من جرائم القوى الاستعمارية الغربية بحق الشعب الكردي انها لم تكتف بتقطيع اوصاله الى اربع اجزاء فقط، بل قامت بتوزيعها بشكل قسري على دول كانت في الاصل تشكل جزء من مستعمراتها في الشرق الاوسط، ترزح تحت احتلالها لفترة طويلة وهي quot;العراق وتركيا وايران وسورياquot;، ثم تحولت بدورها فيما بعد الى قوة استعمارية جديدة، و اخذت تمارس نفس الاساليب القمعية quot;الاستعماريةquot; التي كانت تمارس بحقها، من اجل اجبار الكرد على الاستسلام والرضوخ للامر الواقع الاحتلالي الجديد.. ربما اراد الغرب المستعمر ان يعبر عن امتنانه وشكره الكبيرين لهذه الدول quot;المستعمراتquot;عن دورهم المشرف في اسقاط الخلافة العثمانية، فاعطت لهم الوطن الكردي هدية كعربون صداقة !

كانت الخطة تقضي بوضع القوميات والطوائف المتشابكة التي لها ارث تاريخي دموي فيما بينها داخل كيانات غير مستقرة سياسيا و ثقافيا ونفسيا، تتمتع بقدر كبير من التناقضات الفكرية والعقدية، مجتمعات قابلة للانفجار في أي لحظة ومتى ما اريد لها ذلك.. خطة خبيثة، تضرر منها الجميع ؛ الحاكم والمحكوم، الظالم والمظلوم، المحتل والواقع تحت الاحتلال، الكل خسر والرابح الاكبر كان المستعمر الغربي الذي استفاد من حالة الصراع القائمة بين الفرقاء المتصارعين داخل هذه الكيانات المصطنعة، واخذ يستغل تلك الحالة لفرض هيمنته السياسية والاقتصادية على المنطقة التي تعد من اهم المناطق الاستراتيجية في العالم.

وازاء واقع الاحتلال المعقد لم يكن امام الشعب الكردي الا ان يقاوم و يرفض الخضوع له، ويدفع ثمن هذه المقاومة باهظا حتى اصبحت مقاومة الاحتلال جزءا لايتجزء من حياته اليومية، و مظهرا من مظاهر ثقافته، اخذ يتغنى بها و يدعو لها، ويرفع ابطالها الى مصاف الاولياء والصالحين.. لذلك، ظل يقاوم، ما ان يتخلص من احتلال حتى يقع في اخر، ثم يضطر لمواجهته و يظل يقاوم ويدفع في كل مرة ثمنا باهظا لتلك المقاومة وهكذا دواليك.. قاوم الاحتلال الانجليزي ايام الشيخ محمود الحفيد عام 1920وخرج منه بقرى مدمرة و بلد مثخن بالجراح.. وثار بوجه الاحتلال التركي 1925بقيادة الشيخ سعيد بيران و لم يحصل الا على مزيد من المآسي... ولم يحصد ملا مصطفى البارزاني الذي قاوم الاحتلال العراقي على مدى اكثر من اربعين سنة الا على حزمة من الوعود الكاذبة و حكم ذاتي مزور.

لعبة سخيفة، حيكت بدهاء من قبل شياطين الانس quot;الغربيينquot; بطلها الرئيسي اكراد (اكثر من 40مليون انسان ؛ اكبر اقلية في العالم ولا يملكون دولة لحد الان )ومخرجها ومنفذها دول quot;اسلامية !quot;، ذات انظمة قمعية، وسياسات حدية لا تعرف الرحمة و لا تتساهل مع الضعفاء، عانى الاكراد منها اشد المعاناة، فهي لم تقف عند حد ممارسة القمع الجسدي لهم، بل تعدته الى بث روح الانهزامية والاحباط والجهل والتخلف فيهم، حتى اصبح الانسان الكردي بفضلهم مهزوز الشخصية، طموحه محدود، اقصى امانيه ان ينتزع او بالاحرى quot;يستجديquot;منها حكما ذاتيا مهلهلا او نظاما فدراليا ناقصا او فتح قناة فضائية بلغتهم او أي شيء يضمن له هامشا من الحرية المفقودة.. ولكن لا حياة لمن تنادي!

لن تتورع هذه الدول عن فعل أي شيء مقابل ابقاء الاكراد تحت وصايتها quot;الاستعماريةquot;، حتى لو اضطرت الى دفن الملايين منهم في مقابر جماعية او قصف مدنهم الامنة بالقنابل الكيمياوية او التضحية بكل ما تملك من اجل فرض وصايتها عليهم.. كما فعل العراق عندما ضحى بنصف نهر شط العرب لايران عام 1974 مقابل الاجهاض على الثورة الكردية الكبرى التي كانت قد اوشكت ان تنجح وتؤتي ثمارها اليانعة..

كما و فضلت تركيا ان تضحي بالالاف من جنودها في صراعها العبثي الطويل مع الاكراد من ان تمنح لهم بعض الحريات الطبيعية البسيطة التي وهبها الله للانسان، و تفك الحصار المحكم الذي فرضته على لغتهم وثقافتهم، فضلا عن منحهم حكما ذاتيا ولو محدودا، وان كان الحال هو الاسوء والاظلم في ايران، فهم يحاربون على جبهتين ؛ الجبهة القومية باعتبارهم اكرادا يطالبون بحقوقهم القومية المشروعة، والجبهة الدينية لكونهم سنة وليسوا شيعة..

ولا يختلف الوضع في سوريا عن اوضاع شقيقاتها الجائرات في شيء، ان لم يكن اسوء، واظلم، فمازال مئات الالاف من اكرادها لايملكون شهادة تثبت انهم سوريون، فهم محرومون من ممارسة حقهم بالمواطنة على الرغم من انهم يعيشون في وطنهم من مئات السنيين وربما اكثر.

العجيب ان هذه الانظمة تفعل كل ذلك بمنتهى الحرية وعلى quot;كيف كيفهاquot;امام دول العالم quot;المحبة للسلام !quot;وتحت سمع وبصر المنظمات الانسانية التي تشدد على مباديء المساواة والعدالة وحقوق الانسان في مناطق عديدة من العالم مثل السودان والصومال وتطالب بانزال اقصى العقوبات بحق مخالفيها، فيما تغض الطرف وتلوذ بصمت القبور ازاء الجرائم التي ترتكبها تلك الانظمة بحق الاكراد.. والله quot;خوش منظماتquot;...
[email protected]