تمتعت القاعدة بملاذ آمن لفترة طويلة في إيران حيث سمحت للتنظيم باستخدام أراضيها للعبور إلى أفغانستان. لكن يبدو أن قرار طرد أبو غيث من طهران يشير إلى بوادر شرخ في هذه العلاقة بالإضافة إلى حرب سوريا حيث يدعم كل منهما طرفًا معاديًا للآخر.


لندن: يشير قرار إيران بطرد مسؤول قيادي في تنظيم القاعدة إلى بوادر حملة ضد الجماعة الإرهابية التي ظلت فترة طويلة تتمتع بملاذ آمن داخل الأراضي الإيرانية، كما افاد مسؤولون أميركيون.

ويشكل إبعاد سليمان أبو غيث صهر أسامة بن لادن والمتحدث السابق باسم تنظيم القاعدة، المرة الثالثة على الأقل خلال العام الماضي التي يضطر فيها قيادي من القاعدة إلى مغادرة الأراضي الإيرانية بعد البقاء فيها بين الاستضافة والاقامة الجبرية.

توتر سببه سوريا

ويرى مسؤولون وخبراء أميركيون مختصون بدراسة الجماعات الارهابية أن تشدد إيران يعكس على ما يبدو تصاعد حدة التوتر بين ملالي إيران وتنظيم القاعدة، وخاصة بسبب الحرب الأهلية المستعرة في سوريا حيث يدعم كل منهما طرفًا معاديًا للطرف الآخر.

وفي الوقت نفسه ترصد أجهزة الاستخبارات الغربية خطوات تتخذها إيران للحفاظ على علاقاتها بتنظيم القاعدة من خلال السماح له باستخدام الأراضي الإيرانية للعبور إلى أفغانستان والخروج منها.

دعم عمليات القاعدة

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن ديفيد كوهين مساعد وزير الخزانة الأميركي لمكافحة الارهاب والاستخبارات المالية quot;ان إيران تواصل السماح لتنظيم القاعدة بإدارة شبكة تنقل الأموال والمقاتلين عبر الأراضي الإيرانية لدعم عمليات القاعدة في جنوب آسياquot;.

ولفت كوهين إلى الطبيعة المتناقضة أحيانا للعلاقة قائلا إن تنظيم القاعدة يستخدم شبكات الترانزت نفسها لإيصال المال والمقاتلين إلى سوريا حيث يقاتل متطرفون اسلاميون يرتبطون بتنظيم القاعدة ضد قوات النظام السوري المدعوم من إيران. وتعتبر جبهة النصرة التي ادرجتها وزارة الخارجية الأميركية على قائمة المنظمات الارهابية من اقوى الجماعات المسلحة في صفوف المعارضة السورية ضد قوات الأسد.

علاقة مريبة!

وسلطت الوثائق التي أُخذت من مجمع بن لادن في مدينة ابوت آباد الباكستانية مزيدًا من الضوء على العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران، وهي علاقة حرص الجانبان على إدامتها رغم الريبة العميقة بأحدهما الآخر والخلافات الحادة في الايديولوجيا والتكتيكات.

وقال الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمستشار في إدارة أوباما لشؤون مكافحة الارهاب بروس ريدل quot;انها شراكة مصلحية بمطبات كبيرةquot;.

إقامة فضفاضة

واشتملت العلاقة طوال سنوات على اتباع سياسة غير معلنة في توفير ملاذ لعناصر القاعدة الذين هربوا إلى إيران بعد سقوط حكم طالبان في آفغانستان آواخر عام 2001. وسمحت إيران للعديد من قياديي القاعدة والمرتبطين بزعيم التنظيم، بمن فيهم احدى زوجات بن لادن وعدد من اطفاله، بالإقامة في شرق إيران، بحرية أولا ثم تحت شكل فضفاض من أشكال الإقامة الجبرية لاحقا.

ويقول مسؤولون أميركيون إن القيود التي فرضتها إيران فيما بعد كانت بتأثير الضغوط الأميركية ومن أجل استخدامها أداة ضد تنظيم القاعدة إذا أساء التصرف داخل الأراضي الإيرانية. ولكن يبدو ان إيران، بعد عشر سنوات من هذه التسهيلات، سئمت من ضيفها الثقيل، كما قال محللون.

أبو غيث أجبر على الرحيل

وغادر اثنان من قياديي القاعدة إيران العام الماضي ولكن لا يُعرف إن كانت مغادرتهما بطلب من الإيرانيين أو بإرادتهما. ويبدو مما رواه مسؤولون أميركيون وأكدته مواقع جهادية على الانترنت أن أبو غيث غادر مجبرا دون ان يُترك له خيار. إذ أبلغه الإيرانيون بالرحيل إلى بلده الكويت.

ورفضت السلطات الكويتية قبوله في البداية فغادر جوًا إلى تركيا حيث اعتقلته الشرطة ثم سمحت له بركوب طائرة كانت متوجهة إلى الكويت في 28 شباط (فبراير). وخلال توقف الطائرة في العاصمة الاردنية عمان قام ضباط من الاستخبارات الأميركية باعتقال أبو غيث الذي ينتظر الآن محاكمته في نيويورك بعدة تهم ارهابية.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن دان بايمان الخبير بمكافحة الارهاب في معهد بروكنز أن الطريقة التي طُرد بها أبو غيث تبدو محسوبة بحيث تسفر عن إلقاء القبض عليه في إشارة من إيران إلى حدوث تغير في علاقتها مع تنظيم القاعدة.

ضيف ثقيل

وقال بايمان quot;إنها كانت خطوة كبيرة، بعدم إرساله إلى باكستان بل في الاتجاه المعاكس. وما نراه هو سياسة تنطوي على قدر من المواجهة في السياسة المتبعة تجاه تنظيم القاعدة تشير إلى أنّ إيران أخذت تضيق ذرعا باستضافة هؤلاءquot;.

ويبدو أن الشك متبادل بين الطرفين، كما يتضح من المراسلات التي جرت بين مسؤولين في تنظيم القاعدة خلال الأشهر التي سبقت مقتل بن لادن في ايار (مايو) 2011.

وكتب بن لادن في رسالة الكترونية تاريخها ايار (مايو) 2010 quot;ان الإيرانيين ليسوا موضع ثقةquot;. وكانت إيران قررت وقتذاك الاستجابة لطلب تنظيم القاعدة السماح لعدد من افراد عائلة بن لادن بالسفر إلى باكستان. ولكن بن لادن كان يخشى من تجسس الإيرانيين على اهله أو استدراجهم إلى مصيدة. وكتب زعيم تنظيم القاعدة quot;انهم قد يزرعون شرائح الكترونيةquot; في متعلقات افراد عائلته لأغراض التنصت.

ويبدو أن إيران سعت إلى إبقاء ضيوفها من عناصر القاعدة أسرى مشيئتها بتقديم خدمات اليهم تارة وحجبها عنهم تارة أخرى لكي يستمروا في الاعتماد عليها، كما افاد مسؤولون ومحللون أميركيون.

اتقاء شر القاعدة

وأسهمت هذه الاستراتيجية في اتقاء شر القاعدة وعدم استهداف مؤسسات النظام الإيراني، ومنحت إيران خيار العمل مع التنظيم لتنفيذ هجمات ضد مصالح غربية في حال تعرض إيران لهجوم، بحسب المحللين.

ولا يرى المسؤولون الأميركيون دليلاً على دعم إيران لإرهاب القاعدة في الولايات المتحدة أو اوروبا الغربية دعمًا مباشرًا. ولكنّ لإيران تاريخًا مديدًا من دعم جماعات تعمل بالنيابة لاستهداف اعدائها مع إبقاء طهران بعيدة عن المحاسبة. وقال المستشار في إدارة أوباما لشؤون مكافحة الارهاب بروس ريدل quot;هناك الكثير مما يمكن ان تفعله إيران، بكل بساطة من خلال تسهيل السفرquot;.

وبحسب ريدل فان استعداد إيران لتمكين القاعدة من استخدام طرق مرور عبر اراضيها يمنح القادة الإيرانيين رصيدًا يستطيعون استثماره لاحقا.

وتعمل القناة الإيرانية التي يستخدمها تنظيم القاعدة لتمرير المقاتلين والأموال منذ سنوات مستخدمة شبكة من العناصر الذين يعيشون على امتداد هذه الطرق ويشكلون حلقة وصل بالغة الأهمية إلى مصادر التمويل والقوى البشرية في بلدان خليجية، بحسب الخبراء.

وفي الأشهر الثمانية عشر الماضية فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات ضد سبعة أشخاص بتهمة تشغيل هذه القناة لتمرير مقاتلين وأموال عبر الأراضي الإيرانية إلى افغانستان وباكستان.

وقال كوهين مساعد وزير الخزانة إن قناة تنظيم القاعدة لإيصال المقاتلين والمال تحظى بموافقة رسمية من إيران بخلاف تهريب المخدرات على هذه الطرق نفسها. واضاف كوهين quot;انهم يعملون باتفاق مع الحكومة الإيرانيةquot;.