كان من الواضح منذ تعيين ميدفيديف في منصب الرئاسة الروسية عام 2008 أنه رئيس مؤقت للبلاد، لأن الوضع الدستوري الروسي لم يكن يسمح لفلاديمر بوتين بالترشح لولاية ثالثة، والرئيس بوتين كان حريصا على أن لا يقدم على تغيير الدستور بما يسمح له بولاية أخرى لأن ذلك كان سيثير عليه الرأي العام الروسي الذي رأى جزء منه في بوتين استمرارا لحكم القياصرة أو الزعماء الشيوعيين التقليديين. ومع ذلك، فإن البعض الآخر اعتقد أن بوتين الذي تولى رئاسة الحكومة خلال فترة رئاسة ميدفيديف quot;الانتقاليةquot; قد أصبح زاهدا في السلطة، وأنه يمكن أن يكون استثناء في التجربة الروسية الحديثة، تجربة الرئاسات الشيوعية الأبدية، في غالبيتها، لإعلانه المتكرر بأنه ديمقراطي وليبرالي على عكس زعماء الحزب الشيوعي، وبالتالي فلن يقبل أن يسجل عليه أنه تشبث بالسلطة الأولى في البلاد عبر الاستعانة بالأساليب الفردية والتسلطية.

لكن بعد إعلان مدفيديف ترشيح بوتين للرئاسة بعد أن حظي هو بترشيحيه لتولي رئاسة لائحة الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية المقبلة مما يعني عمليا ترشيحه لرئاسة الوزراء ظهرت على السطح تعليقات روسية تتهكم وتسخر من توزيع الأدوار بين بوتين ومدفيديف الذي اعتبره بعض الروس مجرد مدفأة لمقعد الرئاسة بانتظار عودة بوتين إلى مركزه الأصلي.

تذكرت، وأنا أسمع لأول مرة خبر ترشيح مدفيديف لبوتين لمنصب الرئاسة، حديثا نبويا شريفا يقول: quot;لعن الله التيس المحللquot;. والتيس المحلل في التقليد الاسلامي هو الرجل الذي يعقد قرانه على زوجة تم تطليقها ثلاث مرات مصداقا لقوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. على أن يبادر إلى تطليقها هو أيضا باتفاق مسبق مع الزوج السابق قبل الدخول بها ليجوز لهذا الأخير إعادتها إلى عصمته، بدعوى أنها تزوجت رجلا غيره كما هو مفترض لأنه منصوص عليه في الشريعة الاسلامية، ذلك أن المشرع يرفض هذا النوع من التلاعب بأحكامه.

وأعتقد أن الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة لوضع مدفيديف الذي اضطلع بدور quot;محلل الرئاسةquot; لولاية ثالثة بالنسبة لبوتين. وهذا ما دفعني إلى توصيف هذه الديمقراطية بديمقراطية التيس المحلل.

صحيح أن هذا الإجراء لا يتناقض نصا مع الدستور المعتمد في روسيا، غير أنه يشكل نوعا من التحايل البعيد كل البعد عن روح النص الدستوري، الذي حدد مدة الترشيح بدقة بحيث لا يسمح لأي رئيس أمضى ولايتين متتاليتين في الحكم أن يتقدم لولاية ثالثة. وهنا تكمن المشكلة لأن الهدف من تحديد الولايتين الرئاسيتين هو حماية المؤسسات الدستورية من تأويلات سلطوية تبعدها عن أداء دورها في تثبيت نظام المؤسسات.

وصحيح، أيضا، أن مدفيديف قد ذاق ما تيسر من عُسيلة السلطة المركزية الأولى في البلاد قبل أن يترك الوظيفة لصاحبها الأصلي. غير أن هذا يشكل سابقة دستورية في الإبداع في خرق الدستور والتنكر لروحه وإن بطريقة تبدو في الظاهر ديمقراطية إلى أبعد الحدود، خاصة بالنسبة لمن يكتفي بالتعاطي المباشر مع النص الدستوري دون النظر إلى روحه، وإلى الأعراف في مختلف البلدان التي اختارت نظام الولايتين المتتاليتين.

وفي كل الأحوال، قد يقول البعض أين يكمن الفرق بين الرجلين ما داما ينتميان إلى حزب حاكم واحد وهما قد قررا تداول السلطة بينهما على رأسه؟ إضافة إلى أن تثبيت بوتين على رأس السلطة سيكون عبر انتخابات تعددية مفتوحة حتى مع العلم أن نتائجها شبه محسومة حتى قبل إجرائها. أو ليست هذه قواعد اللعبة الديمقراطية ومنطق هيمنة الحزب الأقوى على مجمل مراحل العملية السياسية؟