دعني أقول انه ثمة من الساسة التونسيين من quot;لا يعجبه حتى العجبquot;،و ينطبق هذا الوصف على جزء كبير من السياسيين الذي يضعون أنفسهم دائما في خانة الإقصاء السياسي، كنوع من النضال السلبي. اسطوانة الإقصاء ليست جديدة، وفي غالب الحالات هم محقون، لكن ادعاء ذلك الآن هو تجني على الواقع، لعدة أسباب أهمها:
_ان هذه الحكومة هي حكومة انتقالية سيكون عمرها 6 اشهر على أقصى تقدير، و لا اعتقد ان من صبر عشرين سنة على الظلم، غير قادر على انتظار هذه المدة القصيرة.
_ هذه الحركات السياسية و أبرزها حزب النهضة و المؤتمر من اجل الجمهورية و الحزب الشيوعي، في قطيعة إديولوجية و فكرية مع الشعب التونسي بحكم الملاحقات و المطاردات من جهة و الانقسامات الداخلية الى جانب ضعف التأطير و الاستقطاب من جهة أخرى.

و لم يكن لهذه الأحزاب و غيرها أي تأثير في الثورة التونسية.
_ ان بقية التشكيلات الحقوقية الصغرى مثل مرصد حرية النشر كانت و ما تزال نخبوية
و لا اعتقد انها كانت تؤمن بمفهوم التحركات الشعبية مثلما حصل في تونس.

_ انا لا اعتقد بأن التيار الإسلامي او اليساري قد وقع إقصاءه من الحكومة الجديدة، فعمادة المحامين وهي جزء من الحكومة الانتقالية، يغلب عليه التيار الإسلامي. اما بالنسبة للإتحاد العم التونسي للشغل الذي تشارك كوادره في الحكومة فإن اغلب منخرطيه من اليسار.
_ أخيرا، ان الطروحات القائلة بأن الوزراء الستة المتبقين في الحكومة الجديدة و التابعين للنظام السابق ضالعون في جرائم بن علي فيه جانب كبير من الخطأ. الكل يعرف ان وزراء بن علي و طوال 23 سنة من حكمه هم مجرد تكنوقراط لا ناقة لهم و لا جمل، في ما عدا مكاتبهم الصغيرة، و من خالف هذه القاعدة فإن مصيره اما الإقصاء او الملاحقة، مثل أحمد فريعة وزير الداخلية الحالي و محمد جغام وزير السياحة و التجارة العائد الى الحكومة و منصر الرويسي وزير الشؤون الاجتماعية و الطيب البكوش وزير التربية و الذي كان مشرفا على المعهد العربي لحقوق الإنسان. اما محمد النوري الجويني و كمال مرجان من الحزب القديم فيشهد لهم بالكفاءة و نظافة اليد، و لي تحفظ وحيد على زهير المظفر منظّر النظام السابق و مهندس التحويرات الدستورية التي أبّدت بن عي في الحكم.

و تحفظ الذاكرة التونسية اسمين استقالا من حكومة بن علي و هما عبد المجيد الشرفي وزير التربية السابق و عياض بن عاشور عضو المجلس الدستوري سابقا.
حلان الآن في تونس لا ثالث لهما، إما تجاوز الأزمة و المحافظة على أسس الدولة و مؤسساتها، الى حين تشكيل الأسس القانونية و الدستورية للحكومة الجديدة و اما الدخول في نفق من الفوضى لا قاع له، سيدفع الشعب التونسي ثمنه غاليا، و الخوف كل الخوف ان تخطأ المعارضة التونسية فهم الشعب التونسي مرة اخرى، بعد ان كانت أخطأت سابقا حين تركته وحيدا يواجه اعتى آلات البطش و اعتبرته مجرد quot;غبار أفرادquot; بحسب تعبير الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

لا شك انه هناك نية مبيتة لإطالة عمر الأزمة، فأحزاب الموالاة التي أقصيت من الحكومة سوف تعمل جاهدة على إرباك العملية الانتقالية اما بقايا الحزب الحاكم فلن ترمي المنديل بسهولة، في حين ترى الأحزاب الراديكالية و الإسلامية ان التضحيات التي قدمتها طوال سنوات الحديد و النار تعطيها احقية المشاركة السياسة، الى كل ذلك مجتمعة تضاف عصابات امن الرئيس السابق التي آلت على نفسها حرق الأرض و من عليها.

اين الشعب التونسي و ثورته من كل هذه الحسابات؟ الكل يتحدث باسمه في التلفزات و التصريحات، لكن في الواقع يواصل التونسيون ثروتهم دون سند و لسان حالهم يقولquot;لكم حساباتكم و لنا ثورتناquot;.
كنا جالسين في احد مقاهي العاصمة، عندما تناهى الى مسامعنا بان مسيرة وربما مواجهات تقترب منا فما كان منا و من صاحب المقهى و المارة الا الفرار خوفا على أرواحنا و ممتلكاتنا. خوف و رعب ساد الجو في لحظة كنا نترقب فيها انفراج الأزمة مع اعلان الحكومة الانتقالية، فهل هذا ما يبحث عنه دعاة نصب الخيام و العصيان المدني و إطالة الأزمة، و الشيطنة، فيا خيبة المسعى، يا خيبة المسعى.

تونس