تراجع عدد السيّاح الأجانب الوافدين إلى الجزائر بسبب التدهور الأمني في منطقة الساحل الأفريقي، وبسبب عدم حصولهم على تأشيرات دخول إلى الجزائر، وهو ما تضعه الحكومة الجزائرية في خانة الحفاظ على سلامة الأجانب وتشجيع السياحة الداخلية.

الجزائر: تسبب تدهور الوضع الأمني في الساحل الأفريقي بتراجع عدد السيّاح الأجانب الوافدين إلى الجزائر. ورغم تطمينات الحكومة بأن نسبة التراجع ضئيلة ومحدودة، إلا أن أصحاب الوكالات السياحية متذمرون من قرار الحكومة التشدد في منح التأشيرات للسيّاح الأجانب، الراغبين في زيارة مناطق محددة بالجنوب الجزائري، خوفًا من تدهور الأوضاع الأمنية، إذ رأوا في القرار سببًا لتراجع السيّاح القادمين إلى الجزائر.
تشجيع السياحة الداخلية
كان محمد بن مرادي، وزير السياحة الجزائري، اعترف في تصريحات سابقة بأن السياحة الصحراوية تعيش أزمة حقيقية استنادًا للإحصائيات التي كشفت عن تراجع عدد السيّاح الأجانب بنسبة معتبرة، بسبب تداعيات الوضع الأمني في منطقة الساحل. واشار الوزير إلى أن تقييم وضع السياحة في هذه المناطق أمر صعب.
وكشف بن مرادي في لقاء مع الاذاعة الجزائرية تنظيم سوق محلية للترويج للسياحة الصحراوية، بحيث يكون عدد السيّاح الجزائريين اكثر من السيّاح الأجانب، quot;والهدف من هذه الخطة جذب السائح الجزائري الذي يفضل السفر إلى دول أجنبية لقضاء عطله، بدلًا من البقاء في الجزائرquot;.
وبخصوص السياحة الصحراوية، اشار بن مرادي إلى أن quot;مصالحه ستعمل على تجديد بعض المسالك الصحراوية وتطويرها، وخلق مسالك جديدةquot;، موضحًا أن الأوضاع الأمنية في الساحل تعطل هذه العملية.
كما كشف بن مرادي عن متاعب تواجهها الوكالات السياحية في الصحراء، بسبب الركود الذي يميز النشاط السياحي في الفترة الأخيرة، معترفًا بوجود صعوبات كبيرة في منح التأشيرات للسيّاح الأجانب.
لكنه صرح منذ يومين، خلال ندوة صحفية بمناسبة انطلاق اشغال الجلسات الوطنية الثانية للسياحة، قائلًا إن الجزائر استقبلت نحو 250 ألف سائح اجنبي خلال العام 2012، وهو العدد الذي يعتبره البعض بعيدًا عن الواقع.
تهديد إقتصادي
وفي السياق نفسه، كشف بشير جريبي، رئيس نقابات الوكالات السياحية والأسفار، لـquot;ايلافquot; أن السياحة الصحراوية تراجعت خلال الفترة الأخيرة بنسبة 90 في المئة، quot;بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في منطقة الساحل، والأزمة في مالي، وتهديدات الارهابيين بخطف السيّاح الأجانبquot;.
وتوقع جريبي أن ينعكس هذا التراجع بشكل لافت على الاقتصاد الجزائري، quot;كما ستدفع هذه الأوضاع بالعديد من الوكالات السياحية العاملة في الجنوب الجزائري إلى التوقف عن ممارسة نشاطهاquot;.
وعلى الرغم من امتيازات وفرتها شركة الخطوط الجوية الجزائرية للسيّاح بتخفيض سعر التذاكر بنسبة 50 في المئة، بدأت في أيلول (سبتمبر) الماضي وتنتهي بنهاية نيسان (أبريل) الحالي، الا أن اقبال السيّاح في تراجع مستمر.
وقال جريبي: quot;إغلاق العديد من المواقع السياحية المعزولة، حفاظًا على أمن السيّاح، تسبب أيضًا في تراجع عددهمquot;.
مورد بديل ممكن
من جانبه، حمل شريف مناصرة، نائب رئيس نقابة الوكالات السياحية، في تصريح لـquot;ايلافquot;، الحكومة الجزائرية مسؤولية تراجع عدد السيّاح الأجانب خلال الفترة الأخيرة، quot;والسبب في ذلك غياب قنوات الاتصال بين الجزائر والسيّاح الأجانبquot;.
وأشار مناصرة إلى أن قرار منع الأجانب من التجول في الجنوب الجزائري يمس اماكن محددة فقط أهمها منطقة الأهقار القريبة من مالي، quot;وهناك أماكن أخرى عديدة في الصحراء الجزائرية يمكن لهؤلاء السيّاح أن يستمتعوا بزيارتها، لكن بسبب غياب الاتصال يعتقد الأجانب أن الوضع الأمني متدهور بشكل عام في الجنوب الجزائري، فيخافون من القدوم إلى الجزائر، التي ترفض منح العديد منهم تأشيرات دخولquot;.
اضاف: quot;كان بإمكان الجزائر أن تستغل الأوضاع الأمنية المتدهورة في دول الجوار، خصوصًا في تونس، وتقوم باستقطاب السيّاح الأجانب، لكن ذلك لم يحدثquot;.
ويشير مناصرة إلى أن في الجزائر امكانيات هائلة لو تم استثمارها بشكل جيد لخلقت مورداً مالياً بديلاً للاقتصاد الوطني، المعتمد بشكل كلي على عائدات النفط.
أنشطة غير قانونية
تشير مصادر إلى أن عدد السياح الوافدين إلى محافظة تمنراست، الواقعة على الحدود مع مالي، لم يتجاوز 643 سائحًا خلال العام 2012، أي بنسبة انخفاض تجاوزتالـ60 في المئة مقارنة بالعام 2011، ما يهدد نحو 80 مكتبًا وشركة سياحية باغلاق ابوابها.
ولا تقتصر النتائج المالية السلبية الناتجة عن تراجع السياحة فقط على الوكالات السياحية، بل تشمل أيضًا السكان المحليين من الطوارق، الذين يعملون مرشدين سياحيين في الصحراء. وأشار احد العاملين في مجال السياحة بمحافظة تمنراست بالجنوب الجزائري إلى غياب أي وسيلة أخرى لكسب الرزق، quot;فالمنطقة كلها تعيش على التجارة التي تزدهر مع قدوم السيّاح، لكن مع تراجع أفواج الأجانب نضطر إلى ممارسة أنشطة اخرى غير شرعية وغير قانونية، ونخاطر بحياتنا ومستقبل عائلاتنا من أجل تأمين لقمة العيش، مع أننا لا نرغب في ذلكquot;.
لا حياة لمن تنادي
دفع هذا الوضع بأصحاب الوكالات السياحية إلى طلب دعم مباشر من الحكومة، من خلال مراجعة هامش الضرائب المفروضة عليها. ووعد كاتب الدولة المكلف بالسياحة محمد أمين حاج السعيد اصحاب الوكالات السياحية بأنه سيقدم اقتراحًا للحكومة لتخفيف اجراءات الحصول على التأشيرة لصالح السيّاح الأجانب الذين يرغبون في التوجه نحو الجنوب الجزائري.
وبسبب عدم استجابة الحكومة لمطالب الوكالات السياحية، قاطعت أول أمس الجلسات الوطنية السياحية الثانية التقييمية لقطاع السياحة. وقال بن مرادي إن هذا الأمر فاجأه، وتابع: quot;السياحة ليست للأجانب فقطquot;.
واوضح جريبي قائلًا: quot;قاطعنا الجلسات لأننا نعيش في أزمة، ولا حياة لمن تنادي، والحل الوحيد هو بمنح الأجانب تأشيرات دخول إلى الجزائر لأننا نتفاوض مع السيّاح ثم نتخبط في المشاكلquot;.