ليس هناك من يسلم من نار هذه الفتنة الطاغية اللعينة، سني أو شيعي، مسلم أو مسيحي، مؤمن أو غير مؤمن، عربي أو غير عربي، في الشرق الاوسط كله، عربيِّه وغير عربيِّه، القديم أو الجديد، فهذه الفتنة وإنْ تبدا من مكان صغير، ولكنها تنتشر انتشار النار في الهشيم، لان كل ممكنات هذا الانتشار متوفرة، الإرهاب سواء بلغة سنية مُدَّعاة أو لغة شيعية مُدَّعاة، الظلم والتفاوت الطبقي بين طائفة وطائفة في هذا البلد العربي أو ذاك، الجهل بالا سلام والدين، غياب ثقافة الوطنية والتربية على المواطنة، انعدام الحس السياسي السليم الذي لا يفرق بين الحاكم الطاغية وبين انتمائه لمذهب معين أو قومية معينة، الإفتئات على ثقافة الماضي، استذكار حرب صفين من على المنابر وفي المجالس والمساجد والحسينيات والدواوين بما فيها دواوين المثقفين والمفكرين، الإنغماس في ثقافة المصطلحات التي تثير مهيجات الماضي، ودفائن الموروث الدموي، دار الحرب ودار السلام / أهل الذمة، النواصب، الروافض / انتشار البطالة وتفشي الفساد المالي والاداري في بلاد المسلمين، محاولة بعض الانظمة تغيير الطبيعة الديمغرافية للشعب، تكثير السنة مقابل الشيعة، تكثير الشيعة مقابل السنة، انعدام التنمية الاقتصادية والثقافية، شيوع ثقافة الطقوس وتسيدها على منصة العقل والضمير....
السياسيون من الصعب عليهم معالجة الفتن الطائفية والمذهبية في العالم العربي وا لاسلامي، لان أكثر هؤلاء السياسيين غارقون في نار هذه الفتنة، بل قد تكون هي أداتهم المفضلة في خضم صراعهم، وقد ترجح كفة السلام والتفاهم بين مكونات هذا الشعب أو ذاك، ولكن سرعان ما يفجر هؤلاء السياسيون دفائق الطائفية ومذخور الفتن بسهولة ويسر، فيما تتطلب مصالحهم ومنافعهم الذاتية ذلك، ولذا لا يرتجى من هؤلاء السياسيين إلا القليل في هذا المجال، وليس هذا على مستوى سياسيي الشرق الاوسط فقط، فهذه هي ماركل المستشارة الألمانية تتوسل بإثارة الشغب على المسلمين في المانيا أملا بالحصول على أصوات المتشددين الالمان، فما بالك بحكام أرضيتهم طائفية أو عنصرية، بحكام جاءت بهم الصدف، وجاءت بهم الانحيازات العشائرية والقبلية لهذه الدولة الكبرى أ و تلك؟
هنا يبرز الدور المطلوب من الأزهر والنجف، هذين المقامين الروحيين الكبيرين، أزهر السنة ونجف الشيعة، فلكل منهما منزلته الروحية في قلوب المسلمين، ولا يكاد منصف ينسى أو يتناسى دور السيد السيستاني في درء الفتنة الطائفية في العراق، بل وفي غير العراق، ولا يكاد منصف أن ينسى أو يتناسى دور الازهر في درء الفتن الطائفية بين المسلمين، بل وبين المسلمين وا لمسيحيين في مصر، لا يمكن أن ينسى أو يتناسى كل منصف هذه الحقيقة، ولكن الكلام يا تي هنا في مديات هذه الجهود، ومديات هذه المحاولات، إنها وبكل صراحة على مستويات بسيطة، ربما لا تتجاوز الصرخات والندائات الاعلا مية، وإذا أردنا أن نخطو أكثر لا تتعدى مستويات التوصيات المباشرة، فهل يكفي هذا؟
لا بطبيعة الحال...
المطلوب دور أكبر وأعمق، لقا ءات مستمرة بين العاصمتين الروحيتين لمعالجة هذه الفتنة الهوجاء، لقاءات عمل وليس خطاب ديني بحت، طرح المشكلة علنا، وبيان اسبابها، ووضع الحكومات امام الأمر الواقع، ومطالبتها باتخاذ كل ما من شأنه مواجهة الفتنة الهوجاء بعلم وموضوعية وفن، نداءات مشتركة مستمرة إلى المسلمين في كل مكان، تدعوهم إلى التماسك الوطني، وتغليب اللحمة الوطنية على غيرها، من دون المساس باللحمة الدينية والمذهبية، مطالبة الحكومات بحل مشاكل البطالة و الجوع التي تعتبر من الاسباب المهمة في تأجيج نار الطائفية، فطالما استغل الارهابيون هذا المرض الخطير في تخريب السلم الاهلي، وتوتير العلاقات بين مكونات الشعوب العربية!
لا أمل في (قم) و (مكة)!
كلاهما عاصمتان دينيتان، ولكن تغلب السياسي فيهما على الروحي....
الأمل، بعض الامل في (الازهر) و (النجف)، فربما يصح زعمي بأن الروحي تغلب فيهما على السياسي...
إنها مجرد إثارة....