1:
في أكثر من لقاء مع محللين روس في برنامج باروناما من على قناة (روسيا اليوم) ذكروا أن القاعدة (صناعة أمريكية)، ولهم في ذلك شواهد يعتبرونها أدلة دامغة، وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال مثل هذه التحليلات السياسية، لان القائمين عليها ذوو خبرة كبيرة ومعمقة في التحليل السياسي، كما أنهم يملكون معلومات ربما تتسم بالدقة لحد كبير، مع الإشارة إلى ان مثل هذه التحليلات قد تكون في سياق سجال او صراع أو تنافس أمريكي روسي على القوة والمصلحة، ولكن لا يستطيع المراقب السياسي أن يحسب العملية كلها من خلا ل هذا المنظور حصرا، فقد ولت تلك الفترة التي يتعامل فيها المحللون السياسيون مع الاحداث والوقائع من زاوية واحدة، كما هي سليقة حزب التحرير، وعادة الشارع العربي بشكل عام.
المحللون هؤلاء بطبيعة الحال لا يقدمون تحليلهم هذا بشكل مطلق، فكون القاعدة صناعة أمريكية لا ينفي تمرد بعض زعمائها على أمريكا، ولا ينفي تعاون القاعدة مع أنظمة تعادي واشنطن، فهم أبعد ما يكون عن هذه الطريقة الساذجة في تقديم تصورهم المذكور.
فهل القاعدة أمريكية والسؤال بصيغة نسبية كما تتطلبه اللغة السياسية؟

2:
القاعدة أمريكية!
ليس من حيث النشأة، فهذه القضية معروفة كما يقول الكثير من المحللين، لانّ القاعدة تفرعت أو هي حصيلة تلك الجموع الافغانية من ابناء قتلى الغزو الروسي لافغانستان، تلك الجموع التي خضعت لتنظيم عسكري تعليمي ديني منغلق تحت اشراف اختصاصين بالعلوم الدينية التقليدية، وبأموال دول نفطية عربية، وبدعم أمريكي مطلق بشكل وآخر، هذه الجموع (المجاهدة) التي استطاعت أن تلقن الروس درسا قاسيا، والتي تمخضت جهودها عن دولة افغانستان الإسلامية، ومن المعروف أن الشيخ بن لادن كان على صلة وثيقة ومباشرة وفاعلة مع واشنطن، بل يُقال أن له صداقات عميقة مع بعض الاسر والعوائل الامريكية النافذة، بما فيها عائلة بوش الأب، وبالتالي، وبلحاظ هذه العلاقة التأسيسية بين واشنطن وا لقاعدة يكون من الصعب أن تبرئة ا لقاعدة من كونها أمريكية، لا من حيث النشاة كما قلت بل من حيث نشاطها بشكل عام، وممارساتها (الارهابية) التي راحت تشغل العالم طولا وعرضا، فليس من المعقول أن تتحرر طالبان من تبعات هذه العلاقة بالمرّة، وليس من المعقول أن تترك واشنطن طالبان من خلال هذه العلاقة العميقة والكبيرة من دون أن تزرع في جسدها (عملاء) و(نافذين) و(مرتبطين)، وهذه قضية بديهية كما يقول هؤلاء المحللون. فظروف النشاة وعلاقة هذه النشاة بواشنطن أو الدوائر الاستخبارية في واشنطن يجب أن نضع لها قيمة كبيرة في تحليل واقع القاعدة واتجاهها ونشاطها...

3:
ويقول هؤلاء: أن نشاط القاعدة يتسم بدينماكية سريعة مثيرة للغاية، فهي سرعان ما تنقل بؤرة نشاطها من منطقة لأخرى بسرعة خيالية، من العراق إلى اليمن، من اليمن إلى المغرب، من المغرب إلى غيرها، وهذا الانتقال الدينامي السريع يحتاج إلى قدرات هائلة من المال والظروف المناسبة، وبدون دعم دولة كبرى لها مصالحها ونفوذها في مثل هذه المناطق لا تتم مثل هذه الحركة الدينامية الخطرة، كما أن عمليات القاعدة اتسعت بشكل لا يدع مجالا للريب من أنها مدعومة عالميا، فقد شملت عملياتها العراق والمملكة العربية السعودية ومصر والمغرب واليمن وتركيا وغيرها، فهل يحصل كل هذا من دون دعم كبير، ومن دون اسناد دولي متمكن ومتجذر في العالم؟ وليس هناك غير أمريكا بحكم العلاقة السابقة بين الاثنين؟

4:
يقول هؤلاء: لماذا لم يظهر اي نشاط قاعدي في اسرائيل مثلا؟ لماذا يغيب وجودها حتى على المستوى العادي في غزة مثلا؟ خا صة وإن ظروف تواجدها هناك ميسرة، لماذا هذا الاستناء فيما كان لها أكثر من عملية (ارهابية / استشهادية) في سيناء؟
يرى هؤلاء المحللون إن مثل هذه الملاحظة ترجح أن القاعدة تعمل ضمن مخطط أمريكي، وإلا اسرائيل ينبغي أن تكون الهدف الا ول قبل غيره للقاعدة، ومن يشن حربا شرسة ضد الامريكان في العراق واليمن والسعودية وغيرها لا يعجز عن القيام بعملية (استشهادية) ونوعية في اسرائيل!

5:

ويقول هؤلاء المحللون: إن عمليات القاعدة تصب في صالح الغرب في النتيجة النهائية، فهي تشوه الاسلام والمسلمين، كما أنها تفسح المجال لتبرير (التواجد الغربي والامريكي بشكل خاص) في العالم الاسلامي وأجزاء حساسة منه، مثل العراق الذي يعد بوابة العرب على الشرق، وافغانستان التي تعد ستراتيجيا موقعا متميزا على الحدود الايرانية والروسية، واليمن التي تعد منطقة حساسة بالنسبة للامن السعودي، بل هي تشكل مفترق طرق بين أفريقيا واسيا والشرق الادني، فمن المعلوم أن أحدى تبريرات التواجد الامريكي العسكري والدبلوماسي الفاعل في هذه البلدان هو (خطر القاعدة)! وليس هناك شك بأن ما تقوم به القاعدة يساهم في عزل الاسلام عالميا، ويغذي العنصرية في الغرب ضد الإسلام والمسلمين.

6:

ويقول هؤلاء: إن الولايات المتحدة الامريكية لا تريد استقرارا في العالم العربي، ليس كله، بل في بعض مناطقه، وعمليات القاعدة هذه تفي بمثل هذه الرغبة الامريكية، فإن استقرار الاوضاع في العراق واليمن وافغانستان وغيرها من البلاد العربية قد يؤول الى توافق عربي اسلامي تجاه تعنت اسرائيل، وقد يهيا الظروف لتنمية اقتصادية وثقافية ناهضة، وربما يجدد للعرب أيامهم الزاهية، ويتسبب كل ذلك في نهضة مزدهرة تنعش الدعوة الاسلامية، وتمتن القاعدة الثقافية للعرب والمسلمين!
هكذا يقول هؤلاء المحللون، ولكن كل ذلك لا ينفي ان بعض شرا ئح وبؤر ا لقاعدة تمردت على امريكا، وتعمل ضدها، وتقوم ببعض الاعمال (الارهابية) هنا وهناك ضد المصالح الغربية، وربما بتعاون خفي مع إيران على سبيل المثال!
ولكن...
لا جزم في التحليلات السياسية...