في زمن الفضائح السلطوية العراقية الهائلة ومع إنتشار الرياح العطنة ( لإبداعات ) أمراء الطوائف و الملل و النحل، ووصول الحال العراقي لأسوأ أوضاعه قاطبة، و إنعدام القدرة الحقيقية لما يسمى بالنخب السياسية العراقية الحاكمة على الوصول بالبلد لبر الأمان في ظل الصراعات و التناحرات و احوال الشقاق و النفاق التي هي إختصاص عراقي محض للأسف!

يكون الحديث عن البدائل و الطرق المناسبة للخروج من الأزمة المستشرية و المتصاعدة فصولا أمرا تقتضيه الضرورة، فمع كل أزمة داخلية متصاعدة تتصاعد و تتوالد أزمات أشد و أعنف و أقسى و اكثر هولا، وحكومة نوري المالكي هي اليوم أمام مفترق طرق صعبة وخطيرة وذات نهايات شرسة قد تقلب بالكامل صورة إدارة الصراع الإقليمي منذ إحتلال العراق عام 2003 و بما يفتح و يؤسس لمرحلة جديدة، فالرفض المالكي و الإتهامي للوثائق العسكرية و الإستخبارية الأمريكية التي نشرها موقع ( ويكليكس ) و التي إعتبرها تسريبا أمريكيا مقصودا لإحراج حكومته و إفتعال أزمة داخلية خطيرة ستبعده وحزبه ( الدعوة ) عن السلطة بسبب إفتضاح علاقاته التخادمية الوثيقة مع النظام الإيراني و كذلك بسبب التفاهم مع جماعة و تيار مقتدى الصدر الذي إحتواه الإيرانيون بالكامل و باتوا يخططون له كل آليات ووسائل و توقيتات التحرك، ستؤدي في النهاية لفسخ عقد زواج المتعة المؤقت بين حزب الدعوة و شركاه و الجانب الأمريكي الذي لم يضمن له أي مصالح حقيقية في ظل تسليم العراق بالكامل بقضه و قضيضه للنظام الإيراني حتى تحول العراق بأسره بسبب إمساك حلفاء النظام الإيراني و المدعومين أيضا من الطرف الأمريكي لملحقية خلفية ملحقة بإمبراطورية الولي الإيراني الفقيه، وتحول السفير الإيراني ( الحرسي ) لما هو أكثر من مندوب سامي بكثير..؟

المعضلة الأساسية في عراق اليوم هو إستمرار حالة الفشل الحزبي في التوصل لحلول توافقية تبعد الأخطار الكبيرة المحدقة بالعراق في ظل صراع إقليمي ودولي محتدم لرسم الخرائط الستراتيجية الجديدة للمنطقة خلال العقد القادم و التي يعتبر العراق أحد أهم حلقاتها المباشرة، فوصول التجربة الديمقراطية في العراق لحالة موت سريري غير معلن قد فتح الطريق واسعا أمام إحتمالات و فرضيات قد تبدو بعيدة التحقيق و لكنها في جميع الأحوال شاخصة و تطل بقرونها و تلوح بعلاماتها، فتضخم المؤسستين الأمنية و العسكرية في العراق بشكل كبير مع ضياع التوجيه الستراتيجي المركزي سيكون له أثمان واجبة الدفع و أهمها العودة لمربع الإنقلابات العسكرية وللمزاج النفسي و التاريخي و السياسي في العراق حضور كبير لها، لا بل أن بعض الأطراف العراقية لا تخفي رغبتها اليوم في قيام إنقلاب عسكري بقيادات وطنية عسكرية عراقية شابة تطيح بأمراء الحرب و الطوائف و الميليشيات و تؤسس وضعا و توجها مركزيا مختلفا عن حالة الميوعة و السيولة و الهشاشة القائمة حاليا!، وكما أسلفنا فإن لتاريخ العراق المعاصر تجارب إنقلابية رائدة على مستوى العالم العربي كان أهمها و أولها في مرحلة ما بين الحربين إنقلاب الجنرال بكر صدقي في 29 أكتوبر عام 1936 في عهد الملك الراحل غازي بن فيصل الأول وحيث كان الصراع الداخلي محتدما بين التيارات الوطنية و التيارات القومية في ظل وضع دولي كان يتجه وقتها نحو صدام كوني كبير، لم يعمر ذلك الإنقلاب طويلا بل إستمر لعشرة أشهر قبل أن ينتهي مع إغتيال قائده الجنرال صدقي على يد القوميين في مطار الموصل عام 1937 ليستمر التناحر الداخلي و يقتل الملك غازي و تعيش البلاد مرحلة إنتقالية صعبة مع الحرب العالمية الثانية التي فرضت مؤثراتها و تأثيراتها على الوضع الداخلي لتقوم العناصر القومية الراديكالية في الجيش العراقي و بدعم من مفتي فلسطين و ألمانيا الهتلرية حركة مايو 1941 وزج الجيش العراقي في حرب غير متكافئة مع الجيش البريطاني كان من نتيجتها إعادة الإحتلال البريطاني الكامل للعراق، وظلت النار تحت الرماد وكان صراع الحرب الباردة الذي أعقب الحرب العالمية الثانية وتحول العراق بحكم وضعه السوقي و اللوجستي لساحة رئيسية من ساحاته مما أدخل العراق في أزمات كبيرة كانت قمتها مع الإنقلاب العسكري الأشد دموية و توحشا في التاريخ العراقي الحديث وهو إنقلاب 14 تموز/ يوليو 1958 العسكري الدموي الذي أطاح بالحكم الملكي الدستوري المؤسساتي الحضاري و فرض منطق الدبابة و المدفع و أدخل العسكر في شؤون الدولة و المجتمع و فتح باب الصراعات الطائفية و العشائرية و الحزبية في ظل التكالب على السلطة و معروفة الأهوال التي عاشها العراق منذ ذلك الإنقلاب في سنوات 1959 و 1961 وحتى الإنقلاب الدموي الآخر في 8 شباط / فبراير 1963 الذي أفرز مؤسسة بعثية وقومية فاشية مارست القتل على الهوية وفرضت منطقها الدموي على الأوضاع العامة، وكانت الإنعطافة الكبرى مع تأسيس النظام الحزبي القمعي في إنقلاب القصر البعثي في 17 تموز/ يوليو 1968 و الذي كان ثمرة لصراع المصالح البريطانية و الأمريكية على العراق، ومعروفة بقية القصة حتى إستقبل العراق الألفية الثالثة بإحتلال عسكري أمريكي من نوع جديد قام بإلغاء هوية و شخصية الدولة العراقية المؤسسة منذ عام 1921 وحاول أن يقيم مشروعا تغييريا سرعان ماتحول لكارثة وطنية و إقليمية عظمى بعد فتح صنبور الفتن الطائفية و العشائرية و المناطقية الموصد منذ عقود، فجاءت الأحزاب الدينية و الطائفية بمرجعياتها الخارجية لكي تعبث في وطن كان ساحة واسعة لكل العابثين منذ أن فتح عليه العسكر كل بوابات جهنم، اليوم وفي ظل البطالة الواسعة التي تعصف بأوساط الشباب العراقي فإن الإنخراط في المؤسستين الأمنية والعسكرية يظل هو البوابة الكبرى للتشغيل ولإمتصاص الأيدي العاملة العاطلة وهي حالة شاذة وغير مسبوقة لبلد تقوده حكومته نحو سياسات ونهايات فاشلة بالمطلق ومع الفشل الستراتيجي الأمريكي الكبير في العراق و تهاوي الأحزاب الطائفية التي فشلت في التوائم مع الصورة الجديدة و عادت لخياراتها وجحورها الطائفية و الكهنوتية تكون العودة للغة العسكر هي اللغة المحبذة لقطاعات واسعة من العراقيين، الإنقلاب العسكري في العراق ليس مجرد وهم و خيار بعيد المنال كما يحاول البعض التأكيد؟

بل أنه بات يمثل اليوم أحد الخيارات الأمريكية المطروحة للخروج من عنق الورطة الستراتيجية الكبرى في العراق... فهل سيعود الجيش العراقي لرسم المشهد السياسي العراقي من جديد..؟.. كل الإحتمالات ممكنة..!.

[email protected]