الموضوع أخطر من تجاهله والسكوت عليه، إذ يستمر منذ ما يزيد على عشر سنوات العنف والإرهاب المرتكب من شباب مسلمين عربا وغير عرب، المهم أنهم من ذوي خلفيات إسلامية يفتخرون بجرائمهم ويبحثون عن مبررات دينية من الإسلام لها، ويبارك جرائمهم هذه فئة محسوبة على شيوخ ورجال الدين، يتسابقون للافتخار ان هؤلاء المجرمين كانوا على صلة بهم وقدموا لهم النصح والإرشاد والتعبئة المعنوية التي أوصلتهم لجرائمهم هذه. والملفت للنظر أن هذه الجرائم ازدادت بفخر واعتزاز بعد الجريمة الأم الكبرى في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 التي تبنتها القاعدة بقيادة الإرهابي أسامة بن لادن، الذي يحتفل بها سنويا بمزيد من تسجيلات صوتية ومرئية خاصة لمساعده الإرهابي أيمن الظواهري خريج السجون المصرية، والمثير للغضب أن هولاء الإرهابيين أطلقوا على تلك الجريمة quot;غزوة نيويورك quot; تشبها وتذكيرا بغزوات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وبالتالي ما عاد هناك شك في ارتكاب القاعدة وإرهابييها لتلك الجرائم، طالما هم يحتفلون بها سنويا كمجد من أمجادهم التي تستوحي روح الإسلام وتعاليمه حسب زعمهم. إن انتشار ظاهرة هذه الإرهاب باسم الإسلام والانتساب إليه ليس معزولا عن عدة حوافز تجعل هذا الشباب يقدم بشجاعة على هذا الإرهاب وأهم هذه الحوافز لهم:

أولا: المناهج التعليمية والتربوية
هذه المناهج التي يعود وضعها لبداية القرن العشرين حيث ظهور الحركات المتطرفة في الأقطار العربية تحديدا، ومنها ظاهرة الإخوان المسلمين التي ركزت في أطروحاتها على رفض الآخر المخالف في العقيدة، رغم أنه من الجدير بالملاحظة أن العديد من قيادات الإخوان والقوميين العرب تعلمت وتربت وعاشت في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصلوا من جامعاتها على أعلى الشهادات، وعادوا ليستعملوا هذه الشهادات والمعرفة في التحريض على العنف والإرهاب وتمجيد الطغاة والمستبدين القتلة لشعوبهم. إنّ تركيز هذه المناهج التعليمية على دعوات معينة خارجة عن سياقها وظروفها الزمانية والمكانية يتم استغلاله عمدا لتأليب العنف والإرهاب، فيكاد لا يخلو كتاب مدرسي من سياق معين توضع فيه آية (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)، بينما يتم تجاهل ونسيان آية أخلاقية في السلوك (وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

ثانيا: الدعاة في المساجد والانترنت
وهولاء أخطر من المناهج التعليمية في نشر دعوات العنف والإرهاب، خاصة بعد فورة التكنولوجيا وسرعة انتشار التعليمات والمعلومات، ولا أعتقد أن هناك مقولة تنتشر أكثر كثافة من مقولة (أحفاد القردة والخنازير) والدعوة عليهم اسبوعيا في المساجد وصفحات الانترنت ل (ترميل نساءهم) و (تيتيم أطفالهم) متناسيا أولئك الدعاة الإرهابيون أنهم يستعملون تكنولوجيا أحفاد القردة والخنازير من الطائرات إلى الدواء إلى الانترنت والكومبيوتر والورق وألات الطباعة التي يطبعون عليها تعاليمهم والقرآن الكريم أيضا. فماذا كانوا سيقعلون لو استجاب الله لدعائهم ؟ هل سيسافرون على الجمال والبغال والحمير ؟ وهل سيكتبون القرآن بأيديهم على الجلود ؟ وحتى هذا لن يستطيعوه لأن الجلود تحتاج لآلآت أحفاد القردة والخنازير لتصنيعها وتكون صالحة لذلك !!.

وإلا من يدفع نضال حسن
لجريمته النكراء في قاعدة (فورت هود) العسكرية في ولاية تكساس الأمريكية في بداية نوفمبر 2009، حيث قتل 13 عسكريا وجرح 31، وهو يردد quot; الله أكبر..الله أكبر quot; ؟ هذا وهو طبيب نفسي أي أن مهمته علاج من لديهم مشاكل نفسية، فإذا هو نفسه يحتاج لمن يعالجه من مرض الحقد والكراهية الذي دفعه لهذا العمل الإجرامي بحق زملاء له في العمل، في بلد استضافه وأعطاه جنسيته ووفر له التعليم العالي ليصبح إنسانا محترما، فإذا هو يستغل كل ما وفره له المجتمع ودافع الضرائب الأمريكي ليتحول لمجرم وقاتل، والمؤسف انه يفعل ذلك باسم الإسلام، خاصة بعد أن ثبتت اتصالاته ومراسلاته التحريضية مع الداعية اليمني المتطرف أنور العولقي الذي يحمل الجنسية الأمريكية أيضا، اي أنه يحرض ضد مجتمع أعطاه الحرية والأمن والأمان، وإلا لماذا ذهب هولاء الإرهابيون لتلك البلاد اساسا ؟. هذا رغم أنه ضمن نفس السياق سبق للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ان أفتى للجنود المسلمين في الجيش الأمريكي أنه شرعا يجب تنفيذ الأوامر المعطاة لهم حتى لو كانت إطلاق النار على أتباع طالبان في أفغانستان، طالما هم قبلوا الجنسية الأمريكية ودخلوا الجيش الأمريكي بمحض اختيارهم.
وعمر عبد المطلب النيجيري الجنسية
الذي يبلغ 23 من عمره، أي أنه في بداية تأسيس حياته العملية، فمن وماذا يدفعه لمحاولة قتل مئات من الأبرياء على متن طائرة ؟. هل يمكن عزل هذه المحاولة الإجرامية عن تعاليم ودعوات الكراهية التي تلقاها من مناهج تعليمية ودعاة متطرفين ىيستغلون الدين للإساءة للدين ذاته؟ إن طرق هذا الشاب المجرم في التخطيط والإعداد ودس المتفجرات وسوائل التفجير في جسده، تعطي نموذجا صارخا لما يمكن لهؤلاء الدعاة الإرهابيين أن يفعلوا لتحويل العالم لساحات من العنف والكراهية والدماء!.

وإلا من يستطيع تفسير ما يجري في العراق
وباكستان وأفغانستان حيث القتل اليومي لمسلمين على يد مسلمين ؟. إن 99 في المائة من قتلى التفجيرات الإرهابية في هذه الدول تتم على يد عراقيين أو عرب وباكستانيين وأفغانيين وضحاياهم من نفس الجنسيات ونفس الديانة الإسلامية، فهل هناك تفسير آخر غير المناهج التعليمية التي نشأوا وتربوا في ظلال دروسها، وهؤلاء الدعاة الذين يحرضونهم ويباركون عملياتهم الإجرامية ؟. إن المتمعن في الأرقام العراقية والأفغانية والباكستانية تحديدا، يتأكد أن غالبية ضحايا هذا الإرهاب الأعمى هم من العرب والمسلمين، وبالتالي فهم يحصدون ثمار ما زرعت مناهجهم التعليمية ودعاتهم باسم الإسلام ؟.
إن الموضوع يتعدى ما له علاقة بأمن العالم الأوربي والأمريكي، بقدر ما له علاقة بمستقبل بلاد العرب والمسلمين حيث تطغى ثقافة الموت و إلغاء الآخر، ويكفي التذكير بما تتطور اليه الأوضاع في اليمن من خلال عمليات عصابات الحوثيين ضد مواطنيهم اليمنيين وجيران اليمن السعوديين. إن الأوضاع اليمنية تدلل على أنه ما لم يتم القضاء سريعا على هذه العصابات وإلا سيتحول اليمن لقاعدة رئيسية للإرهاب في المنطقة وتصديره للعالم أجمع...فلننتظر ماذا سيحمل لنا العام 2010 من إرهابيين جدد، وعمليات ستزيد كراهية العالم للعرب والمسلمين.
[email protected]