يعاني الإيرانيون لسنوات من عقوبات إقتصادية فرضها العالم على بلادهم بسبب البرنامج النووي، وهم الآن متفائلون بقرب انزياح هذه الغمة بعدما أوصلوا حسن روحاني المعتدل إلى سدة الرئاسة، ويقولون إنه يعرف ما يريدون: عقوبات أقل وفرص عمل أكثر.


لندن: أطلق فوز رجل الدين المعتدل حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية موجة من التكهنات، محورها ما إذا كانت القيادة الجديدة ستبدي قدرًا أكبر من الاستعداد للتفاهم مع القوى الغربية بشأن برنامج إيران النووي.

ولا أحد يعرف بالطبع في مثل هذا الوقت المبكر، لكن بعض الإيرانيين يراهنون على تاريخ روحاني وعلاقاته الشخصية، بوصفهما عاملين مهمين لتحقيق تقدم في هذا الملف، الذي عزل إيران دوليًا، واستنزل عليها عقوبات قصمت ظهر الاقتصاد الإيراني. وما يقوله هؤلاء الإيرانيون من حيث الأساس هو إذا كان هناك من يستطيع انتشال إيران من هذا الوضع فإنه روحاني.

وقال المحلل السياسي فرشاد قربانبور، الذي امضى 8 اشهر في السجن لمشاركته في الاحتجاجات على نتائج انتخابات 2009، إن روحاني سياسي معتدل وعد بتحسين الاقتصاد، وهو يعرف أن احدى الطرق لتحسينه هي رد العقوبات على اعقابها.

لكنّ مراقبين يحذرون من أن فوز روحاني الساحق لا يعني قطيعة تامة مع النهج المتشدد للرئيس السابق محمود احمدي نجاد، مشيرين إلى أن الملف النووي لا يُحفظ في أدراج مكتب الرئيس في إيران، بل يتولاه المرشد الأعلى علي خامنئي، فمنصب الرئيس منصب مهم لكنه يبقى شريكًا صغيرًا للمرشد الأعلى، الذي له سلطة الفيتو على قرارات الدولة في القضايا الكبرى.

علاقة طيبة

لكن انصار روحاني يلفتون إلى أن علاقة زمالة مديدة تربط خامنئي بروحاني (64 عامًا)، الذي يعتبر من اقطاب الجمهورية الاسلامية منذ تأسيسها في العام 1979. ونقلت صحيفة لوس انجيليس تايمز عن المحلل قربانبور قوله: quot;إن علاقة روحاني طيبة بالمرشد الأعلى، ولعله يستطيع أن يقنعه بأن يبدي قدرًا اكبر من المرونةquot;.

ورغم أن روحاني لم يكن الخيار المفضل لدى خامنئي لرئاسة الجمهورية، فإن الرئيس الجديد من الأعضاء الذين يعتمد عليهم المرشد الأعلى في مجلس الأمن القومي الذي يتابع الملف النووي وغيره من القضايا الدفاعية الحساسة.

ويعترف خامنئي نفسه بمعرفة روحاني الموسوعية بالملف النووي، بعد أن عمل زهاء عامين بصفته كبير المفاوضين النوويين، ثم نشر مذكرات تقع في نحو ألف صفحة عن خبرته خلال هذه الفترة. ويكيل روحاني المديح على خامنئي في تقديم المذكرات.

ويرى مراقبون أن العلاقة الشخصية الأليفة والثقة المتبادلة يمكن أن تضعا الرئيس الجديد في موقع يستطيع منه أن يدفع خامنئي باتجاه التنازل من اجل التوصل إلى حلول وسط.

انتقاد جليلي

كان روحاني، الذي يُنصَّب في آب (اغسطس) المقبل، أشار بوضوح خلال الحملة الانتخابية إلى أنه سيعمل على التخفيف من العقوبات، وربَط أزمات إيران الاقتصادية بهذه العقوبات أكثر من أي مرشح آخر، مسلطًا الضوء على هذه العلاقة التي كان ذكرها في السابق من المحرمات.

وقال روحاني في اجتماع حاشد الاسبوع الماضي في طهران: quot;البعض في هذا البلد يفتخرون بجلب العقوبات علينا ويفتخرون بجلب الفقرquot;، وكان ذلك انتقادًا غير مباشر لمتشددين محافظين مثل سعيد جليلي، كبير المفاوضين الإيرانيين بشأن الملف النووي خلال السنوات الأخيرة.

واللافت أن تهمة التعنت والعناد وجهها إلى جليلي ومرشح آخر هو علي اكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى لشؤون السياسة الخارجية. ورأى كثير من الإيرانيين في ذلك مؤشرًا إلى وجود خلاف على مستوى القمة بشأن ادارة الملف النووي مع الغرب.

وفي النهاية، جاء جليلي ثالثًا بفارق بعيد عن الثاني، وعن المرشح الفائز، ربما لأن الناخبين الإيرانيين أرادوا أن يعبروا عن استيائهم لفشله في تحقيق تقدم من شأنه تخفيف العقوبات شديدة الوطأة عليهم.

أزمة مصطنعة

على النقيض من ذلك يستطيع روحاني أن يعيد إلى الاذهان نحو عامين من توليه مسؤولية الملف النووي خلال الفترة الواقعة بين 2003 و2005، عندما وافقت إيران على تعليق تخصيب اليورانيوم لتفادي العقوبات اساسًا. ويقول انصاره إن هذا الموقف يؤكد نظرته البرغماتية إلى السياسة الخارجية وفي المجالات الأخرى ايضًا. لكن روحاني أوضح أنه يبقى ملتزمًا بحق إيران في اكتساب قدرات نووية، رغم تشديده على الأغراض السلمية.

وفي مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط عن طريق البريد الالكتروني، دعا روحاني الولايات المتحدة وحلفاءها إلى الكف عن افتعال عداوات جديدة، وتصوير إيران وبرنامجها النووي السلمي حصرًا على انهما تهديد. وكتب: quot;إن المفاوضات الجدية، المتوازنة والمحددة بزمن من اجل حل مسائل محددة بوضوح ومخاوف لدى الجانبين يمكن أن تقوم بدور فاعل في معالجة هذه الأزمة المصطنعةquot;.

ويتبدى في اعقاب انتخاب روحاني احساس بمرور الوقت سريعاً في حديث الكثير من الإيرانيين عن ضرورة انعاش الاقتصاد الذي يعاني من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وانهيار العملة. وهناك احساس بالحاجة إلى تغيير جذري، وخصوصًا تخفيف المصاعب التي تواجه شباب إيران والعاطلين من ذوي الكفاءات.

عقوبات أقل

يبدو أن الحملة الانتخابية كانت بنظر الكثير من الإيرانيين مناسبة لتأكيد العلاقة بين برنامج إيران النووي والعقوبات والأزمة المالية الخانقة في البلد. وقال المهندس المدني كامران سعادت لصحيفة لوس انجيليس تايمز: quot;ما نحتاجه هو عقوبات أقل وفرص عمل اكثر واستثمارات أكبر لتوفير فرص عمل، وتفادي الحرب مع الولايات المتحدة أو غيرهاquot;.

ويتحدث الإيرانيون الآن عن ضرورة التصالح مع العالم، بعد الثمن الباهظ الذي دفعوه ترديًا في ظروف معيشتهم، بسبب المواجهة مع المجتمع الدولي. في غضون ذلك، يبدو البيت الأبيض حذرًا بشأن امكانية احراز تقدم في المحادثات النووية المتعثرة بفوز روحاني. لكنّ مسؤولين اميركيين قالوا إن الادارة الأميركية مستعدة للاستماع إلى ما تقوله القيادة الإيرانية الجديدة.

وقال رئيس موظفي البيت الأبيض دنيس ماكدونوغ لشبكة سي بي اس: quot;إذا نفذ روحاني التزاماته بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الداعي إلى انهاء هذا البرنامج النووي المحظور، فإنه سيجد فينا شريكًا، لكن للوصول إلى هذه النقطة نريده أن ينفذ الالتزامات المرتبطة بالبرنامج النوويquot;.