منذ أن تأججت نار الثورة السورية، يكاد لا يمر يوم إلا ويكون لحزب الله نصيب كبير من التغطية الخبرية المخصصة للحدث السوري. ومنذ أن قرر الحزب، منفردًا من دون توكيل من الشعب أو من الدولة، أن يقحم نفسه في أي تفصيل في المنطقة، أصبح ومؤيدوه مبعث قلق لا للبنانيين فحسب بل لكل العرب، وأصبح اللبنانيون من مناصريه أو سواهم أكثر عرضة للإجراءات المشددة أينما حلّوا.


بيروت: في الأسبوع الماضي، سألت quot;إيلافquot; عما إذا كانت سياسة حزب الله تأخذ المنطقة في اتجاه حمّام دم، وكان السؤال المطروح على القرّاء: quot;هل ترى أن تدخل حزب الله في سوريا يذهب بالمنطقة إلى الفتنة السنية الشيعية الكاملة؟quot;

كانت quot;لاquot; غالبة، إذ بلغ عدد أصواتها 12498 صوتًا أي ما يعادل 75 بالمئة من أصل إجمالي المصوّتين البالغ عددهم 17303 أصوات. أما الذين صوتوا بـquot;نعمquot;، وقالوا إن الحزب يجر المنطقة إلى الفتنة المذهبية فبلغ عددهم 4355 شخصًا بنسبة 25 بالمئة لا أكثر.

على أرض الواقع يمارس حزب الله رؤيته السياسية والعسكرية بغض النظر عن النتائج. وعلى الورق، لعل هذه النسبة الغالبة للذين لا يرون دخولًا في نفق الفتنة تعبّر عن أؤلئك المتفائلين بأن ثمة مخرجًا من مطحنة لا تريدها إلا قلة عابرة، من ورائها مخططون لا ينظرون إلا لمصلحة تصدير برامجهم وأفكارهم.

برنامج خفي

يعارض الكاتب رامي علّيق، الذي تعرّض قبل ايام لمحاولة اغتيال على أيدي مجموعة تابعة للحزب عندما حاول زيارة بلدته يحمر في جنوب لبنان، المصوتين بلا، ويؤكد أن الحزب أقحم المنطقة في مواجهة سنية شيعية كاملة بنسبة 90 بالمئة، quot;وذلك نابع من ممارسات عمرها 13 عامًا بدأت في العام 2000 عندما انتهت مهمة المقاومة كرد فعل على الاحتلال الاسرائيلي في الجنوبquot;.

ويرى علّيق، في حديث لـquot;إيلافquot;، أن الوقت حان لتنقية الحزب من قادة سيئين، ويقول: quot;الأجندة التي وضعها القيمون على الحزب، والذين يعملون في الخفاء، أبعد من مقاومة الاحتلال، وهي مشروع إقليمي عالمي استغل مفهوم المقاومة للعب على عواطف الناس والكذب عليهم بشعارات المقاومة والدينquot;.

يضيف: quot;شيعة جبل عامل هم أصل الانفتاح والتواصل والتسامح، وقد عمد الحزب إلى استغلال إنسانية هذه الشريحة من خلال شعارات المقاومة لترسيخ برنامجه السري البعيد كل البعد عن مفاهيم الشيعة وتطلعاتهمquot;.
والواقع أن المواجهة السنية الشيعية التي يخوضها حزب الله، على امتداد الساحات حيث يعمل، لم تعد عبارة عن مخاوف فقط، لكنها أصبحت واقعًا ملموسًا تتكشّف فصوله مع كل كشف عن خلية للحزب هنا أو هناك، كما كان الحال في مصر مع خلية سامي شهاب.

رأي مختلف

لكن ثمة رأي آخر يشير إلى أن ما يقوم به حزب الله في سوريا يأتي ردًا على أفعال أطراف متطرفين آخرين مثل جبهة النصرة وغيرها. في هذا المجال يرى علّيق، صاحب كتاب quot;تحت المياه الخضراءquot; الذي يكشف تفاصيل صناعة القرار في حزب الله ويدعو إلى تصحيح مساره، أن الحزب كان بحاجة إلى استبدال العدو بآخر. يقول: quot;المقاومة رد فعل على الاحتلال، ومع انتهاء الاحتلال الاسرائيلي في العام 2000 بحث الحزب طويلًا عن عدو يصنع الفعل ليأتي الحزب برد الفعل، وبالتالي فإن هذه الجماعات التي تقاتل في سوريا اليوم تمثّل بديلًا جيدًا وصالحًا، من وجهة نظر الحزب، يستطيع معها أن يبقي على وهم المقاومة راسخًا في أذهان مناصريهquot;.

ربما يكون هذا الكلام في موضعه، لأن لا مبرر على سبيل المثال لتدخل الحزب في الشأن البحريني أو اليمني أو العراقي، سوى أن حزب الله يبحث باستمرار عن جبهة يفتحها ليستثير قاعدته الجماهيرية، وإن على حساب إقحام المنطقة في مواجهة سنية شيعية بدأت تستقطب المتطرفين من دول العالم.

الوجه الحقيقي

ليس بعيدًا عن هذا البحث، أثارت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون في اجتماعها الأخير مسألة إدراج حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وهي وإن رأت أن الموضوع يحتاج إلى المزيد من البحث والدرس، إلا أن قرارها اتخاذ إجراءات ضد مصالح الحزب بعد كشف وجهه الحقيقيquot; فيه الكثير من الدلالات، على ما يعتمر في صدور العرب من غضب، أساسها ممارسات الحزب في سوريا والعراق والبحرين، وقبلها في مصر وغير دولة.

الإشكالية مع الحزب لا تنطلق من سوريا، لكن الوجه الحقيقي لممارسات الحزب الطائفية ظهرت للعيان جليّة هناك. إندفاع للدفاع عن المقامات الدينية الشيعية، وقتال في القرى الشيعية، وخطابات نارية لا تحلو من نفس طائفي وشحن مذهبي يطلقها أمين عام الحزب حسن نصر الله، بين فترة وأخرى.

أصل الحكاية أن نصرالله لا يرى نفسه إلا جنديًا في جيش ولاية الفقيه، ويعمل على ترجمة البرنامج الإيراني بدل الاندماج مع البعد العربي الأرحب والأوسع، وهو من هذا الباب يستثير مئات ملايين السنّة في المنطقة.