العدوان الآثم، القرصنة، المجزرة، الجريمة، العربدة، الوحشية.. كلها أوصاف لا تليق، وأدنى مما فعلته إسرائيل بـ quot;قافلة الحريةquot;.
ولكن ماذا بعد؟
وما الجديد في الأمر؟
فمنذ أكثر من ستين عاماً، وإسرائيل أسبوعياً - إن لم يكن يومياً - تقوم بارتكاب مجازر أكبر، مما ارتكبته في quot;قافلة الحريةquot;.
فسرقة وطن، وليس بنكاً، أو صندوق شركة، يحتاج ndash; بالتأكيد - إلى كل هذه القسوة، وكل هذه الوحشية.
فهل تريدون من سارق وطن، أن (يبوس) رأس و (لحية) المسروق منه، صباح كل يوم، و(يشكَّ) في عروة قميصه وردة بيضاء؟!

عرس دم quot;قافلة الحريةquot;
لم يبقَ كاتب، أو معلق أو سياسي، أو مسئول حكومي، إلا وندد، وأدان، وشجب، ما فعلته إسرائيل في quot;قافلة الحريةquot; من اعتداء آثم!
الإعلام العربي، وجد في عرس دم quot;قافلة الحريةquot;، لكي يشارك، بل يقود زفة عرس الدم هذه. فقامت الفضائيات بقيادة زفة العرس، وتنافست فيما بينها، بالصوت (الحيّاني) وبالخطابات العاطفية المتشنجة الرنانة، والبيانات النارية، كما كنا نفعل في إعلامنا، منذ أكثر من ستين عاماً حتى يومنا هذا.
نبكي كل يوم.
فلا الدموع جفت.
ولا فلسطين قامت.

من كان السبب؟
لكن دعونا أن نكون اليوم خونة، وأراذل، وصهيونيين، وعملاء أمريكيين، وعبدة للبيت الأسود.. الخ. كما نُوصف دائماً، ونقول كلمة شجاعة.
من كان سبب كل هذه المصائب والكوارث، التي حلّت بالشعب الفلسطيني منذ سنوات حتى الآن، ومنذ الانقلاب الدموي الحمساوي على الشرعية الفلسطينية، مما أغلق أبواباً فلسطينية، كانت مفتوحة للمرور إلى أوروبا وأمريكا والغرب عامة؟
فنحن نعلم أن الغرب، هو الذي يملك وحده مفتاح القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية، وليس العرب، الذين لا يملكون من أمرهم غير التنديد، والوعيد، وأكل الثريد!
هل لو لم ترتكب quot;حماسquot; ما ارتكبته من جرائم بشعة، وسرقة للسلطة، وسطو على الشرعية الفلسطينية، وتعطيل للمفاوضات، وارتهان لسوريا وإيران، ومقاومة لكل حل سياسي سلمي، كان سيؤدي إلى كل هذه الكوارث الصاعقة، التي حلّت بالشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية حتى الآن؟
إن الناشطين الغربيين والآسيويين، الذين تظاهروا مشكورين في شوارعهم، ورفعوا يافطات quot;FREE GAZAquot;، كان عليهم أن يطالبوا أولا بتحرير غزة من حكم quot;حماسquot; الطالباني المسروق من الشرعية الفلسطينية، والذي أعاد غزة إلى العصور الوسطى، وسبب لها كل هذه الكوارث القاتلة، ودفعها للبحث عن الطعام في صناديق الزبالة الإسرائيلية!

من هو الرابح من quot;عرس الدمquot;؟
من هو الرابح من زفة quot;قافلة الحريةquot; الدموية؟
هل هو الشعب العربي؟
هل هو الشعب الفلسطيني؟
هل هي القضية الفلسطينية؟
هل هي الشرعية الفلسطينية؟
هل هم عقلاء وحكماء العرب والفلسطينيين؟
هل هو مستقبل السلام في المنطقة؟
لا أحد من هؤلاء، أو غيرهم، هو الرابح من هذه الزفة الحمراء الدموية؟
الرابح الوحيد هو: quot;حماسquot;!
quot;حماسquot;، وحدها هي التي خرجت quot;البطلةquot;، quot;المنصورةquot;، quot;المنتصرةquot;، quot;الناصرةquot;، quot;المستنصرةquot; كما سمعنا في خطاب quot;النصر المبينquot; الذي ألقاه quot;الزعيم القائدquot; اسماعيل هنية في الأمس.
وما فائدة هذا النصر المزيف للشعب وللقضية الفلسطينية؟
سوف أكون quot;أكثر إجراماًquot;، وquot;وقاحةquot;، وquot;حقداًquot;، وأقول بأن هذه الزفة الدموية الحمراء ndash; وهي كباقي الزفات التي شهدها عرس الدم الفلسطيني على مدار أكثر من نصف قرن ndash; لن تعيد ذرة تراب واحدة للشعب الفلسطيني، ولن تُرضع طفلاً فلسطينياً (رضعة) واحدة، أو تطمعه كِسرة خبز.
وما فعلته بعض الدول العربية من إدانة، وتنديد، ووعيد، وفتح معابر، وإدخال جرحى إلى مستشفياتها، وإرسال مواد الإغاثة.. الخ. ما هو إلا رفع عتب، وخوف من انفجار القنابل الفلسطينية المنتشرة، في كل جزء من العالم العربي، وتحت وسادة كل عربي.

quot;قافلة الحريةquot;: تحريرُ مَنْ ممّن؟!
quot;قافلة الحريةquot;.. اسم شاعري، ووطني، وثوري، وجميل، ويليق بفلسطين.
ولكن إلى أين كانت تتجه quot;قافلة الحريةquot;؟
الى غزة السجن الكبير؟
إلى غزة المسروقة من شرعيتها؟
إلى السلطة quot;الطالبانيةquot; في غزة؟
إلى غزة التي أصبحت تأكل من صندوق الزبالة الإسرائيلية؟
إلى السلطة الطالبانية، التي جاءت لغزة بالحصار، والدمار، وقلّة الاعتبار؟
فالحصار ليس حصاراً للشعب الفلسطيني في غزة.
الحصار القائم هو ضد quot;حماسquot;، وضد اللصوص الذين سرقوا السلطة الشرعية.
للترك quot;حماسquot; غزة غداً، وسوف يرُفع الحصار فوراً، وستعود بيارات البرتقال إلى غلالها، ويضيء من جديد قمر غزة الذي أطفأته quot;حماسquot;.
فـ quot;حماسquot; فعلت بغزة ما لم يفعله ولاة المماليك، وباشاوات العثمانيين، وجنرالات الإسرائيليين، وكل الغزاة الذين مروا بغزة؟
quot;قافلة الحريةquot; كانت تريد تخفيف عزلة quot;حماسquot;، وفكها.
وquot;قافلة الحريةquot; لم تكن تريد تحرير غزة، بقدر ما كانت تريد فك الحصار عن سلطة هي ضد العلمانية، والحداثة، وفكر التنوير، والسلام؟
سلطة مرتهنة لسوريا، وإيران، وquot;حزب اللهquot;، وquot;الإخوان المسلمينquot;، وكل قوى الظلام والطغيان في العالم العربي؟
لقد أنقذ عرس دم quot;قافلة الحريةquot; هذه السلطة، وانتشلها ndash; مؤقتاً - من قائمة المجرمين السارقين، ووضعها في قائمة المحرِرِين المنتصرين.
وتلك واحدة من المضحكات المبكيات، ومكر التاريخ والجغرافيا أيضاً.
سلطة طاغية وسارقة للحكم، تُُبحر إليها quot;قافلة الحريةquot;!
أليس ذلك من مكر التاريخ والجغرافيا؟

ها نحن نسير مع القطعان!
لو اجتمعت كافة أرانب الغابة، على أن تردع وحشاً كاسراً واحداً، لما استطاعت ذلك.
ونحن في غابة فلسطين.
وها نحن نقفز مع الأرانب، أمام الكواسر.
نعم، نحن اليوم حزينون.. وماذا يمكن للأرانب أن تفعل غير الحزن؟!
نعم، نحن اليوم نُدين، ونُدد، ونشجب، ونشطب، ونكتب، ونخطب، ونصرخ، ونبكي، ونلطم، ونُقاطع، ونقفز، ونحفّز، ونضرب رؤوسنا بألف جدار وجدار.
ولكن..
ماذا بعد؟
وما الجديد في الأمر؟
السلام عليكم.