1:
لست بصدد الحديث عن تصريح رئيس الوزراء السيد نوري المالكي قبل أربع سنوات تقريبا (أنا صديق أمريكا وليس رجل أمريكا )، ولا بصدد الحديث عن قوله كما ينقل بانَّه يقطع يده ولا يوقع على الاتفاقية الامنية الاستراتيجية بين أمريكا والعراق، ولكن تحولت فيما بعد إلى آلية يهدد بانهيارها من يقف ضدها!، ولست بصدد الحديث عن (الفخ، هكذا أتصور) الذي نصبته رايس للسيد المالكي عندما نصحته بان يكون طاقمه من حزبه، وربما من حزبه وحسب، أقصد الطاقم القريب جدا، ولا بصدد الحديث عن (ملابسات) فوزه برئاسة الوزارة العراقية بعد تنازل رئيس الوزر اء السا بق عليه السيد إبراهيم الجعفري عن حقه الدستوري، وما تداخل في خضم المعركة من إيماءات وإيحاءات خليل زادة، لست بصدد الحديث عن هذه المقتربات، بل هو حديث آخر...
أمريكا والمالكي في موضوع رئاسة الوزراء...

2:
المعركة الجوهرية في العراق تدور حول موضوع يكاد ان يكون حصريا، رئاسة الوزراء، والسبب واضح، ذلك هو انحصار القدرة التنفيذية بيد رئيس الوزاء حسب نصوص الدستور العراقي، وهذا الصراع ليس محليا، بل هو أقليمي ايضا، بل هو يكاد ان يكون شبه عالمي، وهناك تداخل في هذه القضية بين المحلي والأقليمي والعالمي، ومن عجائب الصدف أن قوى الصراع هذه كلها تتمتع بقدرات وطاقات واجندة قوية، مما يعقد القضية أكثر، ويجعلها تطول، هو صراع بين سنة وشيعة، بين شيعة وشيعة، بين أيران وأمريكا، بين السعودية وايران، بين سنة وسنة، بين محور أقليمي وآخر مضاد بشكل وآخر.

3:
اختصارا، رئاسة الوزراء في العراق اليوم هي محل صراع محورين بشكل عام، المحور الأول هو: تركيا ـ السعودية ـ مصر، واستطرادا بقية دول الخليج، وأغلبية سنة لبنان، وفتح ابو مازن. والثاني هو: إيران ـ سوريا، واستطرادا حزب الله في لبنان، وحماس غزة، أتحدث إقليميا هنا.

4:
وماذا عن أمريكا؟
أمريكا تريد رئيس وزراء يمكنه أن يضبط الوضع في العراق، ويمكنه أن يقف أمام الاطماع الإيرانية بالدرجة الأولى، ويلتزم بمواد الاتفاقية الامنية العراقية الامريكية، وأن لا يدع مجالا لاصدقاء إيران بان تكون لهم الكلمة الاولى في مستقبل العراق، وأن يضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في العراق، وهناك تطابق كبير بين أمريكا والمحور الاول على صعيد مواصفات رئيس الوزراء المقترح للعراق، لكن ذلك لا يعني التطابق التام، وليس هناك ما يمنع أن تلتقي الارادة الامريكية مع الإرادة الايرانية في شخص واحد، فليس هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة في السياسة بل مصالح دائمة، وليس من المستبعد أن تفترق الإرادة الامريكة عن إرادة المحور الاول في هذه القضية تبعا لبوصلة المصلحة بالنسبة لأمريكا وحسابها بدقة، وليس بالضرورة أن المحور الأول تابع ذيلي لوشنطن في خياراته ومواقفه.

5:
يقولون:إن امريكا وجدت في المالكي إختيارا مرجَّحا، وذلك لان الادارة الامريكية تعرف نمط تفكيره، ولانها متداخلة مع حواشيه ومقربيه، ولان وجدت به جراة على ضرب التيار الصدري، كما تعلم إنه لا يحب إيران، إضافة إلى ذلك إن كتلته حصلت على 89 كرسي نيابي، فضلا عن كونه شيعيا. على خط مواز يقولون أن إيران أيضا وجدت في المالكي خيارها المفضًّل، والاسباب كثيرة، منها كونه يتمتع بحضور شعبي لا باس به، ومنها كونه منافس حقيقي لعادل عبد المهدي الذي تتحسس إيران منه تحسسا شديدا، وأسباب اخرى، ولهذا عملت إيران جهدها على تجيير أصوات المجلس الاعلى للمالكي ولكنها لم تفلح، و ضغطت على التيار الصدري على هذا الطريق، وصار ذلك علنيا، وبالفعل إضطر الصدريون الموافقة على ترشيح المالكي، وقد أعلنوا جهارا بانهم مجبورن على ذلك، النتيجة المنطقية لهذا الوا قع الغريب، كان المالكي خيارا أمريكيا / إيرانيا...
وقال أحدهم: هذا من علامات اللطف الإلهي...

6:
ولكن لم تجر الامور كما أريد لها من قبل واشنطن أو طهران، لان المالكي رحب بالموقف الصدري الجديد منه، والصدريون لهم مطالبهم الخطيرة من المالكي، منها أن تكون لهم وزارات سيادية، وأن يطلق صراح المعتقلين منهم، بما فيهم الذين حكموا بموجب أحكام القضاء العراقي، وأن يعلن المالكي موقفا رافضا للوجود الامريكي، وما إلى ذلك من مطالب تزعج أمريكا، ومن هنا أفترق الموقف، أو أُخترق، تحلحل، حيث صرح السفير الامريكي في العراق أن أمريكا تنظر بعين الريب إلى مشاركة التيار الصدري بحكومة يشكلها المالكي، فيما تعلن إيران صراحة، بأن خيارها هو المالكي...

7:
المالكي إذن بين حصارين، إيران من جهة واستطرادا المحور الثاني، وأمريكا من جهة ثانية، واستطرادا المحور الاول، وهو بحاجة لكل منهما، لا يقدر أن يستغني عن إيران، أو بالاحرى لا يقدر على مواجهة إيران، ولا يستطيع ان يهمل أمريكا وهي اللاعب الاول تقريبا في القضية...
ماذا يفعل؟
هل يستطيع أن يلعب على الإثنين؟
لا إمكاناته العقلية والسياسية تمكنه ذلك، ولا هو رئيس وزراء دولة قوية تجعله قادرا على اتخاذ قرار شبه مستقل، أضف لذلك أن الساحة العراقية تجيش بالقوى الأخرى، وربما تنافسه شعبيا، لا تعمل ضد مشاريعه بل تعمل على إنهائه سياسيا، ولا هو قادر على إقناع دول المحور الا ول على تبنيه بسبب تبني إيران له وعدم قدرته على الاستغناء عن هذا التبني، وما يمكن أن يتحسسه هؤلاء من مجيء التيار الصدري، ومن غير الممكن تفكيك أي من المحورين لصالحه، فهذا فوق طاقته تماما، كما أن المعادلة الطائفية لها دور كبير... فضلا عن ذلك من الصعب أن يحصل على عدد المقاعد الكافية في البرلمان التي تحسم ترشيحه لرئاسة الوزراء، ولا ننسى أن الصدريين لحد هذه اللحظة غير محروزي الموقف الأخير من المالكي، بسبب العداء المستحكم بينه وبينهم، وبسبب كون موقفهم إنما كان بضغط من الخارج...


8:
كيف يفكر المالكي في ظل هذه المعادلة الصعبة؟
إذا كان المتناقضان قد أجمعا على السيد المالكي من دون إرادة مسبقة، فإن هذا الاجماع قد خرم بسبب التيار الصدري...
فهل سوف يضحي بالتيار الصدري؟
كيف يعالج الموقف إذن مع إيران؟
هل سيقول لأمريكا إنتهت علاقة الصداقة بيننا؟
أمريكا لاعب أول، بل هي أو حليفتها بريطانيا أنقذت رأسه من رصاص الصدريين أو المحوسبين على الصدريين، ثم باي قوة يستنجد غدا إذا ضغطت عليه إيران أكثر؟

ما هو الموقف؟
في تصوري، وفي مثل هذا التعقيد، إن المالكي يجب أن يحسم موقفه بين أمرين، إمَّا أن يتخذ من إيران سندا نهائيا أو سندا غالبا، ويعمل في فضاء هذا الاتجاه، أو يتخذ من أمريكا سندا نهائيا أو غالبا، ويعمل في فضاء هذا الاتجاه، وبهذ الحسم سوف تنتظم حركته بشكل واضح ومبرمج، وسوف تنتظم ايضا مواقف الاخرين تجاهه، التي لا تخرج كثيرا عن مقتربات كل محور بحسب تشكيله وحضوره، أما فكرة مسك العصا من الوسط، أو فكرة اللعب على القوتين، أمريكا إيران، فهي لعبة خيالية.