علينا اعطاء الأحزاب الاسلامية الفرصة ان تحكم في مصر وتونس وليبيا وسوريا وغيرها من الدول العربية. الشعوب العربية تستحق ان تذوق الحياة تحت حكمهم قبل ان تحكم عليهم.

رغم اني علماني التفكير والممارسة الا اني احترم الأديان واحترم حقوق الجميع بممارسة طقوسهم الدينية سواء كانوا مسلمين او هندوسيين او يهود او مسيحيين او بوذيين او من عبدة الشمس والبقر. لا مشكلة لي مع الدين والأديان ما دام المؤمنون بالأديان يعاملوني بالمثل اي الاحترام المتبادل والتسامح ويتركونني وشأني.

من هذا المنطلق لست خائفا من وصول الاسلاميون والجماعات السلفية لصدة الحكم في مصر او ليبيا او حتى سوريا. علينا اعطاءهم الفرصة ليثبتوا لنا مقدرتهم على الحكم الرشيد النظيف. علينا ان نرى كيف سيعالجوا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها من القضايا الصعبة التي فشلت الانظمة العلمانية في علاجها. لنأخذ المثل المصري فمنذ سقوط الملكية اوائل الخمسينات وحتى سقوط محمد حسني مبارك قبل تسعة شهور لم تستطع الحكومات المتعاقبة والرؤساء الجهوريين العلمانيين من عبد الناصر والسادات ومبارك من علاج مشاكل مصر الأساسية. لا تزال مصر تعاني من نسب عالية من الفقر والأمية والازدحام السكاني والتلوث البيئي والبطالة المتفشية والفساد وسطوة الأمن على رقاب الشعب.

وفي سوريا كمثل آخر ومنذ الستينات واستلام البعث للسلطة لم ينعم الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والرخاء الاقتصادي. البعث حزب علماني بامتياز ولكنه ايضا حزب عنفي واقصائي وشعاراتي ودكتاتوري وفاسد ورأينا جرائم البعث في العراق وسوريا ضد زملاءهم من الذين اختلفوا معهم في الرأي. حزب البعث العلماني فشل في علاج الفقر والبطالة والأمية وفشل في تحقيق ادنى المكاسب في مجالات الحرية الفردية والديمقراطية واعتمد على الشعارات الرنانة وفتك في الشعب واستعمل القبضة الأمنية لاخضاع الشعبين العراقي والسوري. وتاجر بالقضية الفلسطينية شعاراتيا وانتهازيا وفشل في تحقيق اي انتصار عسكري ضد اسرائيل رغم التهديد والوعيد الكلامي.

ورغم عدم انتمائي لأي حزب ديني او علماني الا اني اؤيد الاصلاح والديمقراطية وحرية الفرد بما لا يتصادم مع حقوق الآخرين. ولذلك اجد ان الوقت قد حان لاعطاءالاحزاب الاسلامية فرصة ان تحكم وتضع الحلول للمعضلات والمشاكل التي يعاني منها المجتمع.

التجارب الفاشلة: حماس والطالبان والسودان
تجربة غزة تحت حكم حماس فشلت وهذا لا يجب ان يؤخذ كمعيار او مقياس يبنى عليه وسبب فشل حماس هو تركيزها على أمور لا علاقة لها بعلاج الحياة اليومية للناس من اقتصاد وتعليم وصحة بل باشرت بما اعتبرته اولويات خاطئة مثل ملاحقة الفتيات لاجبارهن على ارتداء الحجاب والنقاب واغلاق محلات بيع الكاسيتات واشرطة الفيديو وتحطيم مقاهي الانترنيت واغلاق صالونات التجميل ومحلات بيع ازياء النساء ومنع الغناء والرقص في الاعراس. ولهذا فشلت في علاج القضايا الاساسية وهي الخروج من الحصار بعقلانية سياسية وحتى رأى بعض المراقبين انه كان لحماس فرصة لتحويل غزة الى سنغافورة او هونغ كونغ ولكنها حولت غزة الى قندهار طالبانية. وبدل من بناء موديل اقتصادي ناجح اعتمدت على اقتصاد الانفاق وظهرت طبقة جديدة ثرية في المجتمع وهي مافيات الانفاق. وتجربة الطالبان في افغانستان ما بين 1996 و 2001 فشلت ايضا حيث ارتكبت جرائم بشعة ضد النساء والعلمانيين ومنعت التلفاز ومنعت النساء من العمل ولكنها سمحت للنساء بالتسول في الشوارع تحت غطاء النقاب. مارس الطالبان الجلد والاعدامات في صفوف العلمانيين ودعموا ارهاب بن لادن وجلبوا الغزو والدمار لأفغانستان. والسودان ايضا فشلت فشلا ذريعا حيث تجلد النساء في الأماكن العامة وتقطع الأيدي وتطبق الشريعة على المسيحيين وفي الوقت ذاته يرتكب النظام المجازر في دارفور ويخوض حروب لا نهاية لها مع الجنوب.

وعلينا ان لا نتجاهل بعض النجاحات المحدودة في دول مثل ماليزيا وتركيا واندونيسيا وهذا يعود لاعتدال الاحزاب الاسلامية الرئيسية والتي مارست الحكم بمسؤولية واعتدال وهذا يثبت ان الاحزاب الاسلامية تستطيع ان تحكم اذا ابتعدت عن التطرف واعتنقت الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والاقليات.


يجب اعطاءهم الفرصة في مصر
اذا وصل الاسلاميون دفة الحكم في مصر ووضعوا برامجا وحلولا عملية براغماتية لمشاكل المجتمع الاقتصادية والصحية والثقافية قابلة للتطبيق قد ينجحوا في ادارة البلاد ولكن اذا اختاروا المسارات الحمساوية والطالبانية الفاشلة حتما سيفشلوا وسيخرج الشارع ليجبرهم على التنحي ولهذا ارحب ان يستلموا الحكم لفترة من الزمن لكي يجرب الناس هذا الحكم ويحكموا عليه.

سيفشلوا وسيسقطوا اذا حاولوا استخدام الدين لتقييد حريات التعبير والابداع والكتابة والتأليف. سيفشلوا اذا حاولوا منع النساء من قيادة السيارات والعمل والاختلاط مع الزملاء في العمل والمدرسة والجامعة.

سيفشلوا اذا لم يحترموا الاديان الأخرى ويحترموا حقوق من يعتنقوا المسيحية والمذاهب الاخرى. سيفشلوا اذا لم يحترموا الاقباط كمواطنين بكامل الحقوق ولم يتدخلوا في شؤونهم الدينية والمذهبية. سيفشلوا اذا سنوا قوانين مجحفة بحق الاقباط المصريين.
وسيفشلوا اذا حاولوا فرض النقاب والحجاب لمن لا يرغبن في ارتداء غطاء الرأس. سيفشلوا اذا منعوا الانترنيت والمسارح والافلام والغناء. وسيفشسلوا اذا حاولوا اغلاق القطاع السياحي والفنادق والذي سينتج عنه 4 ملايين عاطل جديد عن العمل. وسيفشلوا اذا حاولوا اجبار الناس على الصلاة والصيام وهذه امور بين الانسان وربه الذي سيحاسبة. وسيفشلوا اذا مارسوا الجلد والرجم وبتر الأيدي؟

هل الاسلاميون مستعدون للحكم بالتسامح والديمقراطية ام سيلجأوا للفتاوي لتحريم الانتخابات وتداول السلطة. الفضيحة الكبرى ان يصلوا الى الحكم عن طريق صندوق الاقتراع ثم يجدوا التبريرات ويصدروا الفتاوي لالغاء العملية الديمقراطية لأن ذلك ضد الدين وهنا تكمن قمة النفاق والدجل.

اقول يجب ان تحصل الشعوب العربية على الفرصة لتتذوق الحياة تحت حكم احزاب اسلامية لعدة اعوام ثم يتم الحكم عليها من خلال الانتخاب في جولة مقبلة او الخروج للشارع واسقاطها اذا اساءت الحكم.

لندن