ربما يسئل السائل ما هي أوجه الشبه بين السيد الهاشمي وسقراط الأثيني، فالأول هو نائب لرئيس جمهورية العراق ومتهم بالإرهاب بإنتظار مثوله أمام المحكمة التي يشكك بعدالتها، أما الثاني فهو فيلسوف يوناني عاش في القرن الخامس قبل الميلاد في أثينا ومات بالسم بعد أن تجرعه كعقوبة حكمت بها المحكمة عليه بتهمة تخريب عقول الشباب. لقد كان سقراط كثير الإنتقاد لسياسة حكام أثينا حتى أنه سُمي ذبابة الخيل لكثرة إزعاجه لهم. بالتأكيد لايوجد تشابه يذكر، إلا في مفارقة واحدة وهي أنهما كانا متهمان أمام المحاكم في الدولة، فمثل سقراط أمام المحكمة ومازال السيد الهاشمي يرفض ذلك لأنه يعتقد بأن المحكمة مسيسة. تقول الروايات التاريخية أن سقراط الفيلسوف تعرض للإقصاء السياسي من قبل حكام أثينا فدبروا له تهمة تخريب عقول الشباب فحكمت عليه المحكمة بتجرع السم القاتل، حتى أنه رفض الهروب من السجن الذي كان بالإمكان الفرار منه بعد تقديم الرشوة للحراس إلا أنه رفض ذلك رفضا ً قاطعا ً، ليس حبا ً بالموت بل دفاعا ً عن القانون الذي لم يرد أن يخرقه وهو الذي كان يدعو لتطبيقه على الجميع بلا تمييز.

ليس مطلوباً من السيد الهاشمي أن يموت بالسم كسقراط بل ما مطلوب ومنتظر منه هو أن يلتزم القانون ويكون تحت أمره بإعتباره مواطنا ً عراقياً، أولا ً، أما ثانيا ً فلأنه نائب لرئيس الجمهورية الذي واحدة من واجباته هي المحافظة على تطبيق الدستور. هناك الكثير ممن يخرق الدستور ولايطبق القانون بل يخرقه، ومنهم الكثير ممن لايعترف أصلا ً بذلك القانون. لكن، وفي موضوع السيد الهاشمي، فأن الرجل اقسم على الدستور واعترف بقوانين البلد أن يتبعها ولايخرقها، فلماذا يكون هو أول المخالفين! نعم، يمكن للسياسة أن تؤثر على القضاء وليس مستبعدا ً بأن هناك من لفق للسيد الهاشمي تهما ً بالإرهاب ليقصيه سياسيا ً، فهناك الكثير من اللاعبين الذين يتحركون بشكل منفرد داخل جهاز الدولة حيث كل له أجندته الخاصة به، ولكن، وفي نفس الوقت، لانستطيع القول بأن الهاشمي بريء مالم يمثل أمام القضاء في بغداد.

أن قضية الهاشمي قانونية في طبيعتها لكنها سياسية في إدارتها وآثارها وقد أستغلت سياسيا ً من جميع الأطراف، وبالخصوص حين يصرح البعض بأن استهداف طارق الهاشمي هو استهداف للسنة في العراق، وليس أقل من القائمة العراقية التي علقت عملها في الحكومة والبرلمان مع أن الأمر قضائي وما عليهم إلا الحرص على القضاء لضمان عدالته. أن أي إتهام للقضاء العراقي بعدم العدالة سيفتح بابا ً واسعا ً للتشكيك في قضايا كثيرة وكبيرة ربما هي أكثر من جنائية. ليس الهاشمي فحسب في مأزق قانوني وسياسي فحسب فالحكومة أيضا ً في موقف لايحسد عليه. فإذا ما مثل الهاشمي أمام القضاء وكان بريئا ً فإنها بالتأكيد ستكون ضربة قوية للحكومة العراقية.

لقد مل الشعب العراقي من المهاترات السياسية التي يخلقها السياسيون فيما بينهم تاركين المواطن العراقي يعاني الأزمات الواحدة تلو الأخرى. فبدل أن ينشغل البرلمان العراقي بتشريع القوانين يتوقف أياما ً عديدة من أجل صراع شخصي بين شيروان الوائلي والعيساوي أمين بغداد. هذا لايعني ترك البرلمان لوضيفته الرقابية ولكن، هناك من قضايا الفساد مايشيب منه الرأس لينشغل البرلمان بمتابعة بضع الآف من الدولارات يمكن إقتفاءها قانونياً بعيدا ً عن البرلمان. وهاي قضية الهاشمي التي ربما ستقود البلاد لشد وتنافر طائفي بعد أن أدخلها السياسيون في هذا النفق. الشعب العراقي يريد من حكومته الخدمات وتطبيق برنامجها التي وعدت به، أما القائمة العراقية فهي جزء من الحكومة ولايجب أن تعطل عملها من أجل موضوع قضائي يمكن أن يحل بطريقة أخرى.

نتمنى من الهاشمي أن يكون رجل دولة يحترم القانون ليمثل أمام القضاء ليعرف الشعب العراقي أن كان بريئا ً فيعاقب من دبر له ذلك أو جانيا ً وحينها يكون قد أستحق العقاب. لا أعتقد بأن الهاشمي سيظلم في محاكمته وهي ستكون محل نظر الكثير من الجهات المحلية والدولية وستغلق فيها كل ثغرة قانونية حيث لن يصدر حكما ً إلا أن يكون عادلا ً. أم الخدمة الأكبر التي سيقدمها الهاشمي بمثوله أمام القضاء كما قدمها سقراط الفيلسوف من قبل فهي الحرص على تطبيق القانون وغلق كل الأبوب التي ستفتح بالمستقبل والتي ستشكك بنزاهة القضاء العراقي لأغراض سياسية.

عماد رسن
[email protected]