يريد عرض ضحايا التعذيب على التلفزيونquot;.

وأكد المترجم عثمان الذي يعيش الآن في نيويورك أنه اجرى الاتصال باسم بترايوس إلى قائد قوات الشرطة الخاصة العراقية يطلب منه التوقف عن عرض السجناء المعذبين.

واستبعد الجنرال ثابت الفكرة القائلة إن الأميركيين كانوا لا يعرفون بما تفعله قوات الشرطة الخاصة العراقية. وقال: quot;إلى أن غادرت كان الأميركيون يعرفون كل شيء أعرفه. وكانوا يعرفون ما يجري في التحقيقات ويعرفون المعتقلين. وحتى بعض المعلومات عن المعتقلين كانت تأتي الينا منهم. إنهم يكذبونquot;.

فرق موت

وقبل فترة على مغادرة بترايوس وستيل العراق عُين باقر جبر صولاغ وزيرًا جديداً للداخلية. وتصاعدت في زمن صولاغ الذي كان يرتبط بميليشيا فيلق بدر العنيفة، الاتهامات الموجهة إلى كوماندو الشرطة العراقية بممارسة التعذيب واستخدام اساليب وحشية. وكان يُعتقد على نطاق واسع أن هذه الوحدات تحولت إلى فرق موت ايضاً.

وعلمت صحيفة الغارديان أن بترايوس تلقى تحذيرات مسؤولين عراقيين عملوا مع الأميركيين بعد الغزو من عواقب تعيين صولاغ وزيرًا للداخلية، ولكن تحذيراتهم لم تلقَ أذنًا صاغية.

واسفر تمويل وتسليح هذه القوات الخاصة عن اطلاق ميليشيا طائفية قاتلة ارهبت السنة وساعدت في اشعال حرب اهلية اوقعت عشرات آلاف القتلى، كما لاحظت صحيفة الغارديان مشيرة إلى أنه في ذروة هذا النزاع الطائفي كانت 3000 جثة تفرش شوارع العراق كل شهر.