ها هي دماء المناضلات والمناضلين الإيرانيين تسيل مدرارا من جديد في الشوارع والساحات والطرقات. ومن جديد، يسقط عشرات القتلى والجرحى بسلاح الفاشية الدينية العسكرية المسيطرة على إيران، والضاربة عرض الحائط بكل المواثيق الدولية عن الحرية وحقوق الإنسان. ها هو نظام الفقيه والباسداران يبطش يوميا بمعارضيه بقسوة لا نظير لها غير قسوة نظام صدام حسين.
شهر بعد شهر، والحالة هي هكذا، فيما المجتمع الدولي لا يقف موقفا مسئولا سوى بعض عبارات التنديد الباهتة من وقت لآخر.
منذ انتفاضة الجماهير الإيرانية احتجاجا على انتخاب أحمدي نجاد، وبعض الكتاب الأحرار يكتبون مطالبين الرأي العام العالمي والعربي بالوقوف مع نضال الشعب الإيراني في سبيل الحرية، وعدم إخضاع المبادئ الإنسانية الأساسية للاعتبارات الدبلوماسية والتجارية. ولكن الدم الإيراني يستمر بالمسيل ولا شاهدَ عمليا على موقف حازم داعم من المجتمع الدولي؛ بل هو استمرار الغزل مع النظام الإيراني باسم quot;الحوارquot; الذي دشن أوباما عهده quot;الذهبيquot;، منذ عام لتكون النتيجة إمعانا في اضطهاد الشعب الإيراني، وإمعانا في التدخل في شؤون دول المنطقة بكل عنجهية، وإمعانا في رفض العروض الدولية النووية مع ممارسة أشكال المناورة والتلاعب والخداع لكسب الوقت، حتى أن عام 2009 ينتهي والنظام الإيراني بات حائزا على كل شروط ومستلزمات تصنيع القنبلة النووية. والمحامون عن إيران كثيرون، من البرادعي وإلى تركيا والصين وروسيا وحكومة المالكي، وامتدادا إلى سياسات اوباما المائعة والمتذبذبة والمتناقضة تجاه النووي الإيراني، وتجاه التدخل الإيراني في منطقتنا.
في 1979، خلال المظاهرات الكبرى ضد الشاه، كانت قوى اليسار الغربي، والفرنسي خاصة، ومنظمات quot;العفوquot; وquot;حقوق الإنسانquot; معبأة جميعا لنصرة الشعب الإيراني. وكان كارتر، مرشد أوباما الدبلوماسي، يقف على رأس المساندين. وحين برز خميني كزعيم للثورة الشعبية، دون أن يفصح عن نواياه ومشروعه- ولاية الفقيه -، وحين كان يتحدث في باريس كلبرالي عاشق للحرية والديمقراطية، كان زعماء الغرب الكبار يشجعون الحركة المناهضة للشاه. وسرعان ما انقلب خميني على كل ما كان يدعيه حال انتصاره، وراح يدعو لنبذ كلمة ديمقراطية لكونها، في عرفه، بضاعة غربية كافرة. فأين نحن اليوم من ذلك الزخم الدولي في تأييد نضال الشعب الإيراني؟؟!! لا زخم ولا يحزنون، سوى بعض الكلمات والتعليقات الباردة ليس إلا. فلا مظاهرات تأييد حاشدة، ولا دعوات لمعاقبة النظام الإيراني بطريقة لا تضر بالمواطنين. فمنذ تربع أوباما على الرئاسة الأميركية تراجعت الضغوط الدولية على إيران حول النووي، وساد الصمت الدولي عن التدخل الإيراني في العراق ولبنان واليمن والصومال وغزة، وصار المجتمع الدولي يشهد دراما الدم الإيراني المسفوك دون أن يتحرك حقا. وفي منطقتنا العربية نشهد تراكض بعض أنظمة الخليج نحو إيران، ودعوتها للمؤتمرات العربية الرسمية، ونرى إيران تعتدي على الأراضي العراقية وتحتل بعضها وحكومة العراق تكاد تكون شبه مشلولة أمام العجرفة الإيرانية. وأما اليمن، فيكاد يتمزق بفعل القاعدة والحوثيين المدعومين إيرانيا. ولبنان خسر انتصاره الانتخابي، وعاد حزب الله بسلاحه وquot;مقاومتهquot; إلى بطن الحكومة نفسها- أي فرض حالة جيشين ودولتين، إحداهما تأتمر بأوامر إيران وحليفها السوري.
إن على الدول الغربية خاصة، وإن على القوى والأحزاب الديمقراطية في العالم كله إشعار بنات إيران وأبنائها المناضلين بأن المجتمع الدولي معهم ولا ينساهم- إشعارهم بالعمل، وبمبادرات ملموسة تدعم النضال الإيراني وتسهم في عزلة جلاديه. وبدون ذلك، يكون الحديث عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب مجرد كلام ورطانة للتمويه والتملص من كل مسئولية أدبية وأخلاقية. وأما النظام الإيراني، فعليه أن يتذكر دوما مصير نظام صدام!