يؤكد الشيعة في ادعيتهم ومناجاتهم عموما بان أهل البيت عليهم السلام (باب نجاة الأمة)، ويعود هذا التوصيف الى أثر نبوي يرويه الشيعة عن النبي الكريم، وربما يوجد له أصل في التراث الروائي السني أيضا، وإذا كان بعضهم يضفي على هذا التوصيف نكهة آخروية بحتة، فمن حقنا أن نضفي عليه أيضا نكهة دنيوية، فقد سجل التاريخ حضورا اخلاقيا منتجا للإئمة عليهم السلام، وحضورا فكريا هو الآخر منتجا، والعلم والاخلاق كلا هما يساهمان في نهضة الامة، وتسديد مسيرتها باتجاه العدل والعطاء والتعاون والتسامح، ولكن هذا التوصيف يتعرض اليوم للتشويه والانكسار والخمول، وذلك بسببنا نحن، فما زال قول الاما م علي عليه السلام (لو كان الفقر رجلا لقتلته بسيفي) يشع فكرا وعلما ونورا، وهكذا في الكثير من مفردات أئمة أهل البيت، خاصة فيما يتعلق بالعمل و التفكير والتواصل الانساني والتأصيل للحياة الانسانية الطيبة، ولكن اليوم تحول العمل الذي يأمر به هذا التراث الى كسل، وعطل، تحول الزمن بسبب هؤلاء الائمة إلى عرض لا جوهر، عزاء مستمر، ونواح لا ينقطع، وبكاء لا يتوقف، وسواد دائم، وجلد للذات لا يرحم، وعماء فكري وروحي ووجداني، وهرولة مجنونة، وتفكير اسطوري، وبحث عن مكرمات ومعاجز، وتهرب من الواجب، ونفاق، ودجل...
إنها كارثة يا رب العالمين.
هل هذه الظاهرة بريئة؟
أم وراءها عقول مخططة؟
أن أعمدة الشر الشيعي أمثال المهاجر والفالي والكربلائي عناصر مهمة في هذه الفاجعة التي تسببت في خلق شخصية شيعية هلامية تافهة، سطحية، طقوسية، فجائعية، ولكن هل هذه الاعمدة هي المخططة لمثل هذه النتيجة المخيفة؟
الجواب على هذا السؤال صعب بطبيعة الحال، ولكن التجربة لا تبريء مثل هذه الحالات وتمررها بشكل بسيط، ومن دون تساؤلات تتفتش عن الجذور والاسباب العميقة التي تكمن وراءها.
أدوات هذه الفاجعة (الأكل ــ زاد الحسين شفاء، وما سمعت يوما شفى أ حدا ـ... الأحلا م... ا للطم... البكاء... المعجزا ت... المشي لأيام طويلة... تعطيل المدارس في كثير من ا لمناطق.. شعارات ثأ رية في بعضها... اللا معقول... تعطل أعمال الكثير من الناس والمواطنين...) وظاهرة بمثل هذه الادوات ولأيام عدة قد تبلغ ا كثر من اسبوعين ماذا تنتج وعمّاذا تتمخض؟
في إيران (الاسلام!) وفي مدينة مشهد بالذات تأسست جمعية باسم (كلاب الإمام الرضا)، وهذه الجمعية لا تضم كلابا حقا، بل بشر بكامل آدميتهم، يعرضون أنفسهم للناس بانهم بمثابة كلاب الامام علي بن موسى الرضا، الامام الثامن في عقيدة الشيعة الامامية، وهناك (كلاب الزهراء) و (كلام الإمام الحسن) وهكذا، وبالتالي، فإن القضية دخلت مرحلة الجنون الطقوسي.
قبل أربعين سنة شهدت الكر ادة الشرقية في بغداد عاصمة العراق ظاهرة مخيفة يقودها شاب ـ الان هو كهل ـ تقوم على فكرة قرب ظهور الامام المهدي، وكان ذاك الشاب في وقته يتمتع بقدرة هائلة على تسخين نفسه، وأحاطة ذاته بأجواء ساخنة سحرية، وشاعت الفكرة بين شباب الكرادة، وقرنت الدعوى بدعوى اخطر، مفادها، أن على (المؤمن) أن يتهيا لظهور المهدي، ومن العلائم التي تثبت أخلاص الشاب المؤمن أن يترك الدراسة، ويتجه نحو العبادة حصرا، كي يخرج المهدي ويرى أعوانه، وبالفعل شهدت الكرادة الشرقية عزوفا عن كل ما هو دنيوي، علمي، فكري، واتجه الشباب إلى العبادة البحتة، وأحدثت دعوة هذا الرجل المهوس بنفسه الى حد الجنون شرخا مخيفا داخل الاسر والعوائل، إذ تمرّد كثير من الشباب على مواصلة الدراسة والعمل!
فماذا كانت النتيجة؟
إن هؤلاء الشباب بالذات تمردوا على الدين والاسلام، واتجهوا نحو البارات والملاهي والسينمات، وهذه نهاية كل دعوة غير طبيعية، ولا تنسجم مع طبائع الاشياء، فهل ستكون نتائج هذا الهوس الشيعي الطقوسي الجديد ذاتها التي شهدتها دعوة ذلك الإنسان المهوس بنفسه، الموغل بالغباء الروحي؟
لا استبعد...
قبل أيام استحدث هؤلاء المحتالون يوما جديدا في سلم العزاء الشيعي، هو يوم أربعين علي الاكبر، وقبل فترة استحدث المجتهد المهندس المرجع اليعقوبي (عشرة الزهراء)، وهكذا يتآكل الزمن، وأ نا أقسم بالله العظيم إن الشيخ اليعقوبي غير مؤمن بهذا، وإلاّ أين كان عن هذه الفكرة العملا قة قبل سنوات؟ أين كانت هذه الفكرة الانتاجية المبدعة كامنة حتى تستيقظ الأن في فكره العملاق ومشا ريعه الحيوية؟
الإسلام السياسي منا فق، فهو ربما في داخله يستهجن هذه الظاهرة، ولكن لا يجرؤ على موا جهتها علنا، لانه يحسب لسلطته المادية ألف حساب وعلى حساب الاسلام نفسه، فلم يعد الاسلام في عرف صناع القرار السياسي في مؤسسات الاسلام السياسي سوى لعبة سياسية، ووسيلة سلطة وإثراء، لا أكثر ولا أقل، وبالتالي، فإن الموقف منها يتحدد في ضوء المصلحة و القوة.
ولكن...
عتبنا على المرجعية الدينية...
ترى أين هي؟