تتضارب الأنباء حول عدد القتلى الذين سقطوا في صفوف حزب الله حتى الآن في القصير، لكن الخوف من غرق الحزب والشيعة اللبنانيين في مستنقع الدم السوري يغطي على تعداد القتلى.


بيروت: عند مدخل قرية النبي شيت البقاعية، معقل حزب الله، ترتفع لافتة ترحّب بزوار قلعة المقاومة. لكن أمس الاثنين، رفع السكان لافتة مختلفة لتكريم شاب يعتبرونه من أحدث شهداء حزب الله، الذي لم يقتل في معركة ضد إسرائيل بل في المعارك ضد الثوار في سوريا.

حسن فيصل شكر (23 عامًا) هو ابن شقيقة فايز شكر، الامين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي رحب بالمشيعين تحت خيمة أقيم فيها حفل التأبين، في اليوم الذي شهد ارتفاع حصيلة الوفيات بين مقاتلي حزب الله إلى أرقام غير متوقعة، بعد أن انضم إلى القوات السورية التي تحاول اقتحام مدينة القصير التي يسيطر عليها الثوار. وقال شكر إن ابن أخيه توفي الاحد مع 11 من مقاتلي حزب الله، جنبًا إلى جنب مع الآخرين الذين قتلوا في هجوم شنه الثوار على البلدة.

الخوف وتشييع القتلى

استيقظ اللبنانيون الأحد على نبأ توأمة الجهود بين حزب الله، المنظمة العسكرية والسياسية الأقوى في البلاد، وبين قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ما جعلهم أكثر خوفًا من أن تغرق البلاد أكثر فأكثر في مستنقع الحرب السورية، على الرغم من جهود الحكومة اللبنانية لانتهاج سياسة النأي بالنفس.

النبأ الآخر الذي شكل مفاجأة أكبر هو حجم الخسائر في صفوف حزب الله، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، التي أشارت إلى أن شكر سار على خط دقيق بين دعم إعلان حزب الله بأن المعركة في سوريا هي معركته، والاعتراف بالتناقض في قتال إخوانهم المسلمين العرب بدلًا من الإسرائيليين.

قال شكر: quot;كنت أتمنى لو نزفت هذه الدماء في الجنوب لمحاربة إسرائيلquot;، لكنه استدرك مضيفًا أن الثوار الذين يقاتلون الرئيس بشار الأسد، هم كفار وقمامة تخدم إسرائيل وتعمل لحساب تنظيم القاعدة.
الخوف هو الشعور السائد في لبنان والمنطقة بسبب القتال الشرس في القصير ودور حزب الله فيه، في الوقت الذي يستمر فيه الثوار بالسيطرة على شمال المدينة ضد حزب الله، الجيش السوري والميليشيات الموالية للحكومة.

ونقلت الصحيفة عن علي، مواطن من البقاع تربطه علاقات بأفراد من حزب الله، قوله إن المقاتلين في الحزب يبعثون له بمجريات المعركة عن طريق رسائل نصية من ساحة الحرب، ويقولون له إنهم في طريقهم لهزيمة الثوار. لكن علي أشار إلى أن مقاتلي حزب الله يشعرون بالصدمة من مثابرة الثوار وقوتهم، حتى أن أحد المقاتلين قال له إن الثوار ينهضون مجددًا بعد أن يطلق الرصاص عليهم ويهاجمون بطريقة وحشية!

خسائر فادحة

العدد المتزايد من الجنازات يشير إلى أن حزب الله يطلب من أنصاره تقديم أغلى التضحيات في القصير، وأن لا خيار لديهم سوى نعي القتلى وتشييعهم. ويشار إلى أن عدد القتلى في صفوف حزب الله غير دقيق، إذ لا يعلن دائمًا مقتل عناصره، أو التواريخ والمواقع التي سقطوا فيها.

وقتل 14 مقاتلًا من حزب الله على الاقل خلال عطلة نهاية الأسبوع، وفقا لمواقع حزب الله الاخبارية وأقارب المقاتلين. ونشر فيليب سميث، الباحث الذي يدرس حزب الله في جامعة ميريلاند، اسماء 20 مقاتلًا أعلن الحزب عن وفاتهم عبر مواقع رسمية وغير رسمية، فيما أكد نشطاء المعارضة السورية أن الأرقام أعلى بكثير، حيث لقي أكثر من 40 مقاتلًا حتفهم في القصير يوم الأحد.

وسواء أكانت الأرقام مؤكدة أم لا، فإن الأعداد التي نشرت من كلا الجانبين تعتبر مؤشرًا واضحًا على الخسارة التي يتكبدها حزب الله من أجل الحفاظ على الأسد في السلطة.

في العام 2006، اعترف حزب الله بخسارته 250 مقاتلًا في الحرب التي استمرت 34 يومًا ضد إسرائيل. ويقول أنصار الحزب إن أعداد الوفيات المرتفعة في سوريا تعود إلى أن مقاتلي حزب الله لديهم خبرة في الدفاع عن مواقعهم وليس مهاجمة المعارضين الذين يدافعون عن أرضهم.

انتقاد حزب الله

اشتكى نقاد حزب الله مما يسمونه تواطؤ الجيش اللبناني في السماح لمقاتلي الحزب بعبور الحدود إلى أرض المعركة، وهي تهمة يرددها الأسد إنما بوجه معاكس، إذ يشكو تدفق المقاتلين اللبنانيين السنة إلى بلاده للانضمام إلى صفوف الثوار.

وقال مسؤول في ائتلاف 14 آذار- المنافس السياسي الرئيس لحزب الله- إن مساعدة حزب الله للأسد قد تساعده في السيطرة على القصير، وهي منطقة حاسمة لانها تقع بالقرب من الحدود وتربط دمشق بالشمال الذي يسيطر عليه الثوار والساحل الذي تسيطر عليها الحكومة.

لكنه أشار إلى أن المعركة من أجل السيطرة على القصير سوف تكلف حزب الله مئات المقاتلين. وتساءل: quot;لماذا يرغب حزب الله في أن يغرق نفسه في ديان بيان فو؟quot; في إشارة إلى فريق القوات الفرنسية الذي هُزم من قبل الفيتناميين في العام 1954 في ضربة حاسمة إلى السلطة الاستعمارية الفرنسية في ذلك الوقت.

الخسارة المشرفة

المعركة في سوريا تضع حزب الله وجهًا لوجه ضد الجهاديين السنة، وبعضهم متهم بالانتماء إلى تنظيم القاعدة. وأبرزت حدة القتال خطر الكابوس الإقليمي الذي يتمثل بحرب شاملة بين الشيعة والسنة، فيما بدأت أصداء هذه الحرب بالتردد في الداخل اللبناني، حيث أدى انقسام الآراء بين مؤيد للأسد ومعارض له إلى انقسامات طائفية، وتحديدًا في مدينة طرابلس الشمالية، حيث أدت الاشتباكات بين الفريقين إلى مقتل ثلاثة جنود من الجيش اللبناني.

في البقاع، ترتفع اللافتات نعيًا لمقاتلي حزب الله، الذي تعهد بأن لا يخفي شهداءه، ما أدى بالوزير السابق شكر إلى دعوة الصحافيين لحضور جنازة ابن أخيه. لكن عناصر حزب الله منعتهم بأدب واصطحبتهم خارج البلدة، لتعود وتسمح لهم بالدخول بعد إصرار شكر.

اصطفت باقات الورود على الشرفة، فيما حمل المشيعون حسن فيصل شكر، الذي وصفه الوزير السابق بأنه كان quot;ابن شقيقتي المفضلة، وبمثابة ابن ليquot;. وأضاف: quot;انها خسارة كبيرة جدًا، لكنها شرف لناquot;.