تعلمنا منذ طفولتنا بأن الاسلام صالح لكل زمان ومكان. سلمنا بهذه المقولة واعتبرناها حقيقة لا مساس بها. اليوم ما زلت اراها حقيقة لا تمس لكن تطبيقها في واقع الحال شيء مختلف تماما.
ما أراه هو ان التقدم الانساني يزيدنا بعدا عن الإسلام. ربما يحدث الأمر ذاته مع الديانات الأخرى، لكن لنتحدث هنا عن الإسلام. أقول بأننا نزداد بعدا عنه مع تطور البشرية والسبب هو توقف العقل المسلم عن تطوير رؤيته الإسلامية بما يتماشى مع حداثة العصر.
لنأخذ المدارس الدينية الثلاثة في العالم الاسلامي، من القيروان الى الأزهر في مصر الى المدرسة السلفية السعودية. جميعها ما تزال تطبق رؤية إسلام يفصلنا عنه اربعة عشر قرن مضت حتى عصر الثورة المعرفية والتكنولوجية اليوم. المبادئ الاساسية لا تختلف، فلا أحد ينكر الصلاة أو الزكاة والأركان الأخرى، لكن ماذا عن رؤية الاسلام للتطور الانساني السريع وكيف علينا ان نستفيد منه دون ان نفقد هويتنا الدينية وننظم في الوقت ذاته علاقتنا بالديانات الأخرى؟ هذا سؤال ما يزال حائرا رغم كل محاولات الاجابة عليه.
ما هو رأي الإسلام في حياة المسلمين المقيمين في الغرب اليوم، أي في الدول المسيحية؟ هناك اكثر من فتوى واكثر من مدرسة واكثر من رأي لا تعرف أيها صائب وأيها مخطئ. لماذا نغضب من الغرب عندما يفرض قوانينه على ارضه التي تمنع الحجاب ولا نريده ان يغضب منا عندما نفرض عليه قوانيننا فوق أرضنا؟
الإسلام يمنع الاختلاط، لكن ما هو رأيه في عمل المرأة الطبيبة مع الرجل في غرفة العمليات؟
الإسلام يمنع أكل الخنزير، لكن ما هو رأيه في منتجات الخنزير الجلدية التي نلبسها لا نأكلها؟
الإسلام يحث على طلب العلم ولو في الصين، لكن ما هو رأيه في قوانين الصين الخاصة بتحريم الإنجاب لأكثر من اثنين لو دعت الحاجة غدا الى تطبيقه في الدول الاسلامية التي تنمو بما يفوق قدرتها؟
هناك اسئلة كثيرة قد يملك لها الاسلام اجابة لكن ليس المسلمون ولا علماؤهم الذين انصرفوا الى فتاوى وفتاوى مضادة على اشياء شديدة السطحية مثل شرب الكولا، او مشاهدة التلفزيون او حتى الصعود الى القمر الذي ما يزال يشك فيه عدد من مشايخ الاسلام.
عندما تطرح اسئلة حرجة وملحّة في الوقت ذاته يجيبونك بالآية الكريمة quot;يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكمquot;. الركون الى هذه الآية لا يعكس إيمانا بها بل افلاسا في العقل المسلم لتطوير اسلامه.
الإسلام صالح لكل زمان ومكان ولا شك، لكن ليس من تلقاء ذاته بل بفعل حراك ابناءه. لا يسير شيء من ذاته حتى الدين. عليه فهو لن يتطور ان لم يتطور العقل الذي يؤمن به. مثل هذا التطور يجب أن لا يغوص في الماضي، ان لا يفرض منطق الإسلام الأول عندما كانت الحياة بسيطة وشديدة الاختلاف عن الآن، لأن ذلك سيزيد انفصالنا عن واقعنا.
لقد دخل الاسلام في حروب طويلة مع الأديان الأخرى لأنه يكفّر ابنائها. اليوم نحن ندعو للحوار مع ابناء هذه الديانات. ما الذي خلق هذا التحول من صدام الى حوار؟ إنه التطور الزمني الذي ما عاد يقبل ان تفرض رأيا على أمة او حتى فرد بالقوة.
اليوم لسنا في خصومة مع أحد لكنا في خصومة مع انفسنا. فواحد يؤيد وآخر يكفّر وثالث يحلل حتى اصبح ديننا الواحد عشرة اديان مختلفة دون رؤية واضحة ومحددة لما ينبغي ان نكون عليه كمسلمين في هذا العصر، بل ودون ان نكون قادرين على تقديم اسلاما واحدا متطورا نتفق عليه جميعا.
الهوة تزداد بين واقع الحياة المتطور، واسلامنا الذي نؤمن به ونعتز. وحتى لا تزيد الهوة ويحدث انفصال قد يكون وشيكا، على العقل الاسلامي ان يتطور بعيدا عن مسلمات عصور قديمة لا عودة إليها.

[email protected]