ماذا بقي فيَ من الإسلام ربما لمجرد أنني أتكلم العربية؟ أم لأنني أشعر أنني معني بقضايا العرب كجزء من هذه البشرية؟ هل ممارسة الطقوس الإسلامية الخمسة! أم لأنني من أصول إسلامية؟ كلها أسئلة وغيرها، يمكن أن يطرحها المسلم الأوروبي على نفسه، هل يمكن أن تمنع عني هذه الأسئلة فيquot; أن أصبح مواطنا أوروبيا بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى؟
مشكلة أوروبا مع الإسلام العربي أم مع الإسلام بالمطلق؟ أين كانت هذه المشكلة قبل عقدين من الزمن؟ كانت شوارع باريس مليئة بالسائحات الخليجيات المنقبات، كان الأوروبي شغوفا بالمعرفة،ولازال...
شغوفا ليعرف ماذا تحتquot; الخمار الأسود؟ ولكن لم يكن يشعر أن هذا الخمار يشكل تهديدا لحضارته أو ثقافته..ربما هنالك ما يدعو لشيء من الابتسامة المريرة، إنني مسلم..وعربي..ومهاجر..وغير مرغوب فيه، علماني، ملحد، شيوعي، لبيرالي، يساري، ديمقراطي، هذه بضاعة تتاجر بها في بلادك، وليس هنا في بلادها، أو بلادناquot; نحن من صدرها إليكم...تسفيل العرب هذا هو المعنى من كل هذا الضجيج، حول النقاب، وحول الإرهاب...هم يعرفون مصادره ويعرفون مموليه، هذا شأن عربي خاص...
أما موضوع الهجرة والخوف من الهجرة، يمكن أن يلمسه المرء، المهاجر عموما بات غير مرغوب فيه في أوروبا، يتحدثون عن الهجرة الأفريقية، حتى ولو كان المهاجرين غير مسلمين...الهجرة غير العربية، لا تعطى أبعادا سياسية، فقط الجاليات العربية هي التي تسفل...مسيحية كانت أم مسلمة...ماذا تحتquot; الخمار الأسودquot; نفط وإسرائيل واستبداد عربي مزمن وعريق، وله في سجل الخلود الأرضي حكاية، كحكاية ألف ليلية وليلة، دون أن تنتهي لياليها، وكلما شارفت على الانتهاء يبدأ العد من جديد..توريث جمهوري...هذه المعادلة التي تدافع عنها أكثرية النخب السياسية الأوروبية الآن...هذه الثلاثية هي التي يسترها الإعلام الأوروبي، ويضع عليها النقاب، نقابه الخاص.
بلجيكا حظرت النقاب اليوم...وأنا مع أن تحظر كل أوروبا النقاب في الأماكن العامة..وأن تظهر المنقبة وجهها عند اللزوم القانوني... لكن الأمر كله مرهون بتجدد الاستبداد العربي ضمن اللوحة الثلاثية، التي صنعتها أوروبا، ولازالت تحتاجها...
عندما أطلت نخب أوروبية، تجد مصلحتها في إشاعة الديمقراطية في الدول العربية، أغلقوا الباب بوجهها.
الذي حدث في العامين الأخيرين، هو انتصار اليمين التقليدي الليبرالي الأوروبي...وانكفاء التيارات الليبرالية العولمية...اليمين التقليدي الليبرالي الأوروبي..عرف وخبر هذه المنطقة العربية...وأمن تاريخيا مصالحه عبر نظم الاستبداد...واكتشف أن تحرر الشعوب العربية، أمر مرفوض وخطر على مصالحه...
الشعب الإيراني نزل إلى الشوارع يطالب بحريته...ماذا كان موقف أوروبا هذه؟
الحكاية هنا ليست حكاية ثقافة، والنقاب حكاية تافهة في مجريات الأحداث..لو تم طرح التصويت على منع النقاب على الجاليات الإسلامية في أوروبا...لنجح بنسبة ساحقة..لو بادرت بلجيكا..وجربت بأن تطرح موضوع منع النقاب على جالياتها المسلمة...لوجدت أن النتيجة ستكون لصالح منع النقاب...
لتبادر كل الدول الأوروبية وتطرح موضوع منع النقاب أولا على التصويت لدى الجاليات المسلمة..
- ارتدت الصحافية الفرنسية إليزابيث إلكسندر بمجلة quot;مارى كليرquot; الفرنسية النقاب لمدة 5 أيام وانطلقت في شوارع باريس لتكتب تجربتها الشخصية. وتُفرد المجلة خمس صفحات في عدد مايو (آيار) المقبل لهذه التجربة التي واجهتها خلف النقاب يوماً بيوم، والتي قام بتوثيقها بالصور زميلها المصور آلان كيلر. المنتقبات يدافعن عن موقفهن، في مقابل هجوم سهام حبشي، رئيسة جمعية quot;لا عاهرات ولا خاضعاتquot;، على النقاب واعتباره على حد قولها quot;رمزاً لاضطهاد المرأةquot;، وكذلك جان فرانسوا كوبيه- سياسي فرنسي مخضرم ورئيس مجموعة الاتحاد من أجل حركة شعبية- المشارك في حملة منع النقاب، الذي اقترح غرامة ٧٥٠ يورو على من تخرج عن الحظر. معسكران متضادان تحول الحوار بينهما إلى حوار quot;الطرشانquot;، ولكنه حوار يثير لعاب وسائل الإعلام التي لم يعد لديها إلا هذا الموضوع، وطبقاً للإحصاءات الرسمية الفرنسية فإن هناك ١٩٠٠ امرأة منتقبة في فرنسا. تتساءل إليزابيث إلكسندر: كيف تم إحصاؤهن، وكيف نعرف أنهن مرغمات على النقاب كما يدعى البعض؟ وتضيف: المؤكد أن المرغمات على النقاب لن يجدن طريقهن للظهور أمام التلفزيون وسيُمنعن من ذلك- نقلا عن العربية...
هذا خبر طازج تناقلته وسائل الإعلام ..من أصل أكثر من ستة مليون مسلم في فرنسا...يوجد فقط 1900 إمراة منقبة..أعتقد أن هذه الصحفية الفرنسية الجريئة والتي تحترم مهنتها، قد وضعت يدها على الجرح: العلاقة بين السياسة والإعلام والنقاب، هنا جوهر القضية...
والسياسة لها بعد داخلي أيضا...ليست فقط بعد داخل اللوحة الثلاثية التي ذكرناها، ولكن اليمين الليبرالي التقليدي والمتطرف أيضا حتى ينجح بمواجهة يمين العولمة، والنيو لبيرالي، عليه أن يثير مسألة الهوية الحضارية والثقافية..وهنا الخطورة في الموضوع، لنلاحظ ذلك في الانتخابات البريطانية الآن!
ولاحظنا أن ساركوزي أثارها في حملته الانتخابية، وكذا اليمين الألماني...عليه أن يجند الشارع الغربي ضد خوف ما، خوف وإن كان موجودا فإنه مسيطر عليه تماماquot; هل تخاف أوروبا على حضارتها- قوتها من أقلياتها الإسلامية؟ هذه نكتة....وسأدفع الأمر خطوة إلى الأمامquot; لنفترض أن تنظيم القاعدة أعاد تكرار إرهابه مرة أخرى في أية دولة أوروبية، فهل الموضوع له علاقة بالنقاب، أو انه يؤثر على الحضارة الأوروبية في الحقل السياسي- حقل القوة؟
الموضوع يذكرنا بستالين الشيوعي الأمميquot; عندما استفز قومية الروس وأحيا القياصرة في مواجهة ألمانيا، وهو الجورجي أيضاquot; اليمين الأوروبي التقليدي يحتاج لاستثمار جديد من أجل إعادة الحياة له، وهذا ما حصل ويحصل الآن..الهوية الأوروبية..وفيها كل هوية على حدا..ألمانية فرنسية.. هنا تبحث مشكلة النقاب...
أما الجاليات المسلمة ورغم كل هذا الضجيج غالبية أجيالها تندمج في المجتمعات الأوروبية، وتستمد رموز هويتها الآن: من إسلام أوروبي تكرس عبر السنين كأمر واقع..والخطير في الموضوع لازال يتعلق بالجاليات العربية، التي لم تستطع الخروج من كون مرجعيتها هيquot; السلطات في البلدان العربية، وعندما تتخلص هذه الجاليات من هذه المرجعيات التي هي سبب في هجرتها، ويصبح لها مرجعيات تعددية أوروبية المصالح والقانون....عندها فقط يتغير مصيرهاquot; نحو مواطن أوروبي مسلم...وهذا يقتضي من الدول الأوروبية، الدفع بالتجربة الألمانية نحو الأفضل، وصرف مبالغ حقيقية من أجل قيام مؤسسات، لمرجعيات أوروبية حقيقية..وليس البقاء في منطقة الرهان على ترحيل مسلميها...!
على المسلم الأوروبي أن يفصل بين دينه وبين احترامه للقانون في البلد الذي يعيش فيه، القانون ليس معتقد ديني...القانون الذي يسري على الجميع بمعزل عن أديانهم، ولا دين له خصوصية مطلقا تعارض القانون، الزواج من أربعة مثلا....إنه ظاهرة فردية...ويمكن للقانون الأوروبي أن يعالج هذه المسألة وفقا لنصوصه، لا أن تحال إلى حقل تسفيل كل الجاليات العربية المسلمة...كم مسلم عربي متزوج من أربعة في أوروبا؟...حتى في البلدان العربية هل هذه ظاهرة منتشرة؟ وأعتقد أن مرجعية أوروبية إسلامية، أمر سهل، لأن الإسلام عموما ليس فيه مؤسسة مرجعية واحدة...ليس لكل دولة عربية إسلامها وحسب، بل لكل منطقة في هذه الدول إسلامها...وماشاء الله مشايخنا أصبحوا أكثر من الطبقة العاملة!
أوروبا وطني...هذا العنوان الذي يجب أن ترفعه الجاليات العربية المسلمة، وبغير ذلك تبقى لعبة في يد تلك الثلاثية التي تحدثنا عنها...ومن هذا العنوان عليها أن تستمد هويتها...وليس من المسلمين الأوائلquot; بعض رؤساء العرب وملوكهم، وليس من بعض مشايخ العرب سواء كانوا بن لادنيين أم قرضاويين، سيستانيين أم حسونيين...تسمتد هويتها من البلدان التي تعيش فيها.
أما الحديث عن أن هنالك محاولات لأسلمة أوروبا، فهذا حديث من أجل الطرفة وquot;التهويشquot; ليس إلا، لأنه لا يوجد أساسا ما يستوجب التفكير بهذه الطريقة، سوى أوهاوم بعض الإسلاميين القليلي العدد والعدة، وتخوفات بعض علمانيي الشرق الجدد، إضافة إلى ثقافة استنفار الهويات العصبوية لدى اليمين الليبرالي التقليدي في أوروبا، وأحزابه بشقيها الليبرالي والديمقراطي المسيحي...يتبع