الحلقة الأولى

لننظر الآن إلى حجم العلاقات البترولية والغازية والتجارية والسياسية بين الصين وإيران؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، العلاقات الصينية المتميزة مع الولايات المتحدة برغم سحابة الأسلحة لتايوان. وكان جورج دبليو بوش قد دشن عام 2006 لقاءات دورية، مرتين كل عام، للحوار الصيني ndash; الأميركي الاقتصادي والتجاري. وجريا وراء تغيير كل ما كان بوش يفعله، فإن أوباما غير عنوان الاجتماعات إلى quot;الحوار الاقتصادي والإستراتيجيquot;. وقد عقدت الدورة الأولى في تموز 2009، ومضى الرئيس الأميركي بعيدا في quot;الحوارquot; نحو الانعطاف لجعل الصين الشريكة الإستراتيجية بدلا من الاتحاد الأوروبي، مثلما اتجه للشرق أيضا في أوروبا نحو روسيا على حساب أمن جورجيا وأوكرانيا وبولونيا وتشيكيا. ومقابل هذه التنازلات وافقت روسيا أخيرا على الاتفاق على quot;ستارت 2 quot;، بينما يمضي بوتين في توثيق العلاقات مع أعداء أميركا من أمثال حكام فنزويلا وبوليفيا وغيرهم.
إلى أي حد يمكن للصين أن تذهب مع جهود بقية الدول الكبرى ودول الاتحاد الأوروبي في موضوع فرض العقوبات على إيران من خلال مجلس الأمن؟؟
البازار الإيراني مليء بالسلع المكتوب عليها quot;صناعة الصينquot; وهي تباع بأسعار رخيصة جدا. وحتى اللعبة الإيرانية المحجبة، التي ابتكرت لتحل محل لعبة quot;باربيquot;، هي صناعة صينية.
إن الصين هي الشريك التجاري الأول لإيران، وفي 2009 كان حجم التبادل التجاري 21 مليار وحوالي الربع مليار دولار، مقابل أقل من 15 مليار دولار قبل ذلك بثلاث سنوات. ونظرا لانسحاب كثرة من الشركات الغربية من إيران بسبب العقوبات، فقد انفتحت كل الأبواب أمام المؤسسات والشركات الصينية، وبالأخص في ميداني النفط والغاز. ووفقا لإحصاءات صحيفة quot;الفيجاروquot;، فإن إيران تشغل المرتبة الثالثة في تزويد إيران بالنفط. وقد احتل الصينيون 6 مواقع في ستة مشاريع بترولية كبرى. كما حصلوا على عقود بناء طرق هامة، كالطريق بين طهران وإلى بحر قزوين. ولبنوك إيرانية فروع في بكين. وقد صدرت الصين في العام المنصرم 13 بالمائة من الواردات الإيرانية. وهذه هي صادرات رسمية علنية. ولكن هناك ما يزيد عليها في صادرات تهريب عبر دولة الإمارات العربية، ومنها مواد لتخصيب اليورانيوم. وفي السنوات الأخيرة ازدادت الاتهامات الأميركية للمؤسسات الصينية بالاحتيال على الحظر وتصدير المواد المحظور تصديرها لإيران. وقد انكشفت فضيحة مؤسسة صينية في شنغهاي صدّرت عبر شركات في تايوان كمية كبرى من المواد المستعملة في التخصيب. ومع أن طلب المؤسسة قدم في سويسرا، فإن الشحنات انتهت بعد شهرين إلى إيران عن طريق دبي. فالصين الشعبية تستغل علاقاتها مع مؤسسات في تايوان لتهريب المواد المحظورة، وقد كشفوا عامي 2008 و2009 مواد ممنوعة نقلتها سفن في تايوان لحساب الصين الشعبية، التي تستغل بصور غير شرعية اعتماد كثير من مؤسسات تايوان على صين quot;القارةquot;.
في إيران اليوم 2000 خبير وعامل ومترجم صيني وهم، كما في فرنسا وغيرها، متقوقعون على أنفسهم ويرفضون الاندماج. وكل شركة صينية تأتي معها بالمترجمين والسكرتارية. وقد أقام الصينيون منطقة تجارية في quot;بندر أزاليquot; شمال إيران، وفي نيتهم جلب 1000 تاجر صيني خلال ثلاث سنوات. وقال أحد المتعهدين الصينيين إنهم قدموا طلبات فيزا لألفي شخص، [ نقلا عن الصحف الفرنسية]. وتشمل المنطقة صناعات النسيج والتلفزيون والأحذية، ويضيف المتعهد المذكور: quot;وسوف نبيع كل ما بيعه شرعي!quot;
وإضافة لهذه العلاقات التجارية والبترولية والغازية، فإن ما تنشره المعارضة الإيرانية يؤكد أن الصين تدرب كوادر حراس الثورة الإيرانيين وقادة quot;الباسيجquot;. وعندما انفجرت التظاهرات الشعبية ضد نتائج الانتخابات، سارعت الصين لتصدير عربات عسكرية ترش الماء الحار وتطلق الغازات المسيلة للدموع.
أمام هذا الحجم الضخم من العلاقات، فهل يمكن للصين أن تغضب إيران؟ ها هي الصين تعلن عن حضورها المؤتمر النووي الذي ستعقده إيران في طهران في مناورة خداعة جديدة للتملص من مسئولتها في التحايل على المجتمع الدولي والمضي قدما في طريق تصنيع القنبلة النووية. وهذا مؤتمر اتخذ قراره ليكون مقابلا للمؤتمر النووي الذي دعا إليه أوباما تحت شعاره العتيد quot;عالم بلا نوويquot;.
الصين ستزن طبعا مغريات العلاقة مع إيران بمغريات العلاقات القوية مع أميركا والغرب، ولكن أقصى ما نتوقع أن تفعله هو مواصلة التأكيد على عدم جدوى العقوبات، وفي اللحظة الأخيرة، وبعد مباحثات قد تستغرق وقتا طويلا، فربما ستوافق على بعض العقوبات الرمزية الإضافية. وفي كل الحالات، فإن إيران تربح وقتا بعد وقت، ما لم يطبق أوباما تهديداته المتكررة بفرض عقوبات quot;ذات أسنانquot; مع الحلفاء الغربيين، فلا روسيا ولا الصين مستعدتان لاتخاذ عقوبات رادعة حقا.
إن اتخاذ موقف حازم حقا من إيران، بدلا من مواصلة الحديث عن الحوار مقرونا بتهديدات لا تنفيذ لها، سيخدم القضية الفلسطينية أيضا، كما يخدم أمن المنطقة العربية التي تواصل طهران التدخل المكشوف في شؤونها. فالضغوط المتواصلة على إسرائيل لن تكون ذات مفعول دون وقف الخطر النووي الإيراني، الذي تتذرع إسرائيل به للتملص من الاستحقاقات المطلوبة منها في الطريق نحو دولة فلسطينية مستقلة. وقد عبرنا عن هذا الرأي مرارا. وقد أجاد الأستاذ حازم صاغية في مقاله في quot;الحياةquot; تاريخ 3 نيسان الجاري، عندما يكتب:
quot;لقد سبق لبعض المراقبين أن لاحظوا كيف اقترن الضغط الناجح على الإسرائيليين، في عهدي جورج بوش الأب وإسحاق شامير، بضرب الجيش العراقي حين كان يغزو الكويت ويرده على أعقابه في تلك الحرب الشهيرة. أما الضغط على إسرائيل حين يقترن بممالأة إيران وحلفائها، فأغلب الظن ألا يقود إلى أي مكان. وما يخلص من هذا الاستعراض إليه هو أن أكثر ما يردع إسرائيل هو سياسة أميركية متصلبة حيال إيران وحلفائها. عند ذاك فقط تضعف حجج أقصى اليمن الإسرائيلي في الأمن الذي يقال إن إيران مصدر تهديده الراهن.quot;، وquot; ما يعنينا،عربيا، هو ألا نتوهم ترك إيران تستكمل برنامجها والتعويل، في الوقت نفسه، على ضغط يمارسه أوباما على بنيامين نتنياهو. فالعرب الممانعون ليسوا البتة في وضع يخولهم الحصول على الاثنين، وهذا يفترض بالعقل أن يساهم في تصويب عواطف الجانحين نحو إيران والراغبين بالضغط على الدولة العبرية، أللهم إلا إذا استمرت العواطف في تخطئة العقل، جريا على سنة معهودة وquot;أصيلةquot;..quot;
كلام عقلاني وواقعي، وهو يخالف الخطاب الدارج في وسائل الإعلام العربية، التي بالكاد راحت تتحدث عن مخاطر النووي الإيراني، بينما تكيل المديح لأوباما كلما واصل الضغط باتجاه واحد، وصار، أيضا، يرسل مبعوثيه quot;غير الرسميينquot; للاتصال بحماس!!