تشهد مصر هذه الأيام انتخابات برلمانية هي الأولي بعد قيام الثورة المصرية، لاحظ الجميع صعود التيار الديني المتشدد الأمر الذي أعتبره البعض بمثابة مفاجأة وخصوصا صعود السلفيين، ولكن الحقيقة بالنسبة لي لم يكن الأمر مفاجأة بالمرة، ومازلت أعتقد أن السلفيين هم الأكثر قدرة علي التأثير في الشارع المصري وأعتقد يتفق معي أبناء جيلي في ذلك والذين عاشوا سيطرة التيار السلفي علي الجامعات المصرية في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وقد يكون تراجع السلفيين خلف الإخوان المسلمين سببه غيابهم عن الشارع المصري والتضييق الأمني عليهم، عكس الإخوان الذين كانوا في يقومون بعقد صفقات مع النظام سمحت لهم بالتنفيس عن أنفسهم والتواجد في الشارع المصري.

وأنا أتابع الدعم الأمريكي والأوربي للتيار الإسلامي ومحاولة دفعه لسدة الحكم، تذكرت quot;الخازوقquot; وهي عقوبة قاسية كان يعاقب بها المستعمر الغربي مواطني البلاد المحتلة، وكان المستعمر الغربي يجبر المواطن علي الجلوس علي هذا quot;الخازوقquot; كعقوبة مزدوجة فهو يعاقب بالألم الشديد الذي يسببه quot;الخازوقquot; في فتحة الشرج ويعاقبه أيضا بالاعتداء علي شرفه وأهانته بدخول الخشبة في فتحة الشرج، وأعتقد أن الغرب أستطاع أن يجلسنا علي هذا الخازوق.

فبالرغم من الانتهاكات والتزوير والبلطجة التي شهدتها المرحلة الأولي من الانتخابات إلا أن الغرب والولايات المتحدة يشيدان بتجربة الانتخابية المصرية بل ويصفانها بالديمقراطية!!! بينما يلغي القضاء المصري انتخابات دائرة الساحل لوجود انتهاكات!

ولكن دائما يوجه الشعب المصري quot;لطمةquot; قوية للإخوان وللسلفيين وللغرب ولكل من يشيد بنزاهة الانتخابات المصرية ويحجم عن الذهاب للجان الانتخاب في انتخابات الإعادة، لتهبط نسبة المشاركة من حوالي سبعين في المائة لعشرين في المائة في إعلان صريح من الشعب في عدم رغبته في المشاركة في التمثيلية واكتشافه أن ما كان يحدث في الماضي لصالح الحزب الوطني أصبح يحدث لصالح الإخوان والسلفيين، الفرق الوحيد أن الغرب كان يغمض عينية عن انتهاكات quot;الوطنيquot; الآن يصفق لانتهاكات للتيار الإسلامي!!!.

كيف يصفق الغرب للتيار الإسلامي وفي فوزه تهديد لأمن إسرائيل ولمعاهدة السلام؟؟ كيف والغرب يعتبر مسألة أمن إسرائيل خط أحمر؟؟، الحقيقة أن صعود التيار الإسلامي في مصر هو الضمانة الحقيقية لأمن إسرائيل القومي! فالحسابات الدقيقة والتي لا تعرف العواطف تثبت ذلك، فذلك التيار الذي لا يملك إلا الصوت العالي والتصريحات النارية وبث الكراهية والتصريح بها، في نفس الوقت يملك أفكار تهدم المجتمع والاقتصاد وتقضي علي كل مقومات الدولة الحديثة وتعود بالمجتمع المصري للعصور الوسطي، فهم قادرون علي القضاء علي قطاع السياحة الذي يمثل 20% من الدخل القومي كما يقضي علي الاستثمارات الأجنبية ويجبر رأس المال المحلي علي الهروب للخارج، ناهيك عن توتر العلاقات الخارجية الذي سيعطي الغرب مبررا لوقف المساعدات التي يقدمها لمصر أنه تيار مدمر لكيان الدولة، أليس ذلك هو الضمان الحقيقي لأمن إسرائيل؟

فإذا دمر اقتصاد البلد وهرب رأس المال المحلي وأحجم المستثمر الأجنبي عن الاستثمار في مصر، فما الذي تبقي لهؤلاء حتي يهددوا أمن إسرائيل؟؟؟. وبأي شئ ممكن أن يهددونها وهم لا يملكون شئ؟؟ وماذا يضر إسرائيل من تهديد الحناجر وهي الدولة التي اختبرت ذلك التهديد منذ قيامها، بل أن إسرائيل لا تستطيع العيش بدون هذه التهديدات فهي تستغلها في جلب تعاطف العالم لها من ناحية وفي جلب المزيد من المساعدات الخارجية لتقويتها وجعل ميزان القوي يميل في مصلحتها أكثر من جميع الدول العربية والإسلامية !. فمع كل تهديد quot;حنجوريquot; تستغله إسرائيل عن طريق ترسانتها الإعلامية العالمية فتتباري الدول في تقديم المساعدات المالية والعسكرية والتكنولوجية لدعم إسرائيل، وتقوم الجاليات اليهودية بجمع مليارات الدولارات لمساعدة دولة إسرائيل.

وقد يكون صعود التيار الإسلامي لسدة الحكم واعتلاء المتطرفين الإسلاميين للمناصب القيادية واستمرارهم في إطلاق التصريحات النارية مبررا لإسرائيل في توجيه ضربات عسكرية لدولة مفككة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، الأمر الذي يصعب معه إعادة بناء القوات المسلحة المصرية كما حدث بعد 1967، فلم يعد الاتحاد السوفيتي قادر علي لعب هذا الدور بعد تفكك الكتلة الشرقية، أليس ذلك هو الضمان الحقيقي للأمن الإسرائيلي؟؟

مازال لدينا أمل في أن يفوق الشعب المصري في المرحلة الثانية والثالثة في الانتخابات حتي يقطع الطريق علي هؤلاء المتربصين بأمن مصر في الداخل والخارج، وإلا فعلي الشعب أن يتحمل نتيجة اختياراته وعلي المجلس العسكري أن يتحمل نتيجة طاعته العمياء للغرب ومساندته للتيار الإسلامي.