هذه شذرات أفكار مصوبة في كل الاتجاهات، فعندما لا تجد ظهيراً تستند إليه، وتأتيك الضربات من اليمين واليسار، من أعلى ومن أسفل، ولا تدري إن كانت هناك بالفعل جهة تعمل لإنقاذ الوطن، أم أن الجميع باختلاف مشاربهم وكل في اتجاهه يسرع باتجاه quot;خراب مصرquot; وليس quot;خراب مالطةquot; كما اعتدنا أن نقول. . في مثل هذه الظروف التي يتمزق فيها الإنسان من الداخل، تتمزق أيضاً الأفكار وتتشظى متبعثرة هنا وهناك:

هل يقوى المجلس العسكري على الاعتذار عن مذبحة الأقباط يوم الأحد 9 أكتوبر في ماسبيرو، اعتذاراً قولياً معلناً وشجاعاً، واعتذاراً عملياً بمحكمة أمن دولة عليا أو بالمحاكمة العسكرية العاجلة لكل من ساهم في الجريمة، بداية من التمهيد للمأساة في قرية المريناب، وصولاً إلى من أطلق المدرعات والرصاص على شباب مصر، وألقى بجثث بعضهم في النيل؟!!
تأتي الكراهية دائمة قبل القتل وكمقدمة لازمة له، فمن أطلق المدرعات لتدهس الأقباط سبق وأطلق الظلاميين القتلة من السجون والمعتقلات، ليدهسوا الشارع المصري بفكر الكراهية والتكفير والعداء لكل الدنيا وليس للأقباط فقط، فقبل تكفير الأقباط كانوا قد كفروا العلمانيين والليبراليين والاشتراكيين، كفروا كل من عداهم قبل أن يستديروا كالعادة لتكفير بعضهم بعضاً. . لا أعتقد أن المجلس العسكري يقيم اعتباراً لمئات المقالات للمفكرين الذين يدعون لموقف حاسم في مواجهة الظلاميين، فهاجسه الأول فيما أعتقد هو ما يستطيع الظلاميون تجييشه ممن تم تربيتهم على كراهية الحياة وليس فقط كراهية البشر، والمستعدون لفعل أي شيء وكل شيء يُطلب منهم، فرغم التزامهم يوم المذبحة، إلا أنهم قد بدأوا يهددون ويتوعدون، ونحن من خبراتنا وخبرات العالم كله نعرف ما يمكن لهؤلاء أن يفعلوا، وحجم الدمار والدماء القادرون على سفكها وهم منتشون مهللون مكبرون.
الأوضاع في مصر مهيأة تماماً ليس لحرب أهلية طائفية، ولكن لاعتداءات همجية من طرف واحد منظم ومدرب على سفك الدماء والتخريب، مقابل مسالمين مصريين من مسلمين ومسيحيين، غير قادرين حتى على دفع اللطمات عن وجوههم، في حين أن السادة الممسكين بمقاليد الأمور مازالوا مصممين على لعبة حافة الهاوية والتوازنات المباركية، غير مدركين أن الأمور قد تعدت حدودها التقليدية، وأن النيران لو اشتعلت لن تبقي ولا تذر!!
بعد كل مذبحة للأقباط يطلبون منا الصمت ملوحين باتهام أننا نشعل فتنة طائفية، ولا يفكرون أبداً في أداء ما عليهم من واجبات لاستئصال هذه الفتنة. . هذه المرة لن أصمت، ولن يصمت أحرار هذا الوطن من مسلميه قبل مسيحييه، ولنر إن كانوا سيتركون الجناة المجرمين ويستديرون لضرب الضحية لأنها تصرخ. . لا ينبغي لنا أن نلوم الثورة، فلا أرى أمامي إلا سياسات مبارك الذي لم يتم خلعه، ولكنه تنحى جانباً، ليحل محله آخرون يسيرون على ذات النهج، وإن كانت أياديهم أكثر رخاوة على المجرمين، قوية على الأبرياء المسالمين، بل ربما ينبغي أن نقول شكراً لحبيب (غير) العادلي وفتحي شرور وصفوت (موافي)، فقد كانوا رحماء بالثوار وأحضروا جمالاً وخيولاً لتدهسهم بدلاً المدرعات التي دهست الأقباط!!
حجم الجماهير التي حزنت لمصرع بن لادن، وتشييع الآلاف بالتكبير quot;حمام الكمونيquot; بطل مذبحة الأقباط ليلة عيد الميلاد 2010 في نجع حمادي بعد إعدامه أخيراً، يجعلنا نقول أنه ربما تزوير الانتخابات في عهد مبارك كان يأتي لمجلس الشعب بعناصر ليست أفضل ولكن أقل سوء ممن قد تأتي بهم إرادة الشعب الحرة، وسوف نرى قريباً كيف يمكن أن يتحقق هذا عملياً. . الأسوأ في بلادي هم الأكثر شهرة ومحبة من قبل الناس، واسألوهم عن من هم نجوم مصر الآن من سائر رموز التحريض على الكراهية بين أبناء الوطن الواحد!!. . هل هناك بالفعل من يصدق أن عموم الشعب المصري يطلب الحرية، وإن كان فهل تكون هي حرية قتل بعضنا البعض بمختلف الدعاوى وعلى رأسها التكفير؟!!
لا أعتقد أن تناول التليفزيون الرسمي لمذبحة ماسبيرو كان تحريضاً فعالاً ضد الأقباط، بأكثر من تحريض القنوات الخاصة (التجارية) التي تستضيف الظلاميين لتكفير وشيطنة الأقباط، الكل يتاجر بما حدث ويحدث، الإعلام الرسمي ينافق الحاكم، والإعلام الخاص يتاجر وينافق الشارع الغوغائي المتعصب، على الأقل استجلاباً للإعلانات في برامج quot;التوك شوquot;، أو لتعظيم مبيعات الجرائد بالمانشيتات الصارخة بالتحريض والشذوذ، ففي مقابل بعض المقالات المستنيرة أو التي تتشح بالاستنارة، نجد المعالجات التحريرية ومانشيتات الأخبار وطريقة صياغتها تتجه في أغلبها لتأليب الشارع على الأقباط، وإظهارهم بمظهر المعتدين والمخالفين للقانون الذي لا يكاد أحد في مصر يحترمه من عدة عقود وليس فقط الآن بعد تراخي القبضة الأمنية للدولة، فكمجرد مثال واحد من بحر التزييف والكذب عندما نطالع هذا العنوان: quot;المصرى اليوم | مارى ملاك لـlaquo;تقصى الحقائقraquo;: كنيسة laquo;المارينابraquo; مخالفة للقانونquot;، نجد العنوان يشير لشهادة مسؤولة إدارية مسيحية أن الكنيسة مخالفة للقانون، في حين أن فحوى الخبر أن تجاوز الارتفاع فقط هو المخالف للقانون!!. . تتركز الحملات الإعلامية الآن ضد معالجة التليفزيون الرسمي المشوهة والمحرضة في أحداث ماسبيرو، لكن الحقيقة أننا جميعنا ملوثون متعصبون متاجرون ولامهنيون.
لا بأس، أنا مع تفعيل القانون حتى ولو كان لا يستيقظ من إغمائه أو موته السريري إلإ ليساند ويبرر غزوات الغوغاء على الكنائس، لكن المزري أن من يتحدثون عن مخالفة الكنيسة لقانون البناء يفوتهم أمراً ربما يبدو هيناً في نظرهم، وهو أن هذا لا يمكن أن يكون أبداً مقابل ذاك، فالقانون يمنع أيضاً أعمال الحرق والهدم والقتل الذي تمارسه الغوغاء، في ذات الوقت الذي تنظر إليهم السلطات والمسؤولين حتى مستوى محافظ أسوان في بلاهة واستحسان وتشجيع، ليخرج بعد ذلك سيادته للإعلام معلناً أن الأمر بسيط، حيث خالف الأقباط القانون وقام الشباب المسلم بتصحيح الوضع، واعترف الأقباط بخطأهم وانتهى الموضوع، ومازال هذا المحافظ اللواء الهمام على كرسيه لم يرتعش له جفن!!. . التعصب مثل سوس الخشب، إذا تسلل إلى عظام إنسان يستحيل أن يخرج منه إلا بالحرق، ولقد بدأ السوس بغزو الجسد المصري منذ انقلاب من سموا أنفسهم quot;الضباط الأحرارquot;، فما دمره انقلاب يوليو 52 في ستة عقود قد يحتاج لستة قرون لإعادة بنائه!!