بدت تطورات الاحداث في تونس مثل كرة ثلج متدحرجة تكبر مع استمرار دورانها. دارت عجلة التغيير بسرعة لبحقق الشعب التونسي التغيير بارادته وطبق مبدأ شاعره الكبير ابو القاسم الشابي الذي قال: اذا الشعب يوما اراد الحياة .......... فلا بد ان يستجيب القدر

مع ان التغيير لم يكن مرسوما ومدروسا، بل جاء عفويا، وتفاعلت مع الاطراف مع تكوراته. وهكذا سجلت سابقة وتجربة فريدة في المنطقة، حيث خرج الشعب بانتفاضته وتحقق له التغيير، الذي كان ثمنه حتى الان ضحايا بالارواح تجاوزت المائة بين متظاهرين قضوا برصاص قوات الامن وبعض من السجناء الذين فروا من السجون عقب انهيار النظام والامن في البلاد.

كالعادة كان الانتهازيون والمتربصون والباحثون عن الغنائم بالمرصاد، وكما حدث في بلدان اخرى وتجارب مشابهة. ولكن ستنتهي هذه الفوضى حتما في الاوقات القريبة، لكن ما نخشاه على (تونسنا) العزيزة ان تخسر بعض من مكاسبها التي حققتها في المرحلة السابقة. ورب سائل يسال، ما هذه المكاسب؟

والجواب لا يحتاج الى مشقة ، فبالاضافة الى مرحلة الاستقرار الامني التي نعمت بها البلاد منذ فترة ليست بالقصيرة، كان هناك نموا اقتصاديا جيدا تفوق على العديد من بلدان العالم النامية حيث وصل الى 7 بالمائة، وارتفع دخل الفرد التونسي الى ما يفوق 6 الاف دينار تونسي، اي حوالي 5 الاف دولار، ليأتي بمقدمة الدول العربية غير النفطية، واكتسبت المرأة التونسية مكانة وحقوقا في التشريعات القانونية والواقع الاجتماعي وتمكينا في مختلف مناح الحياة، كما ارتفعت مستويات التعليم ومحو الامية الى حوالي 74 بالمائة وارتفع معدل عمر الفرد الى 76 سنة، ومجمل مؤشر التنمية البشرية فاق 0.7 بقليل على مؤشر من 0-1. وعرفت تونس باستقطابها للاستثمارات الاجنبية والسياحة الخارجية نتيجة لذلك الاستقطاب وهذه المؤشرات.

فضلا عن ذلك وهو الاهم اجواء التسامح التي عرف بها المجتمع التونسي تجاه مكوناته الاجتماعية، وتجاه الاخر. ومبعث القلق الان ما نشهده من استهداف لبعض احياء الطبقة الاجتماعية المرفهة في تونس العاصمة مثلا، واعمال نهب وسلب لمؤسسات حكومية ومحال اهلية، وان كانت قد صدرت من عصابات سرقة. ان من شأن هذه الاحداث ان تهز السلم الاجتماعي وتخلق فجوة بين فئات الشعب.

نتمنى ان تتم قراءة المخزون الغذائي جيدا واعادة عجلة الحياة وتعويض فترة التوقف وما صحبها من اضرار، بغية تجنب اية ازمة اقتصادية من شأنها ان تهز الامن الاقتصادي للبلد، وان تحافظ العملة الوطنية على موقعها.

تبقى الخشية الكبيرة ان تتسلل الافكار والحركات المتطرفة الارهابية الى تونس مستغلة اجواء التغيير التي ستنعم بها. كما ان خشيتنا تمتد الى ان يتأخر او يتعثر تشكيل الحكومة القادمة او الانتخابات المزمع اجراؤها نتيجة لتطورات غير متوقعة. وان تمر المرحلة الانتقالية بسلاسة، وان يأخذ القانون مجراه في الحكم بين الاطراف المتنازعة وخاصة تلك التي تضررت من المرحلة السابقة بحيث يتم انصافها، وان يتم الاحتكام الى المصلحة الوطنية في اقرار الموقف من المرحلة الماضية.

كل هذه مخاوف وهواجس نابعة من قراءتنا للوضع التونسي وبدافع محبتنا وحرصنا على تونس واهلها.

كاتب عراقي [email protected]