مشكلة الدين الشعبي العاطفي.. أنه مفهوم يرتب أولويات ليست مطلوبة من الدين مما يؤدي الى نتائج خاطئة، واحيانا كارثية، فالفهم المغلوط لفلسفة الدين لدى غالبية البشر على مدار التاريخ وفي كافة الديانات.. يقوم هذا الفهم على أختلاق قاعدة يلزم نفسه بها بصرامة قاتلة وهي ان الدين وجد من اجل الدفاع عن الله.

وهذه القاعدة هي اساس جميع مشاكل الجمود والتحجر، والتعصب وتكفير الأخر المغاير، واندلاع الحروب الدينية وغيرها من المشاكل الناجمة عن حشر الأنسان لله في أمور هو غير معني بها ولايريد الدخول في معتركها، فالله القوي القادر على كل شيء ليس بحاجة الى الأنسان الضعيف للدفاع عنه وحماية دينة بالسيف والبندقية والمفخخات وقتل البشر، وكيف يقبل الله العادل الرحيم بنشر الكراهية والأحقاد والتفجيرات وقتل الأنسان بحجة الدفاع عن دين الله؟!

ثم من قال ان الأديان وجدت للدفاع عن الله، ولماذا هذا التشويه لصورة الله واظهاره بهذا الشكل المسكين الضعيف المحتاج الى دفاع مجاميع من الحثالات والمجرمين الجبناء المتخبئين في الجحور والظلمات... هل من المعقول ان يخلق الله الذي بيده كل شيء الأنسان على الأرض ويطلب منه الدفاع عنه، هل هذا منطقي ان يدافع المخلوق عن الخالق الذي أوجده؟!

الحقيقة التي دائما ماتغيب عن المتدينين في كافة الأديان هي: أن الله عندما أوجد في الأنسان الشعور الديني أراد من هذا ان يكون الدين في خدمة الأنسان لأشباع حاجته الروحية، وايجاد المعنى لحياته، وان يكون وسيلة وليس غاية، بمعنى وسيلة من وسائل عديدة يوظفها الأنسان لجلب الطمأنينة والسلام الروحي والسعادة، وهذه الوسيلة خاضعة لمصالح الأنسان حسب متغيرات الزمان والمكان والظروف، وحينما تتعارض مصالح البشر مع احكام ومفاهيم الدين يجب ان ننحاز الى مصلحة البشر ونكيف الدين في كل الأوقات للأنسجام مع هذه المصالح في الحياة.

فأذا نظرنا الى الدين على انه من اجل الانسان وخدمة مصالحه، وليس من اجل الله الغني عن الحاجه للأنسان.. عندها يختفي الجمود والتحجر الفكري والتعصب والكراهية والإرهاب... اذ ستصبح الغاية مصالح البشر وتحسين حياتهم، وليس التضييق عليهم واضطهادهم وتكفيرهم وقتلهم.

ان الدين مفاهيم متحركة وليست جامدة، وهو وجد لتلبية حاجات زمنية وظروف عاشها أجدادنا البشر في مختلف العصور والحضارات، وعملية توظيفه لخدمة مصالح الأنسان هي الغاية الوحيدة للدين بأعتباره نشاط بشري روحي وفكري وطقسي... وهذه الغاية لاتتحق إلا اذا قمنا بفصل الله عن الدين، والكف عن تنصيب أنفسنا حراس لحماية الله والدفاع عنه، وان نركز جهودنا على الأهتمام بمصالحنا في الحياة وفق مقاييس العقل والعدالة.

[email protected]