تتجه سوريا بخطى متعثرة نحو الحل السياسي الذي يمليه توافق كيري ndash; لافروف، غير أن إيران تريد أن تمتلك أكثر من ورقة رابحة على مائدة جنيف، ولهذا يجاهد حزب الله لاستعادة مواقع حساسة واستراتيجية تسيطر عليها المعارضة.


لوانا خوري من بيروت: تقف سوريا اليوم على مفترق طرق، أحلاها مرّ. فالحرب السورية مستمرة، والمعارك على أشدها في مختلف أنحاء سوريا، والعديد من المناطق يشهد عمليات كر وفر بين الجيش النظامي والثوار السوريين على اختلاف أهوائهم وانتماءاتهم. والمساعي الدولية قائمة على نار حامية، توصلًا إلى عقد مؤتمر دولي، توافق عليه الأميركيون والروس، بعدما جلس وزيرا خارجيتي الولايات المتحدة وروسيا مطوّلًا، وزانا التطورات والخيارات المتاحة بميزان الذهب، واتفقا على ترجيح كفة الحل السياسي.

رأى النظام السوري التطور في الموقف الأميركي متجهًا نحو التراجع عن وعود بدعم الجيش الحر سياسيًا وعسكريًا، ما عدّه بشار الأسد ضربة دولية للمعارضة السورية، تمثلت في موافقة وزير الخارجية الأميركي جون كيري على كل ما أملته موسكو من شروط، بما فيها بقاء الأسد حتى انتخابات سوريا في العام 2014، وعدم اشتراط رحيله، وكذلك تمثيله في جنيف -2.

سواعد حزب الله
إنطلاقًا من هذه القراءة، يسعى النظام السوري وحليفته إيران إلى استباق القمة الأميركية الروسية المقبلة في حزيران (يونيو) المقبل، بتغيير في الخريطة الميدانية. في هذا السياق توضع المعارك الطاحنة في مدينة القصير في ريف حمص، المحاصرة منذ أشهر، والاشتباكات العنيفة في مناطق أخرى، بينها ما تمكن فيها النظام من إحراز بعض التقدم على الأرض.

لكن هذا التقدم الميداني لم يتم بسواعد quot;قوات الأسدquot;، بل ببنادق الآلاف من عناصر حزب الله، المنتشرين في البقاع السورية. ومن المتوقع أن يوسعوا رقعة انتشارهم، بعدما نقلت مصادر إيرانية لصحيفة الحياة اللندنية أنباء عن إقناع إيران بشار الأسد بإعطاء دور غير محدود لحزب الله، ووضع كل إمكانات الجيش السوري في متناول قيادته، إذا ما أراد فتح جبهة الجولان ضد إسرائيل، لأن المنطقة لا تتحمّل سقوط الحكومة السورية.

وأشارت هذه المصادر إلى أن إيران تقول: quot;إذا كان سقوط الأسد مفروضًا من قبل الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، فليكن على حساب إسرائيل، وليس على حساب المقاومة في المنطقةquot;.

والمعروف أن حزب الله، ذراع إيران في المنطقة، يجاهر بدوره في إنعاش النظام السوري، من خلال إمداده بخيرة مقاتليه، ليمنع سقوطه الذي كان سريعًا. كما جاهر أمينه العام حسن نصرالله بأن الجبهة العربية الإسرائيلية في الجولان قد فتحت على مصراعيها، ما رأى فيه المعارضون السوريون خطوة إيرانية جديدة لإنقاذ الأسد، من خلال تقديمه مجددًا أحد أنجح حماة الديار الإسرائيلية، خصوصًا إذا قامت المفارقة بينه وبين جبهة النصرة.

الحرس يدرّب القاعدة
لكن الدور الإيراني يكتسب أهمية أكبر وتأثيرًا أشد، خصوصًا مع كشف تقارير صحافية من بغداد عن تولي عناصر من الحرس الثوري الإيراني تدريب مقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة في عين التمر، شمال غرب محافظة كربلاء.

فإلى قيام الحرس الثوري بتدريب عناصر شيعية عراقية وإرسالهم إلى سوريا عن طريق قوافل السياحة الدينية للزوار الإيرانيين المتوجّهين لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف، ثم إرسالهم إلى سوريا من مطار النجف على متن الخطوط الجوية العراقية، يقوم فيلق القدس بتدريب نحو 200 من عناصر القاعدة، بقيادة أبو محجوب الحمصي، تمهيدًا لإرسالهم للقتال في سوريا واختراق الجيش الحر.

يقول محللون سياسيون إن الاستخبارات الإيرانية جنّدت مجموعات من مقاتلي القاعدة الموجودين حاليًا في المدن السورية، درّبتهم في معسكرات التدريب الخاصة بالقاعدة في مدينة تنكه كنش في إقليم كرمنشاه، في خطوة خطط لها النظام الإيراني بعد عام على اندلاع الثورة السورية وتشكيل الجيش الحر.

أما الهدف من هذه الخطوة فتتمثل في إيهام المجتمع الدولي بأن سقوط نظام الأسد سيحوّل سوريا إلى مستقر للقاعدة، تنطلق منه للقيام بعمليات إرهابية في أوروبا، وبعمليات قرصنة للسفن الأوروبية في البحر الأبيض المتوسط. ويبدو أن إيران تحقق نجاحًا على هذا المحور.

استبعاد قطر
نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر واسعة الإطلاع إشارتها إلى حصول تحولات مهمة في مواقف دول عربية، باتجاه الدفع نحو الحل السياسي، ما حاصر الدور القطري، خصوصًا بعد تأكيدات أجهزة إستخبارات دولية، أن عناصر القاعدة هم من يقودون المعارك في سوريا، وبقية التنظيمات لا تلقى تعاطفًا شعبيًا كالذي تلقاه جبهة النصرة، التي تموّلها قطر.

ومحاصرة الدور القطري معجزة إيرانية أيضًا، على ما تقوله المصادر نفسها، التي اعتبرت أن سقوط الأسد يفتت العراق، ويهدد استقرار الخليج، في ظل إصرار واشنطن على وقف المشروع النووي الإيراني.

وقد أبدت موسكو رغبة جدية في إقناع طهران بوقف برنامجها العسكري مقابل حلول سياسية في سوريا، ولا يتم ذلك إلا بإبعاد قطر ومن يدور في فلكها، أي الإسلاميون.

هكذا، ما كان من الدوحة إلا إبلاغ أتباعها في المعارضة السورية بأن الملفّ السوري انتقل إلى يد السعودية. وهذا ما دفع بجورج صبرا، رئيس الائتلاف المعارض، إلى زيارة الرياض، حيث التقى الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات السعودية، ثم الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية.

هناك، سمع صبرا ومرافقوه من السعوديين أنهم يفتحون الباب للمعارضة من أجل وقف الحرب الدموية عن طريق التفاوض، وهو موقف مدعوم أميركيًا ومفهوم روسيًا، وإن النظام والمعارضة مطالبان معًا بتقديم التنازلات تسريعًا للحل. كما طالبوه بتوضيح موقف الائتلاف من النصرة والقاعدة، مؤكدين أن الرياض لن تقبل بأي دور للمجموعات الجهادية أثناء المفاوضات، أو في المرحلة الانتقالية. فما كان من صبرا ومن معه إلا التعهّد بقطع أية صلة مع المجموعات الجهادية.

وقال مراقبون إن قرار أميركا منع قطر من التدخل في الملف السوري مستقبلًا، وهي التي واظبت على تقديم نفسها الوصية على إسلاميي الربيع العربي، والقادرة على توظيفهم في خدمة المصالح الأميركية، سيسهّل الوصول إلى حل سياسي في سوريا.