من المعلوم ان النموذج العراقي بهذا القدر من الانفراد الديمقراطي المتميز في المنطقة من خلال صناديق الاقتراع، شكل تجربة ايجابية غنية في نقل السلطة بخيار من الشعب، ونتجت منها قدرة وطنية لحل مشكلاتها وازماتها السياسية، وتوصل الكتل البرلمانية في مجلس النواب الى حل بتوافق كل الاطراف وفق مبادرة رئيس اقليم كوردستان مسعود البارزاني شكل نجاحا بارزا وحكيما للاحتفاظ بأرضية صلبة لارساء العهد الجديد بعد سقوط صنم الطغيان بالرغم من المشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والخدماتية التي مر بها البلاد، ولا شك ان استثمار نجاح الحل السياسي يشكل اولوية جادة لتشكيل الحكومة المقبلة وفق معطيات جديدة لمعالجة الازمات الحياتية والخدمية التي تعتبر مسألة في غاية الأهمية للعراقيين، وتحمل ضرورة وطنية قصوى للذين يعانون من مأسي كثيرة طوال عهود.

لهذا فإن الاستحقاقات الوطنية الانتخابية للامة العراقية، يجب أن تبقى ضمن الاولويات الرئيسية والأساسية للحكومة المقبلة، بالمشاركة مع الرئاسة ومجلس النواب، ولا شك ان مسؤولية الاستحقاقات وتنفيذها تقع على عاتق السلطة التنفيذية، والرئيس جلال الطالباني كلف نوري المالكي رئيس الكتلة النيابية الاكثر عددا لتشكيل الحكومة الجديدة.

والمعروف ان الازمات الخانقة التي تجابه المواطن العراقي في حياته اليومية والمعيشية ضمنت لنفسها مساحة من الحضور المتواصل في الحياة مثل فقدان الخدمات والبطالة والفساد وأزمات الكهرباء والسكن والماء والصحة والتربية وفي قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة. وواقع الحال يلزم الحاجة الى التعامل مع كل هذه الازمات والمشاكل بجدية لطرح حلول ومعالجات جذرية لها، وطرحها بشفافية للعمل الجدي على ازالتها من واقع حياة العراقيين. والاستحقاقات الانتخابية تجاه المواطنيين تم ذكرها في مقالات ومناسبات سابقة كثيرة طرحناها من خلال هذا المنبر بمقالات عديدة، ولكن في هذا المقال نرى ضرورة تسليط الضوء على المباديء الأساسية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، لكي يعتمد عليها المالكي للاستفادة منها لتأمين مقومات نجاح الحكومة، والمباديء تنحصر بما يلي:

* إختيار كفاءات حقيقية من أصحاب الشهادات والاختصاصات الجامعية ومن العناصر النزيهة ومشهود لها بالكفاءة والخبرة والمصداقية والوطنية، وان لا تقل الخبرة الوظيفية الحقيقية عن عشرين سنة.
* ان يمتلك المرشح المهارات الادارية الآتية: المخاطبات الادارية للمراجع ولما الدون وفق السياقات المتبعة في النظام الاداري، اعداد التقارير الاسبوعية والشهرية والفصلية والنصف السنوية والسنوية، اعداد الخطط وبرامج العمل وفق الأطر الزمنية ووفق احتياجات المراجع، اعداد الخطط السنوية من الناحية الادارية والفنية وحسب الاحتياجات والسياقات المرعية، اعداد الميزانية السنوية وتقاريرها وفق السياقات المرعية في النظام المالي العام، اتقان المخاطبات باللغات العربية والالمام بالكردية والالمام الكافي بالانكليزية، الارشفة والتنظيم الاداري، اعداد مسودات القوانين والأنظمة والتعليمات والقرارات.
* ان يتمتع المرشح بالمهارات الفنية والحاسوبية الآتية: كتابة المخاطبات والتقارير وبرامج العمل والخطط بالطابعة والكومبيوتر، الالمام بالحاسبة وملحقاتها من اجهزة الطابعة والسكانر، الالمام بالبرامج التشغيلية للكومبيوتر ويندوز 2003 و2007، الالمام ببرامج الاوفيس وورد، اكسل، اكسس، باوربوينت، الالمام باستخدام الانترنيت والبريد الالكتروني والمواقع الالكترونية والفيس بووك، الاشراف وتحرير مسودات التقارير والمشاريع.
* أختيار وكلاء للوزارات حسب تخصصات العمل الدقيق، وإختيار أكثر من وكيل للقطاعات التي تديرها وزارة معينة.
* إلزام الكتل النيابية او الشخصيات المرشحة لأية وزارة بتقديم برنامج عمل وطني فعال للوزارة لتقييمها من قبل مجلس النواب ومعرفة مدى قدرة المسؤول على ادارة الوزارة وفق معطيات جديدة وحديثة ومخططة لها مسبقا.
* تفعيل دور مجلس النواب في مراقبة أعمال الحكومة والوزارات والمؤسسات واي جهاز حكومي في الدولة، والقضاء على الدور الهزيل للبرلمان المنحل الذي لم يتسم بالفعالية في المرحلة السابقة، ونأمل ان يكون اول عمل حقيقي للبرلمان الجديد تقييم اعمال الحكومة السبقة والبرلمان السابق، لدراسة السلبيات والايجابيات، لازالة المعوقات امام الحكومة الجديدة لضمان برنامج عمل فعال وحقيقي ملموس لخدمة المواطنيين.
* حصر أولويات برنامج عمل الحكومة المقبلة بالخدمات وضمان الأمن ومعالجة أزمات الكهرباء والماء والسكن وتنظيم السوق التي تسيطر عليها قوى راسمالية جشعة لا ضمير لها ولا انسانية، والعمل على توفير فرص العمل باعداد هائلة لامتصاص البطالة، خاصة وشط الشباب وخريجي الجامعات والمعاهد.
* وضع تشريعات مناسبة لمعالجة الفساد والسيطرة على الإثراء الفاحش التي تحصل بطرق غير شرعية.
* انتهاج مبدأ الشفافية في تسيير أمور الدولة على صعيد جميع المستويات الحكومية والنيابية وغير الحكومية.
* تحديد خطط وبرامج عمل سنوية بميزانية مستقلة وتخصيص الميزانية لجميع القطاعات وخاصة منها الوزارات الخدمية والانتاجية، والابتعاد عن انتهاج مبدأ المركزية في الميزانية مع الاحتفاظ على رقابة قوية للهيئات المستقلة عليها، من خلال مراقبة فعالة لهيئة النزاهة والرقابة المالية.
* تقسيم التخصيصات السنوية من الميزانية المخصصة للحكومات المحلية في المحافظات واقليم كوردستان وفق النسبة السكانية حسب المراكز والاقضية والنواحي لكي لا تحرم الوحدات السكانية الصغيرة منها، لتغطية احتياجات كل منطقة حسب استحقاقها السكاني والمالي دستوريا.
* تأسيس هيئة مستقلة للإعلام والصحافة، وتقديم التسهيلات المالية من قبل الدولة لجميع الصحف والمجلات والمطبوعات المستقلة تحت رقابة هيئة النزاهة وهيئات الرقابية المالية.
* تأسيس هيئة مستقلة من مجلس النواب بقانون، للاشراف والسيطرة النوعية الفعالة على المواد الغذائية والادوية، ومخولة بصلاحيات كاملة للرقابة والاشراف والتقييم والسيطرة النوعية والاجراءات التنفيذية.
* تأسيس صناديق وطنية من المصارف الحكومية والاهلية بمساهمة مشتركة لتمويل المساكن الشعبية واقامة المشاريع الانتاجية الصغيرة والخدمية لتوفير عدد كبير من فرص العمل للمواطنيين على مستوى الافراد، مع ضمان توفير تسهيلات ائتمانية وادارية لهذا البرنامج لتنمية الفرد العراقي.
* بسبب تزايد الأهمية الاقتصادية والصحية للأمراض المعدية السارية التي بدأت بالتفشي في العقد الاخير، والتي اخذت أولويات وابعاد محلية واقليمية ودولية مثل انفلونزا الخنازير وانفلونزا الطيور والحمى القلاعية وجنون الابقار والحمى النزفية وغيرها، فإن تشكيل وزارة للبيطرة والثروة الحيوانية في العراق واقليم كوردستان، وفصلها عن الزراعة، تعتبر ضرورة وطنية على صعيد اقتصاديات وصحة عموم سكان البلاد.
* استحداث الوزارات التالية: وزارة تنمية القرى والأرياف، وزارة حماية المستهلك، وزارة الموارد البشرية.

في الختام، بعد هذا السرد الموجز للمباديء الاساسية لتشكيل الحكومة برئاسة المالكي، وهي تعتبر مقومات نجاح مهمة، تضمن العمل الجاد لتحقيق وتلبية الحاجات الرئيسية للعراقيين، وتحسين الإداء الإداري والخدمي والإنتاجي والمالي والاقتصادي للوزارات وأجهزة ودوائر الحكومة. ولاشك إن تطبيق هذه المباديء ضمن منهاج عمل السلطة التنفيذية الجديدة ومعالجة مظاهر الفساد، ستشكلان عاملين حاسمين لإحداث نقلة نوعية على صعيد النموذج العراقي الديمقراطي الجديد، لتأمين حاضر مشرق وضمان مستقبل زاهر للاجيال العراقية اللاحقة.

سياسي مستقل
[email protected]