في مقالي الأخير قلت إن التغيير في مصر قد فرض نفسه منذ زمان، وخصوصا قضية التوريث والرئاسة الدائمة، وكان بإمكان الرئيس المصري، منذ وقت طويل، ترشيح بديل مرموق من داخل حزبه نفسه، مقبول شعبيا.والفقر في مصر وفوارق الطبقات من كبريات مشاكل مصر، وكان واجبا القيام بإصلاحات اجتماعية واقتصادية ناجعة لحل مشاكل الفقر والبطالة. ولكن هذا لم يحدث مع الأسف.

إن موقف النظام المصري في ردع الإخوان هو موقف صائب لأن البديل الإخواني سيكون كارثة الكوارث، مثلما كان نظام خميني أكثر كارثية من نظام الشاه برغم أن مبارك، وبرغم تحكمه وتفرده، ليس كالشاه.

إن الغضب الشعبي على مشاكل البطالة والفقر ومبدأ الرئاسة الأبدية غضب مشروع، وفي الوقت نفسه، فإن على القوى الديمقراطية واليسارية وكل القوى العلمانية المصرية التفكير الجدي والحاسم في احتمالات البديل، إن كانت القضية هي التطويح بمبارك، وليس تشديد الضغوط من أجل حمل النظام على قيام بإصلاحات جدية في مختلف المجالات.

إن أميركا تعلن الحياد بين النظام ومعارضيه، وهذا يذكرنا بموقف كارتر حين نفض اليد من الشاه، ولكنه انحاز لخميني. ونعرف العواقب الموجعة على إيران والمنطقة وأمن العالم. والتلفزيون الفرنسي راح يلمع صورة الدكتور البرادعي كخليفة لمبارك. وهذا أيضا يذكرنا بتلميع نفس القنوات والمحطات لخميني، وإرسال وفد تلفزيوني فرنسي للنجف لإقناعه بالهجرة لفرنسا. وكانت الخارجية مع والمخابرات الفرنسية ضد وجوده. وطبعا البرادعي ليس خميني ولا هو من الخمينيين، ولكنه متحالف مع الإخوان، وقد عرف بممالأته للنظام الإيراني في الموضوع النووي، ولحد عدم نشر تقرير سري خطير عن قدرات إيران النووية. والبرادعي هو بلا قاعدة شعبية، وبلا حزب يدعمه، وقد قضى سنوات طويلة في أوروبا دون تماس مباشر بمشاكل مصر وإشكاليات الوضع فيها، وإن تعاونه مع الإخوان لا يبشر بأي خير، وسيكون تحت رحمتهم لو جاء رئيسا.

وهكذا تبدو لي في هذه اللحظة الصورة مقلقة جدا وغير واضحة. هناك في رأيي مأزق خطير، فإذا تراجع مبارك أمام المظاهرات اليوم وقدم تنازلات كبرى، فإنه سيضعف موقفه وموقع النظام كما كانت الحال مع بن علي؛ وإذا استخدم القمع الدموي فسوف يجابه بغضب شعبي أشد وباستنكار دولي ومن الغرب نفسه، وقد يجبر على المغادرة.

في كل الأحوال، فإن القوى الديمقراطية والعلمانية المصرية مدعوة إلى درس شامل للوضع والاحتمالات الممكنة، وإن مجرد الغضب لا يغني عن التحليل العميق والهادئ والتفكير بكل الاحتمالات. فليست القضية هي مجرد بقاء أو رحيل حسني مبارك، وإنما قضية البديل المناسب لكيلا تقع مصر والمنطقة كلها في دوامة ظلامية شاملة، تهيمن عليها إيران وكل المتطرفين الإسلاميين.

نعم، إنه لمأزق. فهل يمكن للعقلاء بعيدي النظر في السلطة والحزب الحاكم وفي المعارضة العلمانية الديمقراطية وبين الشباب المتنور أن يجدوا الصيغة المناسبة للخروج من المأزق بما يخدم استقرار مصر ويحفظ مكاسب العلمنة وحقوق المرأة وسياسة الاعتدال الخارجية والعربية، مع تحقيق جملة من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية العميقة؟؟ يا ليت هذا سيكون هو المخرج. وعاشت مصر.