جوهانسبرغ: امضى نلسون مانديلا الذي اعيد ادخاله السبت الى المستشفى للمرة الثانية خلال اشهر قليلة، 27 عاما من عمره سجينا في عهد الفصل العنصري قبل الانطلاق في quot;مسيرة طويلة نحو الحريةquot; توجها بتوليه رئاسة جنوب افريقيا كاول رجل اسود البشرة يتبوأ هذا المنصب وفوزه بجائزة نوبل للسلام.
ولا يزال هذا الرجل البالغ 94 عاما الذي ما برحت صحته تتدهور تدريجيا، من اكثر الشخصيات شعبية في العالم على الرغم من ندرة اطلالاته العلنية في الفترة الاخيرة.
وشخصت اعين العالم على مانديلا في 11 شباط/فبراير 1990 يوم خرج بهالة من البطولة بعد قرابة ثلاثة عقود قضاها وراء القضبان لمعارضته نظام الفصل العنصري المفروض من الاقلية البيضاء في البلاد -- في واحدة من اكثر الصور المؤثرة في تلك الفترة.
وبعد اربع سنوات، اصبح السجين رئيسا للجمهورية، مطلقا مسيرة مصالحة وطنية في جنوب افريقيا من خلال اعادة الاعتبار للاكثرية السوداء في البلاد وطمأنة البيض لعدم وجود ما يخشونه بسبب التغيير.
وقال مانديلا عند توليه الرئاسة في العام 1994 quot;ندخل في عهد لبناء مجتمع يكون فيه جميع مواطني جنوب افريقيا، السود والبيض على السواء، قادرين على السير برؤوس شامخة من دون ان يعتصر قلوبهم اي خوف، مطمئنين الى حقهم الثابت بالكرامة الانسانية -- أمة قوس قزح بسلام مع نفسها والعالمquot;.
وكرم معهد نوبل مانديلا وسلفه الرئيس الابيض فريديريك دو كليرك بجائزة نوبل للسلام للعام 1993.
واوضح الاسقف الانغليكاني ديسموند توتو الحائز ايضا جائزة نوبل للسلام، في احد تصريحاته ان السنوات التي امضاها مانديلا في السجن هي التي حولته الى شخصية ملهمة.
وقال quot;لقد خرج من السجن شخصا اعظم بكثير مما كان لدى دخوله... (خرج) شخصا يتحلى بالرحمة، رحمة كبيرة حتى تجاه مضطهديه. لقد تعلم كيف يفهم هفوات البشر وضعفهم وبان يكون اكثر سخاء في حطمه على الاخرينquot;.
وبفضل اسلوبه الذكي في النقد الذاتي وانسانيته الواضحة، سحر مانديلا المعروف لدى محبيه باسم quot;ماديباquot; الجماهير.
وقد تكون من اكثر اللحظات التاريخية التي سيخلدها التاريخ في مسيرة مانديلا التصالحية هي احتساؤه الشاي مع ارملة مهندس نظام الفصل العنصري هندريك فيرفورد، كما عند ارتدائه قميص فريق quot;سبرنغبوكسquot; للركبي عربون تقدير للفريق الذي يضم بغالبيته لاعبين بيض البشرة بعد فوزه بكأس العالم للركبي في العام 1995.
نلسون مانديلا واسمه الاصلي روليهلالا داليبونغا مانديلا مولود في قرية مفيزو في منطقة ترانسكي، احدى افقر مناطق جنوب افريقيا، في 18 تموز/يوليو 1918. وهو الحفيد الاكبر لزعيم من قبيلة تمبو.
وتم اطلاق اسم نلسون عليه من جانب استاذه في المدرسة.
وافتتح مانديلا، الناشط منذ ايام الدراسة في كلية فورت هير جنوب شرق البلاد، اول مؤسسة قانونية للسود في جوهانسبرغ في العام 1952 بمشاركة رفيقه الناشط اوليفر تامبو.
واصبح قائدا اعلى للجناح المسلح السري للمؤتمر الوطني الافريقي في العام 1961، ثم خضع في العام التالي لتدريبات عسكرية في الجزائر واثيوبيا.
وبعد اكثر من عام من العمل السري، تم اعتقال مانديلا وحكم عليه في العام 1964 بالسجن مدى الحياة خلال ما عرف بquot;محاكمة ريفونياquot; حيث القى كلمة تحولت بيانا رسميا لحركة مناهضة نظام الفصل العنصري.
وقال مانديلا في هذه الكلمة quot;طوال حياتي، كرست نفسي لهذا الكفاح للشعب الافريقي. لقد حاربت سيطرة البيض وحاربت سيطرة السود. لقد دافعت عن مثل المجتمع الديموقراطي والحر... هذه مثل انا مستعد للموت في سبيلهاquot;.
وامضى مانديلا 18 عاما في سجن على جزيرة quot;روبن ايلاندquot; قبل نقله في العام 1982 الى سجن quot;بولزمورquot; في كيب تاون ثم في سجن quot;فيكتور فيرسترquot; في مدينة بارل المجاورة.
ومع زيادة العقوبات الدولية على جنوب افريقيا، تم استبدال الرئيس المتشدد بي. و. بوثا في العام 1989 بالرئيس الاكثر تصالحية فريديريك دو كليرك الذي امر بعد عام على توليه الحكم بالافراج عن مانديلا.
وبعد اربع سنوات، اعاد مانديلا بث الامال في نفوس ابناء امته عند ادلائه بصوته في نيسان/ابريل 1994 للمرة الاولى في حياته في مقاطعة كوازولو مسقط رأسه حيث اسفرت اعمال عنف سبقت الانتخابات عن مقتل المئات.
وتولى مانديلا الرئاسة لدورة واحدة من خمس سنوات، لكن بعد انسحابه من المشهد السياسي في بلاده في العام 1999 كرس وقته، على رغم تدهور حالته الصحية، لمهام وساطة في نزاعات مختلفة خصوصا في الحرب في بوروندي.
وفي العام 1998، عند احياء عيد ميلاده الثمانين، تزوج مانديلا الذي طلق ويني ماديكيزيلا مانديلا، من غراكا ماشيل ارملة الرئيس الموزمبيقي سامورا ماشيل.
وبعد حرمانه من رؤية اولاده يكبرون بسبب سنوات الحبس الطويلة، اظهر مانديلا التزاما في تحسين حياة الشبان موظفا الاموال في بناء مدارس في مناطق نائية.
وفي سن ال83، تم تشخيص اصابة مانديلا بمرض سرطان البروستات خضع بعده لعملية ناجحة.
وفي ايار/مايو 2004، اعلن مانديلا انه سيخفف نشاطاته العامة ليتمتع quot;بجياة اكثر هدوءاquot; مع عائلته واصدقائه.
واستدعى الصحافة الى منزله بعد ثمانية اشهر للاعلان عن وفاة اخر ابنائه المتبقين جراء اصابته بمرض الايدز وللدعوة الى مزيد من الانفتاح في التعاطي مع هذا المرض.
ولدى مانديلا ثلاث بنات هن ماكي وزيندزي وزيناني.
وفي العام 2009، اعلنت الامم المتحدة يوم ميلاد نلسون مانديلا يوما عالميا، في اول تكريم من نوعه لفرد.
ومن اخر المناسبات البارزة التي ظهر فيها مانديلا على الساحة الدولية هي مساعدته على حصول جنوب افريقيا على حق استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2010، للمرة الاولى في القارة الافريقية. وقام باسعاد الجماهير في المباراة النهائية لدى ظهوره المفاجئ على مؤخر عربة للغولف.
وبعد كأس العالم، اعتبر الرئيس جاكوب زوما ان صعود الحس الوطني في البلاد بعد استضافة كأس العالم قرب جنوب افريقيا من تحقيق رؤية مانديلا.
وقال quot;اقتربنا كثيرا ان لم نقل اننا حققنا بالكامل حلمك، تاتا (يا ابانا)، بان يكون لدينا امة واحدة موحدة بتنوعها تحتفل بانجازاتها وتعمل سويةquot;.