مع دخول مشاورات العملية السياسية العراقية في مرحلة جديدة للوصول الى نتائج عملية لتشكيل الحكومة المقبلة بفضل مبادرة الطاولة المستديرة التي اطلقتها القيادة الكوردية بقيادة مسعود البارزاني رئيس اقليم كوردستان، وانتهاء الجلسة المفتوحة لمجلس النواب الجديد بقرار من المحكمة الفيدرالية، قدم العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين مبادرة حكيمة، لدعوة القيادات العراقية للاجتماع في الرياض للبحث في الازمة والخروج منها بحلول ترضي جميع الاطراف وتحقيق المصالحة الشاملة لاخراج العراق من ازماته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وخاصة السياسية التي امتدت لاكثر من ستة اشهر.

وبالرغم من رفض المبادرة من بعض القوى العراقية وقبولها من قبل قوى اخرى، الا انها كانت لها آثار ايجابية على مجريات الاحداث، اخذت طريقها الى حيز الواقع على الساحة السياسية داخل العراق، ومن أبرز تلك الآثار ما يلي:

اولا: تكثيف الحراك السياسي الذي اطلق بمبادرة من القيادة الكوردستانية حول الطاولة المستديرة لجمع شمل الكتل البرلمانية الفائزة في الانتخابات للتباحث والتشاور للخروج من الازمة وتشكيل الحكومة على اساس الشراكة والتوافق لادارة شؤون الدولة العراقية.

ثانيا: تثمين مبادرة الطاولة المستديرة لرئيس الاقليم مسعود البارزاني من قبل خادم الحرمين الشريفين ودعمها لحث القيادات العراقية على تحقيق نجاح للمفاوضات الجارية تحت خيمة الطاولة في اربيل وبغداد.

ثالثا: كسر الجمود في العلاقات المرتبطة برئيس الوزراء نوري المالكي مع القيادة السعودية التي تعاملت بتحفظ مع المالكي في الفترة السابقة لاسباب متعلقة بالدور الايراني في الشأن العراقي.

رابعا: جذب تأييد دولي واقليمي لمبادرة جلالة الملك عبدالله ومبادرة البارزاني لحث الجهود العراقية ودفعها باتجاه الامام للخروج من الازمة بتشكيل الحكومة في مستقبل قريب، وحصول تأييد عربي للمبادرتين لحل الازمة وتمهيد الطريق للتقارب العربي العراقي مع الاعتراف بالواقع الجديد في بغداد.

خامسا: تقليص الخلافات بين دولة القانون والتحالف الكوردستاني للقبول بورقة المطالب الكوردية لائتلاف الكتل الكوردستانية لتمهيد السبيل لتحقيق الاغلبية البرلمانية.

سادسا: تغيير موقف بعض الكتل البرلمانية من بعضها، وخاصة داخل التحالف الوطني لصالح مرشح التحالف للحكومة مثل حزب الفضيلة، وتوقع تغيير موقف المجلس الاسلامي الاعلى باتجاه القبول بترشيح المالكي بعد رفض دام لشهور طويلة.

بعد سرد هذه الآثار الايجابية، هنا لابد من القول ان هذه الآثار التي افرزتها مبادرة الملك عبدالله بن عبد العزيز، والتي تركت تأثيرها الحيوي عمليا على مجريات واقع العملية السياسية الجارية بين القوى العراقية، عجلت على حصول تقارب بين القوى وعملت على زيادة درجة التفاؤل بالوصول القريب الى حل يتفق عليه الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة المقبلة برئاسة نوري المالكي، والايام المقبلة ستشهد الاعلان عن انتصار عراقي حقيقي بفضل جهود القيادات التي اصرت على حل الازمة عراقيا بعيدا عن التدخلات الاقليمية والعربية والدولية، ولاخراج العملية السياسية من عقدتها المستعصية ومن أزمة خطيرة كادت ان تعصف بالبلاد وان ترمي به في نفق مصير مجهول.

وبفضل هذه الحقائق الجديدة التي اخذت تفرض نفسها على الساحة العراقية، فان الحكمة والمنطق تفرضان وبفعل القرب العاجل لحل الازمة، تفعيل المبادرة السعودية بوتيرة عالية من قبل المملكة والقوى العراقية لتتويج الانتصار العراقي عربيا في الرياض بعد ان يتم تتويجه عراقيا داخل البلاد، ولا شك بفعل هذه المبادرة سيتوفر الغطاء العربي للنجاح العراقي المنتظر تحقيقه قريبا، لضمان الفضاء الحيوي للعراق داخل منظومة الدول العربية وتحت مظلة الجامعة العربية.

ولكن لابد من البيان ان المبادرة السعودية بحاجة الى بادرة أخرى لغرض تفعليها والعمل على تحقيقها ونقلها الى حيز الواقع وضمان عوامل نجاحها وتوفير مقومات قبولها من قبل كل القيادات العراقية ومن خلال استثمار النجاح العراقي المرتقب، والبادرة تتطلب خطوة حكيمة ورشيدة اخرى من قبل جلالة الملك عبدلله والقيادة السعودية، والخطوة هي اعفاء العراق من كل الديون المالية السعودية المترتبة عليه، كبادرة سعودية كريمة من قبل خادم الحرمين الشريفين والمملكة تجاه العراقيين والدولة العراقية لتخفيف الاعباء عليها، ولا شك ان خطوة كهذه ستقابل من العراق ومن حكومته المقبلة بردود ومبادرات حكيمة تعود بالمنفعة اكثر للمملكة العربية السعودية مستقبلا.

وبفعل هاتين المبادرتين ستكسب المملكة بشخص الملك عبدالله بن عبد العزيز تقدير كل العراقيين وسيرسى من خلال السعودية عهدا جديدا لتعامل العرب مع العراق الجديد، لوضع حد للاغتراب الحاصل في علاقة العراق مع العالم العربي، وستضع حدا للتدخلات الاقليمية الاجنبية بالشأن الداخلي العراقي، وستبعد المنطقة عن الكثير من المخاطر التي تؤرق شعوبها، وبادرة خادم الحرمين الشريفين باستقبال القيادات العراقية باستمرار والاستماع الى وجهات نظرهم بخصوص الوضع السياسي العراقي والاقليمي تأتي ضمن هذا المنظور لتحقيق الاستقرار والامن والسلام في العراق لابعاده والمنطقة من بؤر متوترة لصراعات دولية تحيط بها.

وانطلاقا من هذه الرؤية المطروحة في هذه الدعوة بدوافع انسانية حقيقية، يشرفنا بقلمنا المتواضع هذا النابع من صدر عراقي وقلب كوردستاني ينهل فخره واعتزازه من السلطان العراقي الكردي صلاح الدين الايوبي منقذ الاسلام، ان نلتمس العطف من جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومن القيادة الحكيمة للمملكة العربية السعودية بتدعيم وتفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين بمبادرة اعفاء العراق من كل الديون المالية السعودية المترتبة عليه جراء تصرفات وممارسات غير عقلانية للنظام السابق والتي لم يكن للعراقيين فيها خيار ولا حرية بسبب سياسات القمع والاستبداد والطغيان لرئيس النظام، وتقديرا للظروف غير العادية التي يمر بها العراق، وتكرما بالدور الفعال والمميز للسعودية وبشخص جلالة الملك عبدالله في قيادة المبادرات الانسانية دوليا واقليميا، وانطلاقا من القيم الاسلامية والعربية التي تتسم بها المملكة ملكا وقيادة وشعبا.

لكن بالرغم من دعوتنا لتفعيل المبادرة السعودية والتماسنا بعطف جلالة الملك عبدالله لاعفاء العراق من الديون، لا بد من التأكيد أن الأمل الأول والأخير يبقى بيد القيادات العراقية، ولا شك هم أهل لخلق وصنع هذا الأمل المترقب بتحقيق النجاح العراقي المميز، بفعل نخوة العراقيين الأصيلة واصرارهم على إخراج هذا الأمل المرتجى المنشود الذي بدأ بالشروق من جديد للعمل على ضمان الأمن والاستقرار والسلام والبناء والعمران والخدمات في كافة مجالات الحياة في بغداد وفي كل أرجاء العراق وعودة الحياة الطبيعية الى كل أجزاء البلاد، لتكون بغداد وهذا العراق الناهض من كبوته منارة للحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والتنمية الحقيقية للعراقيين جميعا ولكل شعوب المنطقة المؤمنة بالإنسانية والمحبة للسلام.

سياسي عراقي كردي مستقل
[email protected]