باراك أوباما لا يريد اتخاذ قرار التدخل في سوريا بناءً على انطباعات غير مؤكدة، وفي الوقت نفسه تبادر المخابرات الأميركية إلى تعزيز دعمها للجيش الحر، وفق مراحل مدروسة، تنتهي بتسليمه سلاحًا أميركيًا يعينه في حربه مع الأسد.


بيروت: حين تحول الحراك السوري السلمي إلى ثورة مسلحة، بعدما أمعن نظام الرئيس السوري بشار الأسد في قتل المتظاهرين المدنيين، ظن الثوار أن أميركا والأطلسي سيهبان لعونهم كما فعلوا في ليبيا، أو سيقدمان لهم كل الدعم السياسي كما فعلوا في مصر، وهذا أضعف الإيمان.

إلا أنهم لم يجدوا من الجبار الأميركي سوى التردد، خصوصًا حين نجح الأسد في نعر المجتمع الدولي وتأليبه ضد الثورة، بتصويرها حاملة راية القاعدة السوداء وفكر بن لادن الارهابي.

فهذا الجبار اكتوى بناري العراق وأفغانستان، والرئيس الأميركي باراك أوباما يعد انسحاب الولايات المتحدة من هاتين الدولتين أهم ما أنجز على المستوى الخارجي، مقلصًا الضرر اللاحق بقواته إلى العدم تقريبًا.

وهذا ما يمسكه فعليًا عن التدخل العسكري المباشر في سوريا، وإنهاء الأسد، إذ يعدها مخاطرة لا يريد الدخول في غمارها أبدًا، رافضًا بذلك الرضوخ لضغوط داخلية من الكونغرس الأميركي، الذي يدعوه للمبادرة إلى تسليح المعارضة السورية بما يمكنها من إسقاط الأسد، وخارجية من المعارضة السورية ومن يدعمها من الدول العربية.

لا انطباعات

لا يريد أوباما المخاطرة بالتدخل عسكريًا في سوريا، وقال: quot;لا أتخذ القرارات على أساس الانطباعات، ولا يمكنني جمع ائتلاف دولي حول انطباعات، فسبق وقمنا بذلك في الماضي ولم يجر الامر بشكل جيدquot;.

الانطباعات هي التي لا يريدها أوباما أن تكون دافعه لاتخاذ قرار التدخل العسكري في سوريا. والانطباعات هذه تتركز حول تطمينات تتلقاها الولايات المتحدة دائمًا من أطراف عدة في المعارضة السورية، تؤكد أن سوريا ما بعد الأسد ليست دولة مجاهدين، وأن السلاح إن قدمته أميركا لن يقع أبدًا في قبضة النصرة.

فهذه التطمينات لا تلقى الكثير من الآذان الصاغية في فريق أميركي لا يرى من المسألة إلا وقوع أسلحة تُقدم إلى مقاتلي المعارضة في أيدي جماعات جهادية متطرفة، لا تلبث أن توجهها نحو الولايات المتحدة، أو نحو إسرائيل. وتروي تقارير عن مسؤول في البيت البيض يقول: quot;نذكر أننا كنا من زود بن لادن بصواريخ مضادة للطائرات تضرب عن الكتف، ليسقط بها السوخوي الروسية في أفغانستان، فاستخدمها طالبان في ما بعد لاستهداف طائراتناquot;.

الماضي لا يموت

والفريق هذا لا يركن كثيرًا أيضًا إلى ما تقوله المعارضة عن وهن الجيش النظامي وفرق الشبيحة، خصوصًا في الدفاع الجوي، لذا يسرّون في أذن أوباما مخاوفهم من أن يؤدي توجيه ضربات جوية أميركية للقوات السورية، أو التدخل لفرض منطقة حظر جوي، إلى ما لا تحمد عقباه على المستوى الميداني، بالإضافة إلى ما قد يؤدي إليه يأس الأسد من اللجوء إلى آخر الدواء، اي الكي بالسلاح الكيميائي.

أما إشارته إلى الماضي الذي لم يجر فيه الأمر بشكل جيد، فالعراق ما زال أمثولة تستشف منها الدروس حتى اليوم، إذ تكتل الغرب أخاف أميركا، ونزلوا العراق غزاة بحجة السلاح غير التقليدي، وما وجدوا شيئًا، وللآن لم يصل ليد أوباما تقرير واحد يحتّم بما لا يحتمل الشك أن الأسد ضرب مناطق الثوار بسلاح كيميائي.

انفصام!

لكن الولايات المتحدة، من دون شك، تعيش حالة من الانفصام، لا تخفى على أحد. فالسياسة المعلنة هي التردد وطرح التساؤلات، وانتظار الإجابات من مصادر لا تبدو الادارة الأميركية نفسها واثقة بها.

وفي خط موازٍ، تجد الإدارة الأميركية أكثر فأكثر تعزز دعمها للجيش السوري الحر، راسمةً لهذا الدعم خارطة طريق، تتكون من ثلاث مراحل.

في المرحلة الأولى، تقدم الولايات المتحدة مساعدات غير فتاكة، لفصائل الجيش الحر، مع التأكد من عدم وصول أي من المساعدات الأميركية إلى منظمات جهادية. ولتسهيل هذا الأمر، تتكل الادارة الأميركية على اللواء سليم إدريس، رئيس المجلس العسكري الأعلى الجديد لقوات الثورة السورية، الذي تثق به. فقد صار إدريس هو القناة الوحيدة لوصول أي دعم بالسلاح أو التمويل لكتائب الجيش الحر.

أما المرحلة الثانية فتشمل تقديم الدعم الاستخباراتي الميداني، بما في ذلك المراقبة الحيّة لتحركات جيش النظام وتقدّم قواته، والتدريب المكثف لعناصر منتقاة من الجيش الحر في معسكرات تابعة للجيش الأردني في عمان، من أجل أن تكون نواة الجيش السوري الوطني الجديد، الذي لا يقع تحت تأثير المنظمات المتشددة. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة، تبادر الولايات المتحدة إلى إمداد الجيش الحر بالسلاح الأميركي الذي يحتاج إليه، لإسقاط الأسد.

ويقول مراقبون أميركيون وأطلسيون يردون الارتباك الأميركي إلى أن أوباما واقع فعليًا بين مطرقة التدخل العسكري المكلف سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، خصوصًا أن أي دولة خليجية لم تعرض حتى الآن التزامها تكلفة الحرب المالية، وبين سندان القعود عن التدخل، الذي قد يهز صورة أميركا ومصداقيتها في العالم.