أدانت جملة من الشخصيات الاسلامية حادث تفجير الاسكندرية، ووصفته بالعمل الارهابي والمخالف للشريعة الاسلامية. ما لفت انتباهي ان بين هذه الشخصيات حشد من خطباء المساجد الذين انبرى بعضهم يكيل الهجوم على منفذي الاعتداء ضد كنيسة الاسكندرية كما ولو كان المستهدف مسجدا.
جميل أن نقف تضامنا مع المسيحيين في العالم العربي، ليس لأنهم مواطنون وأهل كتاب، بل لإيماني انهم عمق الثقافة الاسلامية والعربية. لكني اتسائل عن مدى صدق خطباء المساجد هؤلاء، ومعهم الشخصيات الدينية، في ادانتهم لتفجير الاسكندرية. فهل صدقوا في ادانتهم؟ وان كانوا كذلك، فهل هو نوع من التعاطف المؤقت، ام مجاملة لا أكثر؟
سأضع كل الفرضيات المحتملة في الاعتبار، وأقول ان احدها او كلها ربما كان صحيحا، لكني لن اضع فرضية واحدة لثقتي انها ليست صحيحة. هذه الفرضية هي ان الشخصيات الاسلامية الدينية باتت أكثر تساهلا وسماحة وتفهما للمسيحية من السابق.
أنا لن افترض ذلك على الاطلاق، على الاقل في المرحلة الراهنة. إذ كيف لإنسان عاقل ان يقنعنا بأنه كان حتى الأمس فقط ضد المسيحية، مكيلا لها السباب واللعنات في كل خطبة وجامع، ثم وبقدرة قادر يتحول في ليلة واحدة الى متعاطف مع اتباعها ومشددا على وطنيتهم؟
ما حدث هو ان معظم الشخصيات الدينية رضخت إما لقرارات سياسية داخلية تدعوها الى التعاطف مع ضحايا التفجير من المسيحيين درءا للفتنة، او هي ضغوط خارجية.
قد يستحق القرار السياسي أن نشكره على ادانته لعملية التفجير، وعلى دفعه المؤسسات الدينية الاسلامية لإدانة الجريمة من على منابر الجمعة. لكن أين كان القرار غائبا لسنوات طوال وهو يسمع بأذنيه ويرى بعينيه خطبائنا وهم يتمنون الموت والخراب للنصارى من على ذات المنابر؟ ألم تكن مثل هذه الدعوات هي من حرض على وجود الكره والاحتقان الطائفي؟
ان التذبذب في مواقفنا ان هو الا امتهان لعقل الشارع العربي الاسلامي منه والمسيحي، وهو في الوقت ذاته امتهان لمشاعرنا عندما نمنح لعناتنا العتيقة بركاتنا العظمى، ثم نحولها في لحظة عين الى تعاطف عميق.
نحن في الواقع نعبر عن حزن مصطنع، ونبكي كما تفعل التماسيح. ولن اقول بأن كثيرين بيننا مسرورون لما حدث، بما في ذلك بعض الشخصيات الدينية. فكيف لتحريض مئات السنين، أن ينتهي في ليلة واحدة فقط.

[email protected]