في العام المنصرم وفي شهر تشرين الأول كتبت لكم عن المؤتمر العلمي الطبي الكردي الأول في مدينة ديار بكر (آمد)، والآن سأحاول إلقاء نظرة عامة على المؤتمرالثاني. في الفترة بين 14 16من الشهر الحالي تشرين الأول إنعقد المؤتمر الثاني تحت عنوان quot;الايام الطبية في ميزوبوتاميا المؤتمر الثانيquot;.

إدارة وتنظيم المؤتمر وقعت على عاتق غرفة (نقابة) أطباء آمد بالتنسيق والتعاون مع غرف أطباء كل من ولايات سيرت وباطمان وشرنخ، أي الولايات الكردية المتاخمة لـ آمد. عدد المشاركين وصل الى أكثر من 600 طبيبة وطبيب كردي من كل أنحاء العالم. عدد المشاركين من اوروبا كان أقل من العام الفائت.

أجهزة القمع المخابراتية السورية منعت الأطباء الكرد السوريين من المشاركة في المؤتمرعلماً بأن حوالى أربعين طبيباً كانوا قد قرروا التوجه الى آمد. رئيس غرفة اطباء آمد وبالتنسيق مع رئيس غرفة اطباء تركيا وجهوا رسالة عن طريق وزارة الخارجية التركية الى السفارة السورية يستنكرون فيها هذا التصرف الغريب من دولةٍ تخاف حتى من مشاركة اطبائها في مؤتمرعلمي طبي على الطرف الآخر من الحدود. رد السفارة السورية كان مغرضاً وتهرباً من المسؤولية كالعادة، حيث جاء في الرد: هذه مجرد إدعاءات كاذبة لا أساس لها من الصحة......الخ. كل الجهود في هذا الشأن لم تستطع إقناع حكام دمشق بأن المؤتمر لن quot;يتآمرquot; للإطاحة بهم...

الموضوع العلمي الرئيس لهذا المؤتمر كان الاورام السرطانية من كل الأوجه. الملفت للنظر أن عدداً من الباحثين كانوا من فئة الشباب، حيث ينتظرهم مستقبل مشرق.

نسبة إلقاء المحاضرات باللغة الكردية وصل هذا العام الى 80% مقارنةً بـ 30% في العام السابق، طبعاً مع الترجمة الفورية الى الانكليزية والتركية في قاعة مجهزة بأحدث المعدات العصرية.

موضوع الجلسة الاخيرة كان بعنوان: تفعيل الذاكرة كتدبيرلأجل المصارحة الجمعية وذلك بهدف التصالح مع التاريخ، وقد تقدم بهذه الورقة البروفسورالتركي الأصل جيم كابتان اوغلو العالم في الطب النفسي. البحث بقدرما كان علمياً كان شيقاً ومن تجارب الحياة والواقع منذ المجازرالارمنية وصولاً الى جرائم الدولة السرية ضد المواطنين حتى يومنا هذا. البحث أكد على ضرورة المواجهة المباشرة والمصارحة بين المجرمين الذين كانوا أصحاب القرارالسياسي ومنفذي التعذيب من جهة والضحايا من الجهة الاخرى كخطوة اولى لحل القضية الكردية في تركيا.

السيد اورهان ميراوغلو( هو إبن أميرالعشائرالمحلمية الكردية، وكاتب مرموق له عشرات المؤلفات، ويكتب في الصحافة حول القضية الكردية، وقد تعرض لتعذيب وحشي همجي في المهجع الخامس في سجن آمد الشهير والغني عن التعريف لمدة ستة سنوات في الثمانينات بعد إنقلاب ايلول، كما كان مع المرحوم موسى عنترعند إغتيال هذا الأخير في بداية التسعينيات ونجا من الموت بأعجوبة) كان حاضراً كأحد ضحايا التعذيب وكسياسي وأديب له حضوره في الوسط الثقافي والسياسي في تركيا، وقد وقف ملياً أمام الأساليب الهمجية في التعذيب النفسي والجسدي التي تعرض لها الكرد في السجون التركية. مير اوغلو أيضاً نوه الى أن تفعيل الذاكرة والمصارحة وجهاً لوجه أمران لابد منهما وذلك لتمهيد الطريق أمام السياسيين لحل القضية الكردية.

السيدة ليلى زانا السجينة السياسية لمدة عشرسنوات سابقاً ورئيس بلدية آمد السيد عثمان بايدمير ورئيس غرفة اطباء تركيا وكذلك أساتذة جامعات اتراك ووجوه سياسية وإعلامية كانوا من بين الحضور.

بالرغم من الأجواء المتوترة التي كانت تخيم على مدينة آمد بسبب البدء بمحاكمة السياسيين الكرد المنتمين الى حزب السلم والديمقراطية، وهو الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، إلا أن المؤتمر أنهى أعماله بنجاح وسط جوٍ من التفاؤل بقرب الوصول الى حلٍ سلمي للقضية الكردية في تركيا في المستقبل القريب.

المشاركون قرروا أن يكون مكان المؤتمر الثالث في هولير اربيل في العام القادم.

طبيب كردي سوري
[email protected]