التحقق من استخدام سلاح كيميائي في حلب ليس صعبًا، لكنه ليس سهلًا في سوريا اليوم. فمصادر المعلومات الموثوقة غير متوافرة، ولا عملاء أميركيين في سوريا، لأن الولايات المتحدة انشغلت عن هذا البلد في العقد الماضي بشؤون العراق وأفغانستان، ففاتها ما تحضره القاعدة هنا.


إذا كان هناك من يشك بعد في حجم البلبلة التي تسببها الحرب الأهلية المستعرة في سوريا، فإن الالتباس الذي اقترن بدعاوى استخدام اسلحة كيميائية في هجوم وقع قرب حلب الاسبوع الماضي كفيل بتبديد شكوكه.
يُفترض أن يكون الهجوم قد حدث في 19 آذار (مارس) الماضي، لكن هذه هي الحقيقة الوحيدة المعروفة إذ لا يستطيع أحد التأكيد من هي الجهة المسؤولة عن هذا الهجوم، أو ما إذا استُخدمت فيه اسلحة كيميائية فعلًا.

غاز خاص

قالت مجلة تايم إن خبراء في الأسلحة الكيميائية أبدوا شكوكًا عميقة في حقيقة استخدام أي نوع من غازات الأعصاب في هذا الهجوم. والمعروف أن لدى جيش النظام السوري غاز في أكس وغاز سارين، لكن استخدام أي منهما كان سيوقع خسائر مريعة في الأرواح، بما في ذلك قتل آلاف الأشخاص. ومن جهة أخرى، لا يستبعد الخبراء أنفسهم أن غازًا خاصًا ربما استُخدم بالسيطرة على حشود متظاهرة، ولكن من يستطيع تأكيد ذلك من دون أدلة حقيقية من داخل سوريا؟

وقال مقاتل في قوات المعارضة السورية لمجلة تايم: quot;نحن لا نعرف كيف نستخدم هذه المادةquot;، ولكنه استدرك قائلا إن هناك جماعات مسلحة في صفوف المعارضة لا يستطيع الجزم إن كانت على دراية في هذا المجال. ولفت إلى أن جبهة النصرة نفسها التي أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الارهابية لارتباطها بتنظيم القاعدة، فقدت السيطرة على عدة مجموعات مسلحة تقاتل باسمها.

المصدر الموثوق مفقود

السبب البديهي لهذا الجهل بحقيقة ما يجري في سوريا هو شح الأخبار الموثوقة. فقناة الجزيرة القطرية تقف في الخطوط الأمامية لكن قطر لم تكلف نفسها حتى إخفاء انحيازها إلى احد الأطراف المتحاربة في سوريا، ولا تتجشم حتى عناء التظاهر بالموضوعية، بحسب مجلة تايم، مضيفة أن التغطية الغربية متقطعة وغير متوازنة وبعيدة كل البعد عن تقديم تقارير وافية حول أمر مثل وقوع هجوم كيميائي.

اما الاستخبارات الاميركية فلا عملاء لها على الأرض في سوريا، وخصوصًا في منطقة عسكرية ساخنة مثل حلب. ففي ذلك خطورة كبيرة لا تستحق المجازفة، كما ترى مجلة تايم. ولا يبقى سوى بديل لا يفضله الاعلاميون هو انتظار اللاجئين السوريين الذين ينزحون إلى تركيا أو جنوب الاردن. لكن معلوماتهم تكون عادة مفككة وغير دقيقة، ويصعب التأكد من صحتها. اما الجيش السوري الحر فيقول أي شيء لإقناع الغرب بالتدخل للتخلص من نظام الرئيس بشار الأسد، على حد تعبير مجلة تايم.

فاتتهم سوريا

استبعاد استخدام غاز من غازات الأعصاب في الهجوم الصاروخي على حلب لا يتطلب كثيرًا من الجهد. إحدى الطرق للقيام بذلك تحليل عينات من فلتر الهواء من السيارات التي كانت قرب المكان وقت الهجوم المفترض. فهذه الطريقة على بدائيتها تقدم دليلًا قاطعًا على استخدام الغاز. لكن حتى هذا يبدو صعب التنفيذ في سوريا اليوم.

إلى ذلك، لم تبذل الاستخبارات الاميركية مجهودًا كافيًا لمراقبة سوريا خلال السنوات الماضية، لأن حربي العراق وافغانستان استأثرتا بالقسم الأعظم من عملائها ومواردها المادية. وقد تكون لدى الولايات المتحدة الآن جحافل من العملاء والمحللين الذين يستطيعون رفدنا بالمعارف عن هذين البلدين أكثر من أي بلد آخر في العالم، لكنهم عمليًا لا يعرفون شيئًا عن سوريا.

وبحسب تقرير لواشنطن بوست في اليوم التالي على وقوع الهجوم، أصدر فريق من مستشاري البيت الأبيض تقريرًا سريًا يقول فيه إن مهمة اجهزة الاستخبارات الاميركية في جمع المعلومات معوقة بسبب تخصيص الكثير من الموارد المالية والبشرية للعمليات العسكرية والطائرات من دون طيار في العراق وافغانستان. وثمة سيناريو غير مكتوب مؤداه أن الولايات المتحدة في غمرة الحملة لاصطياد زعماء تنظيم القاعدة الأم فاتها ما كان فرع التنظيم يعده في سوريا.

للعودة إلى القديم

من الشكاوى التي يكررها ضباط المخابرات الأميركية أن واشنطن اعتمدت على تحليل المعلومات باستخدام أجهزة الكومبيوتر الفائقة ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت عمومًا. وقد تكون هذه طريقة مجدية لتوجيه الطائرات من دون طيار في الحروب، لكنها عديمة الفائدة عمليًا في دولة بوليسية مثل سوريا، حيث استخدام الانترنت محدود للغاية والهواتف الخلوية معطلة الآن.

وإذا استمر الوضع في سوريا والشرق الأوسط عمومًا في التردي، فإن الوقت قد حان لإحداث تغيير في عمل المخابرات. وبدلًا من إجلاس آلاف الكوادر أمام شاشات يتابعون ما تضخه طائرات التجسس من دون طيار من معلومات، آن الأوان للعودة إلى الطريقة القديمة في جمع المعلومات، بإرسال شخص يُجند على الأرض لإحضار فلترات هواء يأخذها من عشر سيارات أو نحو ذلك من حلب. ويمكن لمثل هذه العملية أن تكون الفارق بين الحرب والسلام، بحسب مجلة تايم.