أتابع بأسى وحزن وألم ما يحدث فى ميدان التحرير هذه الأيام، وأحاول أن أفهم أسبابه ومصر مقبلة على إنتخابات قد تكون الأهم فى تاريخها الحديث، وأرى مجموعة من الشباب المتحمس الهائج الثائر يريد تدمير كل شئ ويعتقد أن ما يفعله فى صالح مصر، ومجموعة أخرى تعمل من خلف الكواليس تجهز للإنتخابات وتتصل بالشعب فى كل مكان وتعطيهم اللحوم والزيت والسكر والوعود، والأغلبية العظمى من الشعب تشاهد ما يحدث على شاشات التليفزيون باسى وألم أيضا على ما وصلت إليه حال البلد، ووصل الحال إلى أننا أصبحنا نسمع أنه قد تم التوصل إلى quot;وقف إطلاق النارquot; بين متظاهرى التحرير وبين قوات الشرطة!! وأنه قد جرى خرق لوقف إطلاق النار وكأننا نشاهد حرب بين دولتين.
ولقد ذهلت من إرتفاع أرقام الضحايا الغريب ويبدو أن الشرطة تستخدم أنواعا جديدة من قنابل الغازات المسيلة للدموع لم يتم تجربتها من قبل، ولقد تعرضت أنا شخصيا للغاز المسيل للدموع أثناء مظاهرات طلبة جامعة القاهرة، وكل ماكان يفعله الغاز هو إحتقان فى العين والدموع وربما ضيق تنفس وقتى، ولكن هذا الغاز الجديد أدى إلى وفاة العشرات، الأمر الذى يستوجب تحقيق سريع لمعرفة المتسبب عن إستيراد هذا الغاز وإستخدامه، ومعرفة مكونات هذا الغاز ووقف إستخدامه فورا.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فلست أدرى سر هذه الغضبة المفاجئة على المجلس العسكرى الذى حكم البلاد فى هذه الفترة الصعبة فى تاريخ مصر، وتعالوا نقوم بجرد حسنات وسيئات هذا المجلس:

حسنات المجلس:
أولا: رفض إطلاق النار ضد ثوار 25 يناير كما حدث فى البلاد العربية الأخرى،وركب الناس دباباته وكتبوا عليها يسقط حسنى مبارك وتصور العرسان صورا تذكارية أمام دباباته بدون أن يتعرض لهم أحد، ولا يستطيع أحد أن يقول بأن هذه وظيفة القوات المسلحة، لأن الواقع حولنا أكد عكس ذلك فى سوريا واليمن وليبيا والبحرين.
ثانيا: قاموا بالضغط على حسنى مبارك للتخلى عن الحكم.
ثالثا: قاموا بإعتقال كل أعمدة نظام مبارك وأسرته ومبارك نفسه ووضعوهم أمام المحاكمة، سوف يقال أنه فعل ذلك تحت الضغط الشعبى، هذا صحيح، ولكن كان بإمكانه أيضا أن يركب رأسه و لايستجيب لأى ضغط شعبى.
رابعا: أطلقوا حرية إنشاء الأحزاب وكانت أحد مطالب الثورة، وتكون فى مصر حوالى 55 حزب.
خامسا: تجاوبوا مع مطالب الثورة فى الحرية فأطلقوا حرية التعبير بشكل لم يسبق له مثيل فى تاريخ مصر سواء عن طريق الجرائد الصفراء والخضراء والحمراء وقنوات تليفزيونية لا حصر لها.
سادسا: أقالوا أحمد شفيق من رئاسة الوزارة وعينوا مكانه عصام شرف وهو من زعماء ميدان التحرير والذى رفعه الثوار على الأعناق فى بدايات الثورة.
سابعا: قاموا مؤخرا بقبول إستقال عصام شرف بعد أن هتف الثوار مرة أخرى بإسقاطه.
ثامنا: حددوا موعدا لبدء الإنتخابات البرلمانية فى 28 نوفمبر 2011.
تاسعا: حددوا موعدا لإنتخابات الرئاسة فى 30 يونيو 2012
عاشرا: شجعوا وثيقة السلمى وهى وثيقة هامة جدا ليست لصالح الجيش ولكن لصالح الدولة المدنية ولهذا أغضبت تلك الوثيقة الأحزاب الإسلامية أكثر من غيرها، كان من المفروض على الأحزاب الليبرالية واليسارية الوقوف بجانب الجيش وبجانب وثيقة السلمى مع عمل تعديلات بسيطة بها للحد من صلاحيات الجيش، وهذا ما حدث بالفعل من جانب بعض العقلاء وتم تعديل بعض بنود الوثيقة للحد من صلاحيات الجيش، ولكن هذا لم يعجب الأخوان أو السلفيين لأنهم ضد الدولة المدنية، فقاموا بجمعة قندهار الثانية التى أدت إلى ما نحن فيه اليوم.
أما عن سيئات المجلس العسكرى:
أولا: فشل فى تحقيق الأمن فى البلاد، فإنتشرت الفوضى، وساعد على ذلك إساءة فئات كثيرة من الشعب فى إستخدامها للحرية، ولم يدركوا أن مع الحرية تأتى المسئولية.
ثانيا: فى أحيان كثيرة كان المجلس يتحرك بناء على ردود الأفعال ولم يأخذ مبادرة الفعل، الأمر الذى شجع المظاهرات والإضرابات وقطع الطرق، ومن quot;أمن العقاب اساء الأدبquot;.
ثالثا: فشل فى تأمين المتظاهرين فى مذبحة ماسبيرو، بل وقتل من المسيحيين العديد فى تلك المذبحة، بدون أى حساب أو عقاب، وحتى اليوم على الرغم من مرور حوالى شهرين على تلك المذبحة لم نسمع عن نتائج التحقيق، ومن المتسبب فى قتل 25 مصريا مسيحيا فى ليلة واحدة.
رابعا: فشل المشير طنطاوى فى خطابه الأخير فى إقناع الشعب أنه سيقوم بتحقيق فورى لمحاسبة المتسبب عن قتل 30 أو أكثر من المتظاهرين فى ميدان التحرير.
...
وإجمالا كان أداء المجلس العسكرى لا باس به بالنظر إلى عدم خبرة أعضائه بالحياة السياسية، لأن ضباط الجيش بطبيعتهم متعودين على أخذ الأوامر وتنفيذها. ولكن أيا كان تقييمنا لأداء المجلس العسكرى، فإنه يمثل القوات المسلحة والتى تعتبر المؤسسة الوحيدة المتاسكة فى مصر الآن، وأى محاولة لإسقاط المجلس العسكرى، إنما هى محاولة سواء كانت بقصد أم بدون قصد لإسقاط الدولة المصرية كما عرفناها دولة موحدة من أيام مينا موحد القطرين من 5000 سنة.
واود أن أهمس فى إذن شباب التحرير، لو نزل عليكم ملاكا من السماء ليتولى حكم مصر، فلسوف تنزلون للميدان بعد أسبوعين هاتفين :quot;الشعب يريد إسقاط الملاكquot;!!
وعلى فكرة أنتم ياشباب التحرير لا تمثلون كل الشعب المصرى اليوم حتى تهتفوا بإسمه، ويجب أن تغيروا نغمة هتافكم من quot;الشعب يريدquot; إلى quot;نحن نريدquot; فهناك ملايين المصريين غاضبين عليكم ورافضين لما تفعلونه بمصر اليوم، والذى للأسف يصب فى مصلحة خصومكم السياسيين وهم الأخوان والسلفيين، والذين يعملون بكل جدية لكى يكسبوا الإنتخابات القادمة، والتى ستحدث سواء شئتم أم ابيتم، بينما أنتم قابعون فى ميدان التحرير مسلطة عليكم الأضواء، ولكن يجب أن تعرفوا أن هناك فراشات كثيرة يجذبها الضوء ولا تعرف أن فى هذا الضوء حتفها!!
[email protected]