-1-
السلفيون والأصوليون، الذين يتباكون على الحجاب والنقاب، ويعتبرونه أُسّاً من أُسس الشريعة، ويرفضون الليبرالية والحداثة. هُمْ كالمرأة المُنقَّبة تماماً، التي ترى العالم من خلال عينيها، وتتعامل مع منجزات الحضارة الحديثة، وتستعمل كافة منتجاتها بما فيها أدوات الزينة من (الكريمات) والعطور .. الخ. ولا تريد العالم أن يراها.
وفي ذلك خداع كبير وكثير.

الحجاب والنقاب بين جاهليتين
السلفيون والأصوليون، يعتبرون ترك المرأة للنقاب - الذي فرضه الفقهاء وليس الإسلام، فلا نقاب في الإسلام- مخالفة للشريعة وللنصوص المقدسة، وأنه ارتداد إلى الجاهلية الأولى، أو عمل بجاهلية القرن العشرين كما قال سيّد قطب في كتابه quot;معالم على الطريقquot;، وكما قال من بعده، أخوه محمد قطب في كتابه الآخر quot;جاهلية القرن العشرينquot;. وطالب هذان الأصوليان التدميريّان، ترك ما أسمياه quot;الحضارة القذرةquot; من المنجزات والنتاجات. ودعيا المرأة إلى العودة إلى الحجاب والنقاب. فذلك أكثر صوناً لها ولدينها، وأكرم لها، ولعفتها، وتركها لمظاهر جاهلية القرن العشرين. علماً بأن الحجاب والنقاب هما من لباس الجاهلية الأولى، قبل الإسلام. وإن كنت لا أفضل استعمال عبارة quot;الجاهلية الأولىquot;، واستعمل بدلاً منها عبارة quot;العرب قبل الإسلام ق. سquot; كما في كتابي (لو لم يظهر الإسلام ما حال العرب الآن؟) لأن العرب كما قرأنا في سِفْر المؤرخ العراقي جواد علي الضخم ذي العشرة أجزاء quot;تاريخ العرب قبل الإسلامquot;، لم يكونوا جهلاء، ولا في جاهلية، وأطلقت عليهم كلمة quot;جاهليةquot; لأنهم كانوا يجهلون الإسلام، وربما الديانتين الأخريين: المسيحية واليهودية.


ماذا لو ظهر الإسلام من جديد؟
لقد تشدد الإسلام في عزل المرأة عن الرجل مرضاةً للجاهليين، الذين كانوا يحطُّون من قدر المرأة، طبقاً لأخلاق البداوة في عصر ما قبل الإسلام (ق.س). كما أن الإسلام أكثرَ من ذِكر الجنس، وطقوسه، وتفاصيل الجماع، وخلاف ذلك، بشكل ملحوظ، مرضاةً للجاهليين كذلك، وكسباً لود قريش quot;الجاهليةquot;. ومعلوم أن العرب وقريش معهم، كانوا منهمكين انهماكاً غير عادي في الجنس، كما يشير الباحث العراقي جواد علي في سِفْره الثمين quot;المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلامquot;. وكان معظم العرب يتصفون بالشبَق وحُبِّ النساء والجماع كثيراً، وكان لهم أكثر من عشرة أنواع للجماع والزواج، كما يقول جواد علي. وهذا أمر طبيعي لكافة سكان الصحراء، الذين لا شواغل كثيرة لهم غير ممارسة الجنس، ومثلهم الفلاحون في الأرياف العربية عامة. فجاء الإسلام وهذَّب ndash; دون شك ndash; من هذه السلوكيات، ولكنه أرضاهم فيما لا يجب أن يفعل، كالزواج من أربع نساء، ومعاشرة نساء المتعة، والتسري بالنساء، وخلاف ذلك. وكلها من سلوكيات quot;الجاهليةquot; الأولى الجنسية. وطمعاً من الإسلام في مرضاة العرب، وإغرائهم لدخول الإسلام، سيما وأن معظم الآيات التي بهذا الشأن هي آيات مكيّة، جاءت والإسلام كان ضعيفاً، وعدد من دخلوه قلّة. ويقول معظم المؤرخين، أن عدد المسلمين الذي دخلوا الإسلام في مكة، وقبل الهجرة إلى المدينة، وخلال أكثر من 12 عاماً من الدعوة، لم يتجاوز 150 مسلماً. فقام الإسلام - كأية إيديولوجيا جديدة تريد الانتشار، وكسب الأتباع الكُثر ndash; بكثير من العروض المغرية للمستهدفين من قريش والعرب، لجذبهم إلى الإسلام. ومنها ما قيل في الآية، التي تُعظِّم بعض آلهة العرب في الجاهلية ﴿أفرأيتم اللات والعُزى ومُناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العُلى ، وإن شفاعتهن لتُرجى ﴾ ( النجم:19،20) والتي كانت مدعاةً لأن تُليّن قناة قريش والعرب، وتخفف من عدائها للإسلام، وتفخر بأن الإسلام يمتدح آلهتها.
ولو عاد وظهر الإسلام من جديد هذه الأيام ndash; وتلك فرضية ربما تبدو حمقاء ndash; لقام بتعديل ونسخ الكثير من السلوكيات التي أقرها قبل 15 قرناً، لمجتمع كانت له سلوكيات وقيم ومكونات، تختلف عما هي عليه الآن. وذلك ليس مستهجناً. فالإسلام بدأ بنسخ عدة آيات وجد أنها لا تناسب واقع الحال. والنسخ في القرآن الكريم معروف. فالإنسان كما يقول الباحث السعودي محمد بن علي المحمود في مقاله quot;الإسلام الليبرالي جدلية الأصل والتأويلquot; هو ابن التاريخ بكل ما فيه، وهو ابن الجغرافيا بكل مكوناتها. ولا يوجد خط ساخن، عابر للزمان، يربط الإنسان في مكان ما، وزمان ما، بالإسلام في صورته الأولى. (جريدة quot;الرياضquot;، 8/4/2010).

دعوهم يركبون الحمير والبغال
نحن لا نعترض على الأصوليين والسلفيين في عدائهم للحداثة، والليبرالية، وتحرير المرأة، وكل القيم الإنسانية الحديثة. فلهم رأيهم، وهم أحرار فيما يفكرون، ويتصرفون. والتاريخ وحده، والأيام القادمة، سوف يثبتان من هو الذي كان على حق في دعوته. ولكن اعتراضنا، هو أن السلفيين والأصوليين، يأخذون من الحداثة والليبرالية نتاجاتهما المختلفة، في الصناعة، والعلوم، والتعليم، والطب، والتكنولوجيا، والاتصالات، والمواصلات، وهي كلها من منجزات الحاثة والليبرالية، في العصر الحديث، كما هو معلوم. ولكنهم في الوقت نفسه، يفرضون على المرأة وعلى المجتمع بشكل عام قيم وسلوكيات 15 قرناً مضى أو ما بعد ذلك. ويدفعون المرأة لتحدي الغرب بالخِرْقة quot;الإسلاميةquot;، التي تُدعى النقاب.
فإما أن يأخذوا الحداثة والليبرالية بحلوها ومُرِّها ndash; والمُرُّ هنا هو مُرُّهم ومرارتهم في لسانهم فقط ndash; وإما أن يتركوها كلية، كما فعل quot;إخوان بريدةquot; السلفيين، الذين اعتزلوا، ونبذوا المجتمع الحديث ومنجزاته، وأطلقوا على الدراجة الهوائية quot;حمار إبليسquot; وكانت النساء تخاف منها. واستغنوا عن الكهرباء وأدواتها. وكانت لهم مدارسهم الخاصة. وكانوا أشبه بالأميش Amish في أمريكا.
وإذا ما تركوها، فعليهم إشعال الحطب، بدلاً من التدفئة المركزية، والمواقد الكهربائية، وتلك التي تعمل بالغاز. وإضاءة منازلهم بالسراجات بدلاً من الكهرباء. والاستغناء عن كل ما يعمل بالكهرباء في بيوتهم.
وإذا ما تركوها، فعليهم أن لا يلبسوا ثياب وعباءات وشماغات و(عُُقل) الصناعة الغربية، والعودة إلى ارتداء الثياب المغزولة من شعر الماعز، والجمال.
وإذا ما تركوها، فعليهم ألا يأكلوا بالأطباق والملاعق والشوك، بل بالقصعات، واستعمال أصابع أيديهم، بدلاً عن الشُوَّك والملاعق.
وإذا ما تركوها، فعليهم عدم الذهاب في مرضهم لأمهر الأطباء، وأرقى المستشفيات، وعليهم التطبب بدل ذلك بالحبة السوداء، والكي بالنار، وشرب منقوع quot;المرميةquot;، و quot;اليانسونquot;، و quot;البابونجquot;.
وإذا ما تركوها، فعليهم عدم استعمال الإنترنت، والبريد الإليكتروني، والبريد الجوي ولا حتى السطحي، والاستعانة بدلاً عن ذلك بالحمام الزاجل، وبالرُسل.
وإذا ما تركوها، فعليهم سحب أولادهم وبناتهم من المدارس، والمعاهد، والجامعات الحديثة، وفتح quot;كتاتيبquot; لهم، كما كان التدريس في الماضي، وكما فعل quot;إخوان بريدةquot; السلفيين.
وأخيراً، وإذا ما تركوا الحداثة والليبرالية ورفضوها، فعليهم ركوب الحمير والبغال، بدلاً من السيارات، والقطارات، والبواخر، والطائرات، إن كانوا صادقين!
السلام عليكم.