أثيرت هذه الظاهرة مجددا في حلقة برنامج قناة الجزيرة المشهور quot;الاتجاه المعاكسquot; الذي يقدمه الدكتور فيصل القاسم، تلك الحلقة التي بثت يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من أبريل 2010، وقد كانت بعنوان quot; انتفاضات غير عربية quot;. وقد شاهدت الحلقة وقرأت نصها في موقع quot;الجزيرة نت quot; أكثر من مرة وذلك لسببين:

الأول: اهتمامي الشخصي بالموضوع إذ سبق أن تعرضت له في كتابين من كتبي هما: سقوط ديكتاتور، 2003 و فلسطينيون في. سجون صدام، 2004. وكذلك أكثر من دراسة نشرت في quot;إيلافquot; منها: quot;القائد الضرورة عاريا، وكتاب عرب أكثر عرياquot;، 2 يونيو 2005، وquot; صناعة الطغيان في بلاد العربان quot; 31 أغسطس 2007، و quot; دروس الانتفاضة الإيرانية الأخيرة quot; 28 يونيو 2009، و quot; دور الدعاة والمثقفين في ترسيخ الاستبداد العربي quot; 28 يناير 2010.

الثاني: هو الجدل والنقاش الحاد الذي أعقب الحلقة خاصة ما ورد في البيان الصادر عن اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للطلبة العرب، حيث تعرض البيان بالنقد الحاد لمقدم البرنامج الدكتور فيصل القاسم، وأحد المشاركين في الحلقة الكاتب العراقي محمد الخضري، وذلك حسب ما ورد في البيان توصيفا لما ورد على لسان الخضري: quot; من سبّ وقدح وشتم وأوصاف نابية رعناء في حق الشعب العربي المناضل، وفي حق دول عربية مناضلة ومكافحة ولا زالت ترفع لواء العمل العربي البناء والصمود وتدعم المقاومة المشروعة ضد الأعداء والأنواء، وفي حق الاتحاد العام للطلبة العرب والأخ المناضل رئيس الاتحاد quot;. أما العتب على الدكتور فيصل القاسم كما ورد في البيان فهو بسبب quot; الصمت المطبق الذي لاذ به الإعلامي فيصل القاسم معدّ ومقدم البرنامج وهو المعهود بمقاطعاته وأسئلته حيث ظهر في الحلقة وكأنه يريد مثل هذا الكلام الكاذب والمزور والمغشوش والحاقد والصهيوني في حق الشعب العربي ورموزه النضالية الكبيرة quot;.

وملاحظاتي على الحلقة والبيان هي:

أولا: إن معدّ ومقدم أي برنامج ليس مسؤولا عما يقوله المشاركون، ولا يمكن ان يقوم المقدم بالمقاطعة في كل لحظة تغضب بعض الجمهور، فلا يوجد أي مشارك يحظى بموافقة جميع المشاهدين، وبالتالي فكل حديث لمشارك يستحق المقاطعة من وجهة نظر بعض المشاهدين، وبالتالي فإن المقاطعة عندئذ يجب أن تكون مستمرة وفي مواجهة أي حديث وأطروحات، وهذا يعني لا برنامج ولا حديث يمكن الاستماع له ومناقشة الخطأ والصواب فيه، مع إدراكي المسبق أن هناك نسبة من المشاهدين أيدوا ما قاله محمد الخضري، وهناك نسبة أيدوا ما قاله رفيق نصر الله، بدليل أن التصويت على موضوع البرنامج كان مع وجهة نظر الخضري في أن الشعوب العربية مستسلمة بنسبة 55.5 %، ومع وجهة نظر رفيق نصر الله في أن الأنظمة العربية محمية خارجيا بنسبة 44.4 %.

ثانيا: إنّ بيان اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للطلبة العرب، وقع في نفس الخطأ الذي عابه على طريقة محمد الخضري في الطرح، فقد إمتلآ البيان بشتائم وقدح وذم أشدّ بكثير مما ورد على لسان الخضري في البرنامج، ويكفي التذكير بجمل وردت في البيان مثل: quot; إنّ ما قاله المعتوه والعميل والمجنون والمصاب بلوثة الغرور والجهل والتعنت المدعو محمد الخضري quot;. quot; وعلى المدعو محمد الخضري أن يضع حذاء البطل منتظر الزيدي في فاه ويعضّ عيه بأسنانه قبل أن يشتم الشعب العربي quot;. quot; أما جيوش الوهم وكافة الظراطين أمثال الخضري لا يساوون نعل شهيد واحد quot;.

ثالثا: أنا شخصيا ضد أسلوب الشتم والتجريح والتخوين والتكفير من أي شخص كان، فهذا الإسلوب لا يمكن أن يؤدي إلى نقاشات موضوعية يمكن أن توصل لقناعات مشتركة، لأنه إذا كان كل من يخالف الآخر في وجهة نظره خائنا وعميلا، فهذا يعني أننا كلنا خونة وعملاء. ولا أعرف لماذا لا يسود هذا الإسلوب التخويني التكفيري في نقاشات الأوربيين والأمريكيين مثلا. إن ما كتبه الكتاب القوميون العرب ضد سياسات الإدارات الأمريكية لا يرقى لنسبة خمسة في المائة مما كتبه الأمريكيان مايكل مور أو ويليام بلوم ضد هذه السياسات، ورغم ذلك لم يشتمهما أحد أو يصفهما بالعمالة للقاعدة أو إيران مثلا...فلماذا نحن العرب فقط من نجيد استعمال هذا الإسلوب، رغم أنّ القرآن الكريم يقول: ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )، و ( إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )، حتى من أخطأ بحقنا يكون الرد القرآني عليه ( وإذا خاطبهم الجهلاء قالوا سلاما ).

رابعا: أنا شخصيا لا أعرف الكاتب محمد الخضري، ولكن سبق أن شاركت مع الزميل الأستاذ محمد الشاطر رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد العام للطلبة العرب، في حلقة من حلقات برنامج quot;الاتجاه المعاكس quot; التي كانت عن تقييم فعلة منتظر الزيدي بقذفه حذائه على الرئيس الأمريكي جورج بوش، وفي نهاية الحلقة أخرج الزميل الشاطر حذاءه ملوحا به في وجه الملايين من المشاهديم للبرنامج، فهل هذا العمل ينسجم مع قوله في البيان المذكور: quot; سبق وأن شارك بفعالية في برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة، ولستة حلقات حول مواضيع مختلفة وبكل فعالية وبشكل غاية في المهنية quot;. فهل رفع الحذاء يا صديقي في وجه الملايين من المشاهدين يعتبر quot;غاية في المهنيةquot; أيا كان السياق والسبب؟

خامسا: ورد في البيان القول تهديدا لقناة الجزيرة:quot; وإذا أرادت قناة الجزيرة وبرنامج الاتجاه المعاكس معرفة قوة الطلبة العرب، فإننا على استعداد تام لقفل كافة مكاتبها بأقطار الوطن العربي الواحد الكبير التي لنا بها منظمات واتحادات طلابية عريقة وسلميا لمدة شهر كامل، حتى تعرف أنّ الطلبة العرب ليسوا فئران مذعورة كما قال فيصل القاسم في حلقات سابقة quot;. أعتقد أن هذا التهديد غير موضوعي ولا يمكن تنفيذه ليوم واحد، لأنه ناتج عن مبالغة مفرطة في قوة ووجود ما يسمى quot;الاتحاد العام للطلبة العرب quot;. أنا شخصيا أتمنى أن يكون الاتحاد أقوى من حلف الناتو، ولكن الواقع لا يرقى إلى نسبة واحد بالمائة مما يقوله البيان. ودليلي على ذلك هو صفحة الاتحاد على الانترنت التي تورد كل المعلومات والنشاطات عن الاتحاد.

www.guas.org
فتصفح موقع الاتحاد يخبرك بأن هذا الاتحاد لا يعدو أن يكون وجودا انترنتيا، إذ لا يمكن فهم معنى تشكيلة نقابية اسمها (الاتحاد العام للطلبة العرب)، دون أن نعرف من هم هؤلاء الطلاب ؟ هل هم طلاب المرحلة الابتدائية أم الإعدادية أم الثانوية أم الجامعية؟ وأي اتحاد عام حسب موقعه يوجد فيه ثمانية تشكيلات طلابية لبنانية فقط هي:
إتحاد شباب الطليعة، إتحاد الشباب الديمقراطي، إتحاد الشباب التقدمي، قطاع الشباب والطلاب في التنظيم الشعبي الناصري، منظمة شباب الاتحاد (أي اتحاد غير معروف)، طلبة الحزب السوري القومي الاجتماعي، طلبة التعبئة التربوية، حزب الله، جمعية مشاريع الشباب. ومن بين ما لايقل عن ثلاثين مليون طالب مصري في مختلف المراحل الدراسية، يوجد من مصر فقط ما يسميه الموقع (طلبة وشباب الحزب العربي الديمقراطي الناصري)، ومن الأردن يوجد : (الاتحاد العام لطلبة الأردن) و (الاتحاد الوطني لطلبة الأردن) ما الفرق بينهما لا أدري ؟. أما ما يحتاج لتوضيح مهم هو ورود أحد اعضاء الاتحاد تحت اسم (الساقية الحمراء ووادي الذهب) فهل المقصود بها الصحراء الغربية موقع الخلاف بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو ؟. وهذا يطرح تساؤلا خطيرا : هل الاتحاد مع وحدة الأقطار العربية أم مع التشرذم والتقسيم ؟. آمل أن أتلقى توضيحات حول تساؤلاتي هذه من اللجنة التنفيذية للاتحاد، وأنا على استعداد لنشرها والتوعية بها، فأنا لا أسعى لخصومة مع أحد بل وصولا للحقيقة فقط، ولديّ الاستعداد والجرأة لبيان أين أخطأت.
أما رأيي في موضوع حلقة برنامج الاتجاه المعاكس فهو موضوع مقالتي القادمة quot; شعوب تسقط طغاتها، لماذا العرب لا ؟). ولمن يتفق معي ومن يختلف السلام وصولا لقناعات مشتركة
.
[email protected]