بيروت: أظهرت سنتان من النزاع المدمر في سوريا الرئيس السوري بشار الاسد حاكما متسلطا مستعدا للقيام بكل شيء للبقاء في السلطة، رغم الضربات التي يتلقاها جيشه من مقاتلي المعارضة والعزلة الدولية المفروضة عليه.

وتقول مراسلة صحيفة quot;صنداي تايمزquot; البريطانية في دمشق هلا جابر التي حاورت الرئيس السوري الاسبوع الماضي في دمشق لوكالة فرانس برس ان الاسد quot;يعطي انطباعا بانه مطمئن، واثق من نفسه، وبالتأكيد ليس على وشك الرحيلquot;.

واكد الرئيس السوري في مقابلته مع الصحيفة البريطانية انه لن يتنحى عن السلطة. فيما اعلنت ايران انه سيخوض الانتخابات الرئاسية المقررة العام 2014. وفي خطاباته المباشرة ومقابلاته الصحافية النادرة، يظهر الرئيس السوري اجمالا بصورة الرجل الواثق والمرتاح، رغم بعض الابتسامات المتوترة.

وقد اضطر الاسد الذي كان بدأ يمارس طب العيون بعد تخصصه في بريطانيا للعودة الى سوريا بعد وفاة شقيقه الاكبر باسل في حادث سير، وما لبث ان خلف والده حافظ الاسد الذي توفي العام 2000 على راس الدولة. وكان شابا خجولا ومرتبكا ومتكلفا الى حد بعيد.

وساهمت سنوات حكمه الـ13 في تحويله الى رئيس صلب العود. على مدى عامين من الاحتجاجات المطالبة بسقوطه، انتهت الى غير رجعة صورة الرئيس الاصلاحي العصري لتحل محلها صورة القائد عديم الرحمة.

في بداية الحركة الاحتجاجية ضده في منتصف آذار (مارس) 2011، رفض الاسد انتقاد او معاقبة عناصر اجهزة الامن الذين عذبوا بوحشية اطفالا كتبوا عبارات مناهضة للنظام على جدران مدينة درعا (جنوب) التي تحولت سريعا الى quot;مهد الثورةquot;.

ورفع المتظاهرون في المرحلة الاولى لواء الاصلاحات السياسية من دون ان ينادوا باسقاط الاسد، بيد ان القمع الوحشي للتظاهرات السلمية جعل من الرئيس شخصا مكروها من المعارضين. في المقابل، لا زال يحظى بتأييد شريحة لا باس بها من السوريين.

ويعتبر نيكولاوس فان دام، دبلوماسي هولندي خبير في الشأن السوري، ان الاسد quot;بات هو من يدير كل الامور اكثر من ذي قبل، ولو انه غير قادر على الفعل من دون الاعتماد على التركيبة العسكرية والامنيةquot;.

ويضيف مؤلف كتاب quot;القتال من اجل السلطة في سوريا: الطائفية، المناطقية، والقبلية في السياسة 1961-1994quot;، ان الاسد quot;سيقاتل حتى الموت اذا لزم الامر، لكنه لن يوافق على طرح رحيله (عن السلطة) للنقاشquot;.

وبحسب فان دام، ثمة امور كثيرة على المحك بالنسبة الى الاسد، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل على صعيد مؤيديه والاقلية العلوية التي ينتمي اليها. ويوضح quot;هناك خطر بان يكون المستقبل حربا اهلية طويلة وعنيفةquot;.

وعلى رغم فقدان قواته السيطرة على مناطق واسعة في شمال سوريا وشرقها لصالح مقاتلي المعارضة، يبدو الاسد مقتنعا بانه سيخرج منتصرا من النزاع الذي اودى بنحو 70 الف شخص خلال عامين. ويقول مدير المعهد الالماني للسياسة الدولية والشؤون الامنية في برلين فولكر بيرثيس ان الاسد quot;يبدو منفصلا عن الواقع اكثر فاكثر، ومقتنعا بانه سينتصر عسكرياquot;.

مدفوعا بايديولوجية quot;العداء للامبرياليةquot; المتجذرة في حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم منذ خمسين عاما، يستخدم الاسد خطابا يقدم بلاده ضحية quot;مؤامرةquot; خارجية تستهدفه بسبب دعم نظامه للمجموعات المعادية لاسرائيل مثل حزب الله اللبناني.

ويعتقد انه، بسيطرته على المدن الكبرى، لا سيما دمشق، اضافة الى غرب سوريا، يحتفظ لنفسه باوراق سيستخدمها يوم تطلق الولايات المتحدة وروسيا مرحلة تفاوضية للبحث عن حل للنزاع. حتى ذلك الحين، يمكن للرئيس السوري الاعتماد على قواته النظامية واجهزته الامنية، برغم تزايد الصعوبات التي تلاقيها في مواجهة المقاتلين المعارضين.

ويقول الوزير اللبناني السابق وئام وهاب الذي التقى الرئيس السوري مؤخرا، ان الاسد quot;حزين على سوريا لكنه يدرك ان امكانية هزيمته صعبةquot;. ويقول وهاب لفرانس برس ان الاسد quot;مرتاح ومنزعج في الوقت نفسه: مرتاح على الصعيد الشخصي وللنتيجة، لكنه منزعج لان الكثير مما بناه هو وبناه والده في سوريا يدمر امام عينيهquot;.

ويضيف ان الاسد quot;لم يتغير. اعرف انه يمارس الرياضة كل يوم. باكرا يقرأ بعض المواقع (الالكترونية) والاخبار، ويطلع على التقارير اليوميةquot;، مضيفا quot;كان مرتاحا آخر مرة رايتهquot;. لكن وهاب يشير الى ان الاسد بات يمتنع عن القيام ببعض الامور مثل quot;زيارة المطاعم او توصيل ابنائه الى المدرسة بنفسه كما كان يفعل في البدايةquot;، لان خطوات كهذه باتت ذات quot;محاذير امنيةquot;.

ويؤكد بيرثيس ان الرئيس السوري لن يغير موقفه رغم الضغوط الخارجية التي تدفع في اتجاه حوار بين النظام والمعارضة يؤدي الى تشكيل حكومة انتقالية. ويقول الخبير الالماني ان الاسد quot;لن يفاوض، لا على رحيله ولا على مستقبلهquot;.