عقود أجنبية مُزيفة عديدة لم تتابع الحكومة أجراءات أسترجاع أموالها وربط خيوط توقيعها ووضع مُنفذيها في السجون. نشرُ فضائح هذه العقود في وسائل الاعلام لايعدُ عملاً أجرائياً كافياً مالم يتم جلب المجرمين الى القضاء. فمثلاً، عقدُ شراء جهاز كشف التفجير المُزيف ADE651البريطاني الصنع لخبيره المزيف Jim McCormick الذي كلف العراق 85 مليون دولار، وكشف زيفه بعدما أريقت دماء عراقية دون ذنب في الأسابيع الماضية، هو حلقة لن تكتمل أجراءاتها أِلا أذا أخذت العدالة مجراها بأرادة ونية ومبادرة عراقية أكيدة تتخذها السلطة العراقية المختصة بالتصميم والمتابعة التي أشير أليها في هذا المقال.

جهاز كشف متفجرات ADE651 لا قيمة له يحمله جندي عراقي
عقود كهذه، وهناك أخرى كثيرة، لسموم وخُدع وخفايا، هي أهدار دماء عراقية بمشاركة شيطانية دافعها الجشع والربح المادي بطرق تقطف من أعمار الرجال والنساء والمسنين، ولايجب أن تمر لو ألحّ النقادُ والكتابُ والساسةُ المثقفين والتجارُ والعمال والطلاب في التأكيد والمطالبة والضغط لكشف مرتكبيها وخيوطها والمتلبسين فيها دون أخفاء أو تستر أوصمت.

وبعيداً عن الأغراض الانتخابية ودوافع ترويجها، أرى أن هناك حقول عديدة في صناعة الخديعة والتزييف تتم بعلم ومعرفة أفراد للحصول على العقود المُزيفة المربحة يمارسها ويتاجر بها أقطاب في المؤسسة العراقية، والبعض يصنع ممراً منها للنجاح في الحصول عليها بالطريقة التي يرتأيها تُناسب الغرض والعصابة المُشارِكة، حتى لو تطلب الأمر رشوة جهات رسمية أو أشخاص في السلطة قد يكون من السهولة الأشارة أليهم في باحة القضاء.

ولستُ هنا في موقف الأعتراض على حاجة العراق الماسة لتوقيع عقود لمشاريع ضخمة، والعراق على عتبة توقيعها، ولكن أين الرقابة المالية ودوائر المحاسبة والتدقيق في وقت تزداد فيه نسبة الجرائم والسرقات وأهدار المال العام؟ وماهو عمل لجان البرلمان العراقي بالنسبة لمنح العقود وأجراء المناقصات، أم ان الموضوع برمته لايستحق المتابعة لأسترجاع أموال العراق المنهوبة؟ في بلد كالعراق، يفتقد المسؤولون فيه ثقافة الدولة التي هي بكل بساطة ثقافة المؤسسة ثقافة القانون وثقافة متابعة الحقوق القضائية......أنها ثقافة العصر الحاضر، ولم يحررنا أحد مما نحن فيه قبل أن نبدأ بتحرير أنفسنا من واقع الفساد الذي أرتضيناه لأكثر من 60 عاماً.

أن ترك موضوع العقود الأجنبية المُزيفة على حاله وطي صفحاته للنسيان يعني:
1.أننا جميعاً مشاركين في اعمال الخديعة، والسرقة، والأجرام، والتستر. وأننا- شعباً وحكومةً - لانستطيع التُمييز الى هذا اليوم بين المسؤولية الوطنية والخيانة المفضوحة، وكأننا جميعاً مشاركين في معامل أنتاج ربط أحزمة التفجير ومحلات تركيب السيارات المفخخة والعبوات الناسفة واللاصقة للنيل من العراق وسيادته.
2.كثرة الاعببين في فوضى التعميم لغرض أرباك الأوضاع على الساحة الوطنية وألاقليمية والخلط المتعمد بين اليد النظيفة واليد القذرة.
3.أن المواطن العراقي لاقيمة له في عصر الجريمة المنظمة ولايهم الدولة الحرص على كرامته وماله ودمه.
4.تعريض المواطن البسيط لفوضى التعميم والشكوك وأزالة ثقته بعموم أهل العراق.
5.ثنائية التخلف والفساد.

أخضاع أدارة الدولة الى مؤسسة القوى الأمنية للعراق الواحد و مركزيتها الموحدة في مسائل تخص سلامة أمن الدولة ومواطنيها هو أمر يمتثل الى شبه أجماع عراقي من القوى العسكرية والمدنية، وعقود الدولة مع شركات أجنبية ينبغي أن تُشرف عليها السلطة المركزية بالتنسيق مع الادارات الفدرالية.
أما التسائل عن موعد أحالة لصوص العقود الزائفة وزمر الجشع والربح المادي الى القضاء للتجريم والعقاب.....فأني أقول صبراً........
فصبراً يا أتباع الأنبياء إن جهلت الدنيا قدركم. صبراً إن نزل بكم البلاء من القريب والبعيد، و تذّكروا { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ } [الأحزاب:66]


أستاذ جامعي وباحث سياسي
[email protected]