فشل ديفيد كاميرون في إقناع البرلمان البريطاني بضرورة المشاركة في ضرب سوريا، فوجد نفسه أمام فشل تاريخي يعدّ تحديًا كبيرًا أمامه، يحول دون استعادة سلطاته، بالرغم من إقباله الاسبوع الآتي على تعديل وزاري لمعاقبة وزراء لم يسعفوه في التصويت.


بيروت، الوكالات: لا بد من الاعتراف فعلًا بأن البرلمان البريطاني ألحق هزيمة سياسية نكراء برئيس الحكومة ديفيد كاميرون، حين لم يلبِ طلبه في السماح لبريطانيا بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا في توجيه ضربة عسكرية لسوريا، على خلفية اتهام النظام السوري بارتكاب أشنع مجزرة في ريف دمشق، في 21 آب (أغسطس) الماضي، مستخدمًا سلاحًا كيميائيًا محرمًا دوليًا.

الهزيمة المزدوجة

إنها هزيمة مزدوجة، كما يقول مراقبون بريطانيون، لها مفاعيل خارجية وأخرى داخلية. فهذه هي المرة الأولى تقريبًا في التاريخ، لا تقف فيها بريطانيا إلى جانب حليفتها الكبرى أميركا في حرب ذات منحى دولي. فهي حالفتها في العراق وأفغانستان وليبيا، وحتى ظلت تحت جناحها عسكريًا وسياسيًا، ترجمة لعلاقات بين البلدين تعود إلى مئات الأعوام.

وهذه هي المرة الأولى التي تفقد المملكة العظمى وجودها الحربي الفاعل في معركة تبدو كأنها ستغيّر معالم خريطة الشرق الأوسط، إن صدقت التهديدات الإيرانية بالرد على quot;العدوانquot; الأميركي على سوريا بإشعال حرب إقليمية تستهدف إسرائيل.

ويقول المراقبون إن كاميرون يدرك أن الموقف في البرلمان سيتغيّر إذا حدث المحظور، وخرجت الضربة الصاروخية الرادعة عن محدوديتها، إذ سيكون على بريطانيا أن تؤدي دورها الفاعل في إعادة الاستقرار إلى منطقة فيها العديد من الحلفاء.

وفي الداخل، يواجه كاميرون، الذي تجد بلاده نفسها خارج اللعبة بعد التحالف الاميركي الفرنسي بشان التدخل العسكري المتوقع في سوريا، صعوبات جمة تحول دون استعادته سلطته، بعد هذه الهزيمة التاريخية في البرلمان.

وقد توقعت صحف بريطانية أمس السبت حصول تعديل وزاري، بعد تصويت ثلاثين نائبًا من حزب كاميرون ضد التدخل في سوريا، وامتناع عشرة من اعضاء حكومته الائتلافية عن التصويت، قال اثنان منهم هما وزيرة التنمية الدولية جوستين غرينينغ ووزير الدولة للشؤون الخارجية مارك سيموندس إنهما لم يسمعا الجرس الذي يدعو النواب للتصويت.

وتقول مصادر المحافظين إنهما قد يكونان أول ضحيتين في تعديل وزاري قد يتقرر الاسبوع المقبل، وقد يشمل وزراء لم يقطعوا إجازتهم للمشاركة في التصويت، بالرغم من دعوة كاميرون، إلى جانب جورج يونغ، المكلف من البرلمانيين المحافظين مراقبة الانضباط داخل الحزب.

ليس واثقًا

لا شك في أنها أسوأ هزيمة لكاميرون في سنوات حكمه الثلاث، وصفتها الصحف البريطانية بعبارات مترادفة، مثل quot;اذلالquot; وquot;كارثةquot; وquot;فشل غير مسبوقquot;، رادة هذا الفشل إلى مجازفة يريدها رئيس وزراء سريعة من دون أن يحسن تقييم تردد الرأي العام البريطاني حيال أي مغامرة عسكرية بعد مغامرة العراق.

ذكرى حرب العراق في العام 2003، والأدلة المزعومة على أسلحة دمار شامل يهدد بها نظام صدام حسين العالم الحر، ما زالت ماثلة في اذهان البريطانيين. فهذه الأدلة المزعومة كانت المبرر لدخول بريطانيا هذه الحرب، التي قادتها الولايات المتحدة.

ويؤيد كثير من البرلمانيين رأي المواطنين البريطانيين في هذا الشأن، لهذا فشل كاميرون في اقناع المجلس بالاساس الصائب لقرار شن الضربات، خصوصًا أنه أعترف بانه ليس واثقًا بنسبة مئة بالمئة بأن نظام بشار الأسد هو المسؤول عن استخدام الاسلحة الكيميائية في ريف دمشق، ودعا النواب إلى الحكم بأنفسهم على الوضع من خلال الأدلة المتوافرة.

حتى أنه خفف من حجم طموحاته بالموافقة على أن يقتصر التصويت على مبدأ تدخل محتمل، وليس القيام بهذا التحرك، لكنه لم يقنع المترددين بتبني موقفه، وخصوصًا حزب العمال الذي طالبه بضمانات اكثر بشأن الأدلة، وبتدخل أكبر للامم المتحدة.

وقالت صحيفة تايم أمس السبت إن كاميرون اساء تقدير الأثر الذي خلفته حرب العراق على ثقة الشعب برجال السياسة واجهزة الاستخبارات، مستدركةً أن هذه الهزيمة ليست انتصارًا للزعيم العمالي إد ميليباند، الذي فشل هو الآخر في حمل البرلمان على تبني مذكرة بديلة تقدم بها، quot;إلا أن دوره في الرفض البريطاني للمشاركة في تدخل عسكري في سوريا أتاح له اظهار قدرته القتالية، بعدما اتهم مرارًا داخل فريقه بأن كلمته غير مسموعةquot;.