لم يسجل في التاريخ الانساني السوي ان أمة تتبرع بابنائها الى أمم اخرى دون رادع وطني او قومي او انساني او ديني او حتى اخلاقي. لكن سجل ذلك في امتنا العربية المغلوبة على امرها في كل شيء وليس أول الاشياء ولااخرها اغتصاب العروبة نفسها من قبل حفنة من تجار السياسة ومدمني كراسي الحكم ووعاظ السلاطين والطبول الفارغة التي تسمى في بلادنا العربية ظلما وغدرا وسائل الاعلام.

مصيبة امتنا انها لاتعمل بانسانيتها ولاحتى من باب الاستعارة والاقتباس، بل انها بحثت عن بديل طائفي مقرف ونصبته على الرماح للتلويح به امام كل مواطن يطالب بحقه الانساني والدستوري والشرعي، وقد يكون حكام العراق ومنذ تأسيس الدولة العراقية وحتى نيسان 2003 هم رواد الامة و الابرز على الاطلاق في تحفيز عناصر هذه المعادلة الطائفية المقيته، لسبب جدا بسيط ومختصر لانهم ينتمون جميعا لاقلية طائفية اغتصبت الحكم على حساب الاكثرية، لذلك الاكثرية تكون وطنية وعراقية اذا خنعت واستسلمت واذا حدث العكس وهذا ماكان يحدث دائمأ من خلال مقاومة نظرية الاستفراد والاقصاء هذه فحينها ستتحول الاكثرية الى مجموعة عملاء خونه فرس صفويين! مع العلم أن هولاء الفرس المزعومين يمثلون اكثر من 75 % من تعداد الشعب العراقي. ولا احد يعرف ماذا بقي للعراق من عروبته دون هولاء الفرس المزعومين!

وكنتاج للعملية الدستورية والديمقراطية في العراق الجديد وبعد ان اصبح صندوق الانتخابات ونتائج التصويت هي الحكم الفاصل في حكم العراق يبدو ان الريادة في تحفيز هذه المعادلة الطائفية والتلويح بها قد أنتقلت الى بلدان عربية اخرى طبعا مع وجود بقايا رواسب في العراق. ولكن الغريب ان حتى ربيع الثورات العربية لم يسلم من هذه الخزعبلات الطائفية وستكون مفارقة مدهشة حينما حاول نظام حسني المخلوع وهو يلفظ انفاسه في الساعات الاخيرة ان يحفز العرب بان الاحداث في مصر تحركها ايران والشيعة !! لكن قطار ميدان التحرير كان قد مضى برحلته التاريخية في اسقاط صنم مصر ولم تنفعه هذه النكته الطائفية المتاخرة والمسخة جدا. من جانب اخر ان بلدان عربية تقاطع رئيس الحكومة العراقية فقط لانه شيعي لااكثر مع العلم ان السيد المالكي اكثر شرعية من غالبية الحكام العرب بل وأقل طائفية منهم. ومفارقة عربية اخرى ان ترسل بلدان عربية طائراتها الحربية لقصف ليبيا في سابقة خطيرة بكل معنى الكلمة تتم تحت يافطة دعم الثوار في ليبيا وهي في اقصى الغرب العربي لكن نفس هذه البلدان ترسل جيوشها الى البحرين ليس لدعم المطالب السلمية للشعب هناك بل لمحاربة الشعب نفسه هذه المرة تحت غطاء وتعتيم اعلامي يندى له الجبين اذا كان فيه بقايا عروبة أصيلة، لكن كل ذنب أهل البحرين انهم شيعة بحرنيين عرب يطالبون بحقوقهم الدستورية والانسانية فكان ان تم تحويلهم على وجه السرعة الى عملاء فرس صفويين! وهذا ماحدث ويحدث في بلدان عربية اخرى. يقابله ابناء المشروع التركي العثماني العلني من اتباع اوردغان كما يحدث في احداث سورية.

ان مايحدث في امتنا العربية بحاجة الى مراجعة عقلانية شاملة وسريعة والا الامور في طريقها الى الكوارث عاجلا ام اجلا، لان فوهات المدافع والدبابات ومعها عدسات التزوير التلفزيوني والصحف العربية الصفراء جميعها عاجزة عن تغير الحقائق على الارض كما هي عاجزة عن تغير حقائق التاريخ والجغرافية.ولان ارادات الشعوب وتطلعاتها الدستورية الديمقراطية واحلامها الانسانية سوف لن تلتفت الى التزوير بل ان محاولة سحب عروبتها سيكون الحبل الذي يلتف على رواده قبل غيرهم كما حدث مع كل حكام العراق الطائفيون باستثناء مرحلة الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم. ولان العروبة هي مسالة وعي وايمان يستوطن النفس وليس بضاعة كاسدة في سوق النخاسة السياسية والاعلامية في البلاد العربية لذلك لاشيعي عربي على الاطلاق ينتظر صك عروبته من حاكم متجبر او من وعاظ السلاطين او طبول الاعلام الفارغة او حتى من اصحاب قصعة الحكم.


[email protected]