فكرة quot;تحسين صورة أمريكاquot; التي سيطرت علي سياسة الرئيس باراك أوباما في الشرق الأوسط، منذ استلامه السلطة أوائل عام 2009 وإعلانه في جامعة القاهرة: أنه سينتهج إستراتيجية مختلفة عن أسلافه في التعاطي مع العالم الإسلامي، خاصة التعامل مع حركات الإسلام السياسي التي تنبذ العنف مثل جماعة (الإخوان المسلمين)، حتى ولو أنها تدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية في بلدانها، جاء تحت تأثير quot;اللوبي الإخوانيquot; المتغلغل في شريان ومفاصل إدارته، وعلي حساب القيم quot;الليبراليةquot; الديمقراطية الأمريكية أولا والليبراليين العرب في الشرق الأوسط ثانيا.
ورغم أن من قام بالثورات في تونس ومصر هم الشباب الليبرالي الذي لاينتمي لأي تيار سياسي او حزبي او تنظيمي, وإنما يمتلك النقاء والشجاعة والوطنية والوعي، حيث نجح بأدوات العلم والتكنولوجيا في معركة الحداثة ومابعدها، فقد سارعت إدارة أوباما بإعداد quot;خطة لإجهاض المد الثوري في مصرquot;، بالتزامن مع أختطاف الإسلاميين (الإخوان المسلمين والسلفيين) للثورة بإعتبارهم القوة الأكثر تنظيما وعنفا، تماما كما فعل البلاشفة مع الثورة الروسية عام 1917 وأنصار الإمام الخوميني مع الثورة الإيرانية عام 1979.
أهم رسالة حملها الشباب الليبرالي في ثورة 25 يناير للعالم، هي: ان الديمقراطية والنظام السياسي الليبرالي ليس مجرد مفهوم غربي (أو مؤامرة أجنبية خارجية) بل إنه ينطوي علي جاذبية إنسانية عالمية، تدعمها الرغبة في التقدير الذاتي والاحساس بالكرامة، وأن السعي الفوز بالديموقراطية أمر ممكن في مرحلة مبكرة من عملية تحديث أي بلد، وليس تتويجا لعملية تحديث طويلة المدي، لأن الإنسان هو الذي يصنع الحداثة بنفس القدر الذي(يصنع) داخلها.
لا يمكن الحديث عن الصراع بين (الإسلاميين والليبراليين) في الثورة المصرية، بعيدا عن موقف المجلس العسكري الحاكم فهو لاعب أصيل وليس مجرد quot;طرف محايدquot;، هو يعلم ndash; أكثر مما يعلم أوباما نفسه ndash; أن الولايات المتحدة تؤيد مساحة أكبر للإسلاميين في العملية السياسية علي حساب دوره التاريخي منذ يوليو 1952، كما يعلم أن الديمقراطيين (أسم علي غير مسمى) لا يفضلون الديمقراطية الليبرالية في المنطقة، لأن التعامل مع الأنظمة العسكرية أو الأنظمة الدينية من خلال quot;رجل واحدquot; أسهل كثيرا، ومن هنا جاءت quot;وثيقة السلميquot; ndash; علي غير رغبة أوباما وخطته ndash; لتقتطع جزءا أكبر من (كعكة السلطة) لصالح القوات المسلحة وتحافظ علي صلاحياتها وحصانتها المطلقة، وهو ما ينذر بصدام محتمل قد تتغير معه المعادلة السياسية في مصر مع الانتخابات البرلمانية بعد أيام.
لم تتوقف إدارة أوباما عن دعمها للإسلاميين ضد الليبراليين في دولة دون أخري في الشرق الأوسط، ففي أحد خطابات أوباما الأخيرة تكلم عن وضع البحرين وطلب من الحكومة أن تتعامل مع quot;جمعية الوفاقquot; بالإسم، وهي جمعية إسلامية شيعية تربطها علاقات وثيقة بأمريكا، دون أن يذكر رئيس أكبر دولة ديمقراطية ndash; يفترض أنها تؤمن بالتعددية والتنوع والاختلاف - أيا من تيارات المعارضة السياسية الرئيسية الأخري أو يدعو الحكومة البحرينية إلي التحاور مع قوي المعارضة في المطلق!
ناهيك عن أن موقف أمريكا الداعم quot;للإخوان المسلمينquot; في سوريا اليوم، يكشف بوضوح كيف يقود quot;اللوبي الإخوانيquot; الولايات المتحدة إلي المربع الخاطئ دائما؟.. واقع الأمر يختلف كثيرا عما تردده تركيا وقطر وهو: أن دعم quot;الإخوان المسلمين السنةquot; المنتمين إلي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يمنعهم من العودة إلي سياساتهم القديمة، والحجة : أن هناك جماعات وأطرافاً من تنظيم الإخوان المسلمين لهم علاقات خاصة مع إيران مثل quot;حركة حماس وحركات أخوانية مهمة في مصر وتونس ولبنان والأردن.
كما أن الرهان على صنع جبهتين للأخوان المسلمين، إحداهما لا تلتقي مع الأخرى، أي جبهة تؤاخي تركيا والأخرى تؤاخي إيران، مما يساعد علي ارتفاع حدة العداء والفرقة بينهما، هو رهان فاشل، لأن دستور الجماعة وأهدافها الاستراتيجية كما صاغها quot;سعيد حوىquot;، أحد أبرز قادة الإخوان المسلمين في سوريا، في كتابه quot;جند اللهquot;، عكس هذا الرهان تماما : quot;ان على المسلمين في كل قطر أن يكونوا يدا واحدة، وهذه فريضة، وأن تكون لهم قيادة واحدة، وهذه فريضة، وأن يعدوا العدة كاملة لقيام حكم إسلامي، ولإستئصال كل ما عداه، وهذه فريضة، وأن يمدوا أيديهم لإخوانهم في الأقطار الأخرى، وهذه فريضة، وأن يقيموا وحدتهم، وهذه فريضة، وأن يوجدوا خليفتهم، وهذه فريضة، وأن يعبئوا طاقتهم، وهذه فريضة، وأن ينشروا الإسلام في العالم كله، وهذه فريضةquot;. (ص413).
هذا من ناحية، من ناحية أخري فإن دعم الحركات السلفية في المنطقة لتكون شريكة أيضا في الأنظمة المرتقبة هو أيضا خاطئ. ليس صحيحا أن بإمكان الولايات المتحدة أن تجعل من الحركات السلفية quot;بعبعquot; ضد الأخوان أو ضد إيران، فهذا هو الوهم بعينه، فلم تشفع المساعدة التي قدمها الغرب لليبيين، أمام الإسلاميين علي اختلاف فصائلهم، الذين نشطوا على وقع الثورات العربية. ووجدوا في الساحة الليبية أول ميدان لتصفية حساباتهم القديمة مع الغرب خصوصا الولايات المتحدة، ورفعت أعلام تنظيم القاعدة فوق العلم الليبي علي مبني هيئة القضاء في بنغازي والذي اعتمد مقرا للحكومة الانتقالية ومركزا إعلاميا للثوار، والذي أعلن منه اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للقوانين الليبية، والمغزي الأهم الذي أراد الثوار إيصاله هو: أن أوباما قتل quot;إبن لادنquot; ولكن quot;أبناء بن لادنquot; بالآلاف في شمال إفريقيا.
أخطر ما تردد أخيرا هو ما زعمه رئيس الإستخبارات الإيرانية في إطار الحرب الدائرة الآن مع الاستخبارات الأمريكية، وسواء كان هذا صحيحا أم بالون أختبار أم حرب نفسية، فهو يهدف إلي إرسال quot;رسالة واضحةquot;: أن ذراع إيران بواشنطن وصل لأبعد مداه عن طريق quot;الإسلاميينquot;، وأن كلا من إيران والإخوان تمكنا معا من الإستفادة من الولايات المتحدة بما يخدم مصالحهما الاستراتيجية، وقد تكشف الأيام القادمة عن quot;وثائق سريةquot; بحوزة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتضمن مستندات خطيرة سربت من داخل واشنطن وتتحدث عن ضلوع أميركا بإغتيال شخصيات مهمة، بعضها نجح والبعض الآخر فشل، إستطاعت الإستخبارات الإيرانية أن تجمعها منذ سنوات طويلة وخاصة في الثلاث سنوات الأخيرة حيث تضاعفت هذه المستندات!

[email protected]