في الحقيقة، أحيانا تأخذنا حالة التعاطف والتضامن مع أصحاب مصيبة محددة، ويجد المرء نفسه متورطا في كتابة ما أو مقال، وبعدها يقول ربما تسرعت في الكتابة. أما عندما تكتب عن مفاهيم الدولة والعلمانية والاصلاح الديني وعن مفهوم نظري للسلطة السياسية، لا تعاني من هذا الضغط، في أنك تسرعت أم لا!

في خضم هذه الحملة من أجل المدونة السورية المعتقلة منذ أقل من عام طل الملوحي، والذي لا يعرف مصيرها حتى اللحظة، ونتمنى ألا يكون مصيرها كمصير رفيقي مضر الجنديquot; أبو سناquot; الذي توفي تحت التعذيب في 21 أو 22 أيلول عام 1987 ولأنه كان يعاني من مرض الربو المزمن، وهذه لم يأخذها السادة في فرع فلسطين بعين الاعتبار، حتى حملوه فوق بطانية عسكرية من ليس لديه أي مرض تجلب له أمراض الدنيا كلها، فهي مر عليها كل أنواع الغبار والأوساخ ورائحة المساجين.. وقضايا أخرى! ربما عندما حملوه فيها كان لايزال فيه نفس حياة، ولكن البطانية العسكرية قضت على حياته!! وبدأت أخته ووالدته رحلة البحث عن مصير ابنها ووحيدها، وحيدها كذكر هكذا تعلمنا اللغة. رحلة بحث لم تترك طريقة إلا ولجأت إليها من أجل معرفة مصير المهندس المدني مضر الجندي، وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل الشيوعي آنذاك. سنوات وهي تتلقى أجوبة مراوغة، سنوات وهي تعاني وبنفس الوقت تعيش أملا أن مضر لازال حيا يرزق..رغم ما جاءها من تسريبات من داخل السجن أن مضر استشهد تحت التعذيب.
بعد سنوات تم إبلاغها بأن ابنها توفي نتيجة لأسباب صحية. هذه الحادثة تذكرتها وأنا اتابع قضية طل الملوحي، خاصة تم الحديث عن أن معها حالة قلبية مرضية إذا صح هذا الكلام.

السلطة لدينا قوية ولا يهمها أحد في العالم، هي تتصرف برعاياها كما تشاء....احتجاجات رسائل مناشدات كل هذا يستخدم في جلسات المسؤولين الأمنيين على سبيل الدعابة...ويمكن أن تسمع على ألسنتهم عبارات من مثلquot; قال شو ولاد الق...أو الش..محتجين امام السفارة في بلد كذا، او أنهم أرسلوا رسالة إلى السيد الرئيس...؟؟ أخواتهم واحد واحد..quot; عادي هذه عبارات عادية جدا.. ونحن كشعب سوري تعودنا عليها، فهي ثقافة راقية عندنا، لايستخدمها سوى صفوة القوم من نخب السلطة العلمانية او نصف العلمانية!!
متابعتي لقضية طل، وكتابتي تسرعت في أمر، أنني اعتبرتها طفلة! ربما نتيجة تعاطفي الشديد مع أمها بعدما قرأت رسالة المناشدة والرجاء التي وجهتها للرئيس بشار الأسد.
ولكن كان في تلك الأيام 1987 لدينا رفيقات وناشطات في أحزاب اليسار وخاصة حزب العمل الشيوعي، بعمر طل او أكبر بعام، ولم نتعامل معهن كأطفال..لا أريد ذكر اسماءهن، ولأنني أخاف من اعتقالهن من جديد!!

طل بدأت الكتابة وهي طفلة ولكنها الآن ليست كذلك، هي صاحبة رأي هكذا الأمر ببساطة، واتمنى من القائمين على نشاطات تخص طل من الحقوقيين أن يتعاملوا معها بوصفها صاحبة رأي وليست طفلة تخربش وتشخبط وترسم على دفتر واجباتها المدرسية، فهي لديها كومبيوتر محمول صادروه! كما أتمنى عليهم ان يأخذوا بعين الاعتبار أن سلطة بلدنا قوية، وخاصة بعدما جلست البارحة في نيويورك السيدة هيلاري كلينتون مع السيد وليد المعلم وزير خارجيتنا، من أجل بحث عن آليات مشتركة لإفشال المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وإخراج محمود عباس مكسور الخاطر! لأن نتنياهو يريد العودة للاستيطان فلابد من مخرج لأوباما كي لا يبدو ضعيفا أو هزيلا أمام هذا الحشد من المستوطنيين المساكين، الناجين من المحرقة النازية!!!

اجتماع كلينتون يؤشر وفقا لما قلته أن طل الملوحي هي معتقلة رأي وليست طفلة، والسيدة كلينتون، عادي بالنسبة لها محاورة النظام السوري أو غيره من الأنظمة، التي تغص سجونها بمعتقلي الرأي..
لا أعرف لماذا أنتم ونحن نضخم الموضوع؟
لا يوجد قضية في القصة طل معتقلة رأي مثلها مثل علي العبد الله الذي لازال هو وابنه ومجموعة من الشباب اعتقلوا تقريبا بعمر طل أو أكبر بسنة أو سنتين.. حتى رسالة والدتها للسيد الرئيس ماكان لها من داع مطلقا، ولماذا؟! ولا أعتقد انها وصلت للسيد الرئيس!! لأن هذه قضايا لها مختصين ضمن دولة المؤسسات السورية نصف العلمانية! أو العلمانية لا فرق، كله عندنا يمشي...!

طل تركت أمها في الخارج، وذهبت إلى السجن، أما تهامة معروف فتركت طفليها الصغيرين وذهبت إلى السجن، لقد ضجرت من تربية أطفالها!! فتركتهم لزوجها بكر صدقي يربيهم، وهو يجيد التربية، لأنها تعلمها في سجنه الذي استمر لعقد ونصف تقريبا...

فاسمحوا لي أنا أيضا بعد أن اعتبرت طل الملوحي معتقلة رأي.. مثلها مثل الكاتب والناشط خلف الجربوع الذي كانت محاكمته منذ يومين ولم يسمحوا لأطفاله بمشاهدته في المحكمة، والذين تركوا بلا معيل، والكاتب مصطفى اسماعيل الذي تم تحويله إلى المحاكمة بعد تسعة أشهر من توقيفه أيضا، بتهمة اقتطاع جزء من الأراضي السورية باعتباره كردي سوري..

اسمحوا لي سأعود لكتابة مقال عن أسباب تخلف المجتمع السوري، وحاجته لاصلاح ديني. لأن استمرار اعتقال اصحاب الرأي ضرورة لحماية الدولة السورية نصف العلمانية! لهذا سيكون تضامني مع طل الملوحي وفق هذا الذي هو عادي جدا في بلدي، اعتقال أصحاب الرأي...فقط لي مطلب واحد واتمني على السلطة أن تؤشر لنا عن مصير طل الصحي...لهذا لن أشارك في أي نشاط تضامني لا وقفة أمام السفارات ولا توقيع عرائض...! اخاف من عبد الله الدردري نائب رئيس الوزراء السوري - نازل إجراءات لبيرالية بالبلد، عسى أن يتوقف عن هذه الليبرالية، وخاصة أنه يريد إعطاء المشغل الخليوي الثالث لشركات غير وطنية، كنت اتوقع منه أن يعطي الترخيص لشركة سيرياتيل!!!!