(في محاولة لفهم آلية الطغيان)

وصف المؤرخ (سويتون) جنازة القيصر في كتابه (حياة القياصرة الاثني عشر) على النحو التالي:
(فلما أعلن عن موعد الجنازة نصبت المحرقة في ميدان مارس (اله الحرب) تجاه منصة الخطابة.
ولما تبين أن اليوم كله لن يكفي مرور الناس الذين اصطفوا حاملين قرابينهم صدر قرار بأن يحمل كل من شاء قرابينه الى ميدان مارس. واكتفى القنصل انطونيو مارك في رثائه بأن طلب الى أحد المنادين أن يقرأ مرسوم مجلس الشيوخ الذي أسبغ على قيصر بالاجماع كل التشريفات الالهية والانسانية ولم يضف هو الا كلمات قليلة.
وكان البعض يرى حرقه في معبد جوبيتر والآخر في مجلس الشيوخ. وإذا برجلين تمنطق كلاهما بسيف وحمل بيده رمحا يشعلان فيه النار فجأة بشموع موقدة.
ولم يلبث جمهور المشيعين أن كدس حوله الحطب والمقاعد ومنصات القضاة. بعدئذ خلع لاعبو المزامير والممثلون ثياب الاحتفال بالنصر، التي كانوا قد ارتدوها لهذه المناسبة وزجوا بها في النار.
الى جانب هذه المظاهر العامة التي تجلى فيها حزن الجمهور أدت الجاليات الاجنبية مراسم الحداد كل جالية على حدة حسب طقوسها وبخاصة اليهود الذين ذهبوا الى حد التجمع حول قبره ليالي متعددة.
وبعد أن انتهت الجنازة شيد له عمودا من مرمر بلغ ارتفاعه عشرين قدما ونقش عليه: الى أبي الوطن)
والسؤال المحير والملح الذي يطرح نفسه كيف يقفز البشر الى هذه المنزلة من القداسة في محياهم ومماتهم؟
وحتى نعرف معنى هذا الكلام ميدانياً فليتجرأ أحد الناس فيجرب حظه علناً في شارع مكتظ بالناس فيقوم بالتعرض لمقدس ما ثم التعرض لرئيس الجمهورية في بلد عربي وليرى في أي من الحالتين تكون قوى الأمن أسرع بألقاء القبض عليه واشباعه ضربا بالسوق والاعناق، مما يفتح عيوننا أن نستوعب أين دائرة المحرم والمقدس فعلاً. كيف يضع فرد قبضته على رقبة شعب بأكمله فيرسم مصيره الى حين؟ كيف تقع الشعوب في قفص العبودية وكيف تتحرر؟ كيف يتحول الانسان (عملياً) الى (اله) يملك أقدار الناس في أرزاقهم و تسريحهم من وظائفهم. في حريتهم واعتقالهم متى يشاء. في حياتهم فيدفعهم الى الاعدام أو ساحات القتال في صورة قرابين بشرية أو سجنهم حتى الموت أو دفعهم الى الهرب من البلد في موت من نوع جديد.
كان تعبير النبي يوسف عليه السلام واضحاً أن فرعون هو عمليا رب العباد والبلاد (ارجع الى ربك فسأله مابال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) وبالمقابل فإن فرعون هتف بالناس (ماعلمت لكم من أله غيري) وبالتالي فهو يملك القداسة والحقيقة الحقيقية النهائية المطلقة (ماأريكم الا ماأرى وماأهديكم الا سبيل الرشاد). ونحن اليوم نظن أن فرعون هو بيبي الثاني الذي عاش في الألف الثانية قبل الميلاد وليس كل من اتصف بصفاته، وبذلك نقرأ القرآن بعيون الموتى وعلى الموتى في مناسبة موت الرؤساء. إن ادراك قوانين التغيير الاجتماعي أهم بمالايقارن من اكتشاف قوانين الفسيولوجيا أو أطلس المورثات والجينوم البشري. والمشكلة الخطيرة التي واجهها الانبياء في التاريخ هي المشكلة الاجتماعية، ولعل أخطر مرض يواجه المجتمع هو في كيفية تنظيم نشاطه.
في 18 اغسطس من عام 1562 م توفي شاب فرنسي هو (اتيين دي لابواسييه) عن عمر 32 سنة بعد أن ترك خلفه كتابا صغيراً بعنوان (العبودية المختارة) اختفى تحت لجة التاريخ وكان صديقه الفيلسوف (ميشيل مونتيني) هو من انتبه الى أهمية النص ولكن لم يتمكن من نشره لأنه كما قال:
(إن فيه حياكة أدق وألطف من أن تخرج الى الجو الخشن الذي اتسم به ذلك العصر الفاسد) وفي عام 1936 تم إعدام الشاعر الاندلسي (فيديريكو غارسيا لوركا) في ظروف غامضة في الحرب الأهلية الاسبانية والسؤال كيف تحكم الآلة الاجتماعية على تصفية انسان؟ من أصدر الأوامر؟ من نفذ واعتقل؟ من أطلق النار؟ وكيف يتم الاجهاز على الناس بهذه الآلة الاجتماعية من تسلسل الأوامر؟ وكيف يتحول البشر مع تتابع الهيراركية (التراتبية) الى آلات صماء تنفذ أفظع الأشياء بأقل الأوامر وبكلمة واحدة: اعدموه!.
إن كتاب (لابواسييه) يمثل فعلاً (سوبرنوفا) اجتماعية فهذه الظاهرة الكوسمولوجية لها مايشابهها في قوانين الاجتماع.
وكما في الانفجار النجمي الهائل الذي يصل نوره على موجات الضوء تعبر الفضاءات الكونية فنبصرها على الأرض. فهناك مايشبه هذا في الظواهر الاجتماعية. وعندما تنقدح الأفكار بشرر كالقصر فإنها تعبر الفضاء الثقافي في زمن يطول ويقصر على نحو متغير حسب قدرة الاستقبال عند المجتمعات، ويقدر الغور الثقافي الذي يفصل عن مكان انفجار الأفكار بمسافات عقلية وليست مكانية، فقد يولد تركي في ألمانيا ويعيش فيها ولايعرف سوى مصنح الصلب الذي يشتغل في أفرانه، وقد يعيش انسان في الارجنتين بعيدا عنها بمسافة الفي كيلومتر ويتذوق الفلسفة الألمانية ويعرف متى دشنت ميكانيكا الكم. وهكذا فإن أفكار لابواسييه غطست عبر العصور لينشر النص الكامل عام 1835 م للمرة الأولى بعد 273 سنة من وفاة صاحبها، ولكن هذا الانفجار المعرفي لم يصل بعد الى فضاء الثقافة العربية الا بعد أربع قرون ونصف مع نهاية القرن العشرين على نحو باهت يكاد لايرى بفعل كثافة قشر الثقافة العربية ومناعتها ضد التغيير وغيابها عن الحضور العالمي. وهو كتاب لم يلاق الرواج حتى الآن ولم ينتبه اليه الا الآحاد. يتعجب (لابواسييه) من سقوط البشر في أصفاد العبودية كيف يخضعون لجبروت شخص واحد يأكل مما يأكون منه ويشرب مما يشربون: (فلست أبتغي شيئاً الا أن أفهم كيف أمكن لهذا العدد من الناس من البلدان من الأمم أن يحتملوا أحياناً طاغية واحدا لايملك من السلطان الا ماأعطوه ولا من القدرة على الأذى الا بقدر احتمالهم الأذى منه. إنه لأمر جلل حقاً وأدعى الى الألم منه الى العجب أن ترى الملايين يخدمون في بؤس وقد غلت أعناقهم دون أن ترغمهم على ذلك قوة أكبر بل هم فيما يبدو قد سحرهم). نعم إنه السحر الجديد. عندما أراد البعض تعريف السحر قالوا إنه الشيء على غير حقيقته، وعندما وصف القرآن عمل السحرة ذكر تصورات موسى عليه السلام (خيل اليه من سحرهم أنها تسعى) فهذا التخيل لشيء ليس له أرضية يتم من خلال اغتيال العقل بطريقة خفية ومدروسة. إن الاسلام أراد تحرير الانسان من فكرة المعجزة وامتيازات الأشخاص جميعاً في أي خانة كانوا من عائلة أو حزب أو طبقة او طائفة أو جنس، وعمد الى كسر احتكار الكهان والسحرة والعرافين لإخراج نموذج جديد للانسان والمجتمع. انسان محرر بعقل غير معتقل. ومجتمع توحيدي متجانس بدون طبقات وامتيازات. إن الدين جاء لمعالجة أعقد مشكلة انسانية وهي تحريره من الوثنية ولذا فإن موضوعه الجوهري يتصل بأكثر مشاكل المجتمع الحاحاً وإن الشرك الذي لايغفر ولاتنفع معه طاعة، وإن التوحيد الذي لاتضر معه معصية هو في إعلان كلمة السواء في المجتمع فلايستقل اناس بامتيازات، أو أن يمسخ المجتمع بانقلابه الى آلهة وعبيد و(مستكبرين ومستضعفين).
هذه القضية أرقت الفلاسفة والمفكرين والسياسيين وفي المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي طرح خروتشوف هذا السؤال المحوري كيف أمكن لفرد واحد مثل ستالين أن يتحكم بمصير أمة؟ كيف أرسل للموت مئات الآلاف ولم يقتل واحداً بيده؟ كيف كانت نظرة سيئة منه لعضو في المكتب السياسي تجعله يرتجف هلعاً بقية حياته؟
إن كارثة الحكم الفردي وسيطرة النخب والعائلات والأنظمة الشمولية عرضها (الكتاب الأسود) الكاتب الفرنسي (ستيفان كورتوا STEPHANE COURTOIS) الذي صدر في فرنسا وكيف أن مائتي مليون انسان أصبحوا ضيوفاً على الأبدية على يد حكم الطغاة. ومن هنا فإن قضية الشرك والتوحيد هي لب القضايا الاجتماعية التي يغفر كل ماعداها ولايغفر ذنبها فهي أهم مشكلة تواجه البشرية على الاطلاق وبدون حلها تأسن كل الحياة فالتوحيد هو اكسجين الحياة. واليوم يعيش الجنس البشري في صورة وثنية جديدة بطبقة امتيازات تضم اصناماً تحت (هبل) العالم أمريكا بقرار الفيتو في صورة شرك أكبر يعيق ولادة العدل، ومن الطاغوت الأكبر ياخذ بقية طواغيت العالم الصغار شرعيتهم. وأمام العالم ولادة جديدة باتجاه التوحيد ليس بإضافة أصنام جديدة مصنوعة في فرانكفورت وطوكيو بتوسيع مجلس اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، بل بتحطيم نادي الفيتو كله وألغاء هذا الشرك العالمي كله جملة وتفصيلا، والعودة الى التوحيد الذي هو خير وأبقى، بايجاد عالم جديد متجانس يقوم على (كلمة السواء) محرر من علاقات القوة، كما وجه تلك الدعوة رسول الاسلام ص الى هرقل. ولكن من العجيب أن مثقفي الحداثة من الغرب والشرق كلهم صم بكم عمي عن هذه الوثنية فهم لايعقلون.
ومن قصص العبودية المختارة أرسلت لي أخت فاضلة من المغرب خبرا عن جرأة خطيب جمعة في بلاد الشام أن ينهض على المنبر فيشرح آلام المسحوقين وقالت إنها خطبة حلوة؟؟
وهي في تقديري جرأة نبعت أما من جنون أو ترتيب لذا ـ قلت للأخت:
ضعي المنظر العام للتحليل فترين أننا نعيش العصر العباسي والبيعة والشاعر أبو العتاهية يروي معاناة الناس وغياب المؤسسات، ثم هل تظنين أن الحاكم يحكم بمفرده؟ أم هو رئيس عصابة القراصنة؟
وهناك استفسار آخير هل هو من عناصرهم للتنفيس وإقناع الرأي العام بحرية الرأي؟ أم هو شاب متهور جاهل أخرق لايعرف لعبة السلطة؟ وسوف يتعلم هذا في أقبية المخابرات التسعة عشر بآلة الفيجيلا التي عذب بها توماس كامبانيلا؟
هل تعلمين ماهي آلة الفيجيلا؟
اقرئي قصة هذا المجنون مع محاكم التفتيش التي يعيشها اليوم المواطن العربي
في مواجهة اضطهاد رهيب، قد يضطر الإنسان في النهاية، أن يعلن جنونه على الملأ؛ كي ينجو بجلده من المحرقة؟
وهو ما فعله الراهب الدومينيكاني (توماسو كامبانيلا) في مطلع القرن السابع عشر، بعد محرقة (جيوردانو برونو) الذي خضع أي برونو لتحقيق جهنمي لمدة ثماني سنوات، وافتتح القرن السابع عشر بحرقه حياً، على النار ذات الوقود، مثل أي فروج مشوي. والكلمات التي تجرأ على نطقها (كامبانيلا) كانت أثرا من موجة الإصلاح الديني، التي اجتاحت الشمال الأوربي، بعد أن أطلق (مارتن لوثر) حركة المعارضة (البروتستانت) على صورة خمسة وتسعين سؤالاً، علقها على جدار كنيسة (فيتنبرج Wittenberg)، يسأل فيها كيف يمكن لمجرم ارتكب كل الذنوب، أن يدخل جنة نعيم؛ بتذاكر اشتراها من مال حرام، ونبت لحمه في الحرام؟؟
والخطيئة القاتلة التي وقع فيها (كامبانيلا) حين لم يقدر العواقب جيدا، وهو يتعرض لديناصور لاحم اسمه الكنيسة، ومخالبه من محاكم التفتيش؟!
قال الرجل يعلق على معتقدات الكنيسة: ' إن الكنيسة روجت لمثل هذه الخرافات كي تتحكم بالناس وتجعلهم خائفين'؟؟
وبالطبع فإن جملة من هذا الحجم، في وجه خصم شرس مسلح حتى الأسنان، بكل الإمكانيات، بما فيها ادعاء أن الله يمر من خلاله، على لسان المعصوم (البابا)، وهي المسألة التي كلفت التيولوجي السويسري (هانس كينج) خسارة مقعده في التدريس، بعد مرور 400 سنة على واقعة كامبانيلا، تعيس الحظ، حينما طرح الأخير، مسألة عصمة البابا في الميزان، بعنوان صاخب من كلمة واحدة (العصمة؟؟ Unfehlbarkeit). وهو نفس الرجل الذي كتب عن الخطايا التسع عن البابا الراحل، مع أنه كان قمة الإصلاحيين، في جهاز غير قابل للإصلاح، في ضوء عصمة بشر يخطئون، وحكم لمدى الحياة، كما هو الحال في زعامات الأنظمة الثورية الخايبة. وينقل عن السير (والتر رالي) من القرن السادس عشر (1554 ـ 1618م) قوله: ' ينبغي على الرجال العقلاء أن يكونوا خزانة ذات قعرين، لا تسمح من النظرة الأولى سوى رؤية سطحها الفوقي'.
وهو نفس ما حصل في تراثنا حينما قدم الفيلسوف (ابن طفيل) المجتهد (ابن رشد) إلى الملكي الموحدي، فبدأ في سؤاله، وكانت أجوبة ابن رشد متحفظة، تنحو منحى الفقهاء التقليدين الغارقين في كومة النصوص، فأدرك الملك الفطن حقيقة خوف الرجل، فأمنه، فتدفقت الحكمة من قلب الرجل على لسانه، بعد أن زالت عقدة الخوف من لسانه.
ولكن الفقهاء لم يتركوه؛ حتى أنهوا حياته بالفتنة الكبرى، فمات ـ وبأمر من الملك تحت ضغط الفقهاء ـ شيخا كسيرا محطما منبوذا منفيا في قرية (الليسانة) اليهودية إمعانا وتشفيا من الرجل، في جو مريض عقليا، مشحون بالروح العنصرية.
وصديقنا الراهب (كامبانيلا) حصل معه أفظع؛ فقد ألقي القبض عليه بتهمة الهرطقة والإلحاد؛ فنزل في أقبية مخابرات الفاتيكان، حيث محاكم التفتيش الجهنمية، في عام 1593م، ثم أطلق سراحه بعد ست سنوات عام 1599م.
وكانت جنوب إيطاليا خاضعة للحكم الأسباني يومها، ومعها جبروت الكثلكة، فأوحى إليه عقله أن يقاوم الغزاة، وينشيء جمهورية مثالية، فأخطأ للمرة الثانية بأشد من الأولى، وهكذا فبعد أن كان يواجه غولا واحدا، أصبح في مواجهة غولين؟!
تم إلقاء القبض على كامبانيلا من جديد، وحكم بالسجن المؤبد، وأخضع للتعذيب هذه المرة بآلة جهنمية اسمها (لا فيجليا La Veglia)، ما يذكر تعذيب (ماهر عرار) السوري الكندي الجنسية في أقبية المخابرات الثورية، ولكن بفارق أربعة قرون؟
فبعد أن وشت به المخابرات الكندية أمسكت به الأمريكية ولكنها تركت امتياز تعذيبه لبني قومه؟! ليرجع ويقاضي الأربعة وتعتذر له الحكومة الكندية وتعطيه 12 مليون دولار تعويضا..
كان المتهم كما هو مع كامبانيلا يخضع لتعليق ذراعيه، وهو في وضع القرفصاء، على بعد إنشات من كرسي، تبرز منه مسامير حادة، غليظة جاهزة لشق اللحم شقا، فليس أمام التعيس إلا أحد اثنين: أن ينغرز في خازوق الأنصال، أو تنخلع أكتافه من فوق؟..
وكان عرار كما جاء في مذكراته يهدد دوما بكرسي حديدي من هذا الصنف.
وهنا أدرك (كامبانيلا) أن عليه إن أراد أن يبقى على قيد الحياة أن يمارس استراتيجية جديدة، وهكذا فقد بدأ يتظاهر بالهلوسة والجنون، فأخضعته الكنيسة لمزيد من التعذيب؛ كي تتأكد أنه (مجنون حقاً) كذا؟؟ وبقي أربع سنوات مصلوبا واقفا إلى جدار، فصمد لجهنم تحقيق الكنيسة، حتى اعتقدت في النهاية بأنه فاقد العقل تماما. بعدها بفترة سنوات كتب كتابه الأول في مدح (الملكية الأسبانية)، وأن ما فعلته من ذبح الناس وحرقهم على نار هادئة، ونهب أمريكا، كان عين العقل، وقمة التقوى، فصدقت الكنيسة أنه فعلا ولد صالح للكثلكة؟!
ثم ضرب كامبانيلا ضربته الأخيرة؛ فأخرج كتابا مثيرا بعنوان (هزيمة الإلحاد) وعرضه على شكل سؤال وجواب، وهو ما يذكر بكتاب (قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن) لنديم الجسر بين حيران وأستاذه، مع الفارق.
وكان يعرض حجج اللوثرين والمارقين بقوة ووضوح، ثم يأت برد الكنيسة على شكل ممل تقليدي عويص، فاحتارت الكنيسة في أمره، فهو يعرض آراءها مقابل الشبهات، ثم اقتنعت أن الرجل كاثوليكي صالح، وأنه فعل جهده في اعتناق المذهب الصحيح والذود عنه، وهكذا أطلقت سراحه بعد 23 سنة من حبسه الطويل، وتلقف الناس كتاب الرجل فلم يكن هزيمة للإلحاد، بل كان نبعاً الإلحاد، وهكذا أصبح أنجيلا في يد كل من ينافس ويعارض الكنيسة ويريد النيل منها، بسبب قوة الحجج المعروضة على لسان خصوم البابا والكنيسة.
وهذا يجعلنا نفهم أن معركة الكنيسة مع العلماء فتحت الباب لكل ألوان الإلحاد، جملة وتفصيلا، وضد أي دين، وبذلك نشأت الحضارة الغربية الحالية، وهي ممزوجة بروح إلحادية صريحة؛ فأعلن (نيتشه) موت الرب، وأعلن (سبينوزا) أن الله والطبيعة واحد، وأن الإيمان بالمعجزات كفر، وأعلن (ماركس) أن الدين أفيون الشعوب، وختمها (ميشيل فوكو) بموت الإنسان؛ فلم يبق وينجو أحد، وكل ذلك من حماقة الكنيسة وتعصبها العقيم الذميم..
بعد أن وصلني من الأخت المغربية ماوصلني عرفت أنها لرجل يدعى أبا القعقاع جنده الزبانية فقتل ما شاء لم من القتل في بلاد الطاغية الأسبق واللاحق حيث عشش الحجاج وجنده، ثم وبعد أن أدى مهمته ذبحوه مثل كبش أملح ليوم العيد وما هو من الظالمين ببعيد..