مر عام 2011 مليئا بالأحداث.. نالت منه المنطقة العربية نصيب الأسد، إبتداء من قتل بن لادن في أفغانستان، إلى قتل القذافي في ليبيا، إلى ثورة سوريا التي لا تزال شعلتها بمزيد من الضحايا والنظام لا زال يكتم على أنفاسها؟؟؟ شهدت المنطقة إنتفاضات هزت العالم وجعلته يتساءل من عليه الدور بعد.. ولكن الأهم أنها حركّت في بقية شعوب العالم أجمع روح تمرد على أنظمتها، حتى في أرقى الدول الغربية.. أعطت دعما للإنسان في كل مكان بأنه لن يبقى عبدا لأي أنظمة مهما وصلت في ديمقراطيتها ما دامت هذه الديمقراطية تعمل لمصلحة الأقلية ويتضور بقية الشعب من حرمان تختلف نسبته من دولة إلى أخرى..

ولكن السؤال الذي يقلق البعض في الدول العربية، هل هذه الإنتفاضات ردة فعل عفوية، من شعوب ضنت عليها أنظمتها وملّت الخضوع.. أم خطة إستعمارية جديدة لا تنفك تبحث عن طريقة لإبقاء العالم العربي على ما هو عليه من شرذمة وتخلف؟؟ هل هناك مؤامرة لحياكة نظام إقليمي جديد يقسّم المنطقة على أساس طائفي وعرقي أم أن هذا الإنقسام هو النتيجة الطبيعية بعد سنوات من الشحن الطائفي والعرقي؟؟ هل هذا الإنقسام المحتمل سيكون في مصلحة الإنسان العربي. أم أنه سيكون القشة التي تقضم ظهر هذا الإنسان ليتركه في تخلّفه؟؟؟

خيارات الشعوب العربية محدودة إن لم تكن معدومة.. فإما الرضوخ لأنظمة عفى عليها الدهر وشرب.. ترفض التغيير والإصلاح، أنظمة ظلمت شعوبها وإحتكرت لها ولأعوانها خير البلاد وأذلت العباد.. وإما التغيير الذي بدأت ملامحه تتضح ولكنه لا يبشر بخير للمنطقة العربية ولا بتطور مما سيعيدها إلى ظلام دامس.. لا نستطيع التكهن بكم من الوقت قد يمر قبل ان يستطيع الإنسان العربي الخروج إلى النور..

شيء ما في الأفق لا ينذر بالخير لعام 2012...فعلى الصعيد السياسي بدأ بإحتكار الحكم في بعض الدول منه بسلطة دينية وإن وصلت عبر صناديق الإقتراع إلا أنها لا زالت مراوغه وغير واضحة في معالم خطتها الإنمائية وتستخدم الخطاب الديني لتهمش الأقليات.. والمرأة ستكون الخاسر الأكبر في هذه الأقليات.. وما زالت هذه الأحزاب تراود مكانها في تفسير معنى الديمقراطية بحيث لا تخرج تفسيراتها عن دوله مدنية تحكم بدستور لا يتعارض مع الشريعة..

على الصعيد الإقتصادي.. فلم تذكر أي من هذه الأحزاب التي ستتولى الحكم أية خطة ستنتهجها لإنعاش الإقتصادوالقضاء على البطالة، لا زالت غير واضحة في كيفية تعاملها مع الغرب مع علمها اليقيني بأن إقتصادها يعتمد على المعونات الأميركية.. وإستثمارات غربية أو عربية تبحث أولا عن الإستقرار السياسي ولن تخاطر بأموالها في أراض رملية تنذر بعواصف كثيرة..أما رجال الأعمال الذين اعتُبروا النخبة التي من الممكن أن تستثمر، فهرّبوا أموالهم وعوائلهم إلى أماكن مستقرة سياسيا وإقتصاديا ولا خطر فيها على إستثماراتهم التي جمعوها خلال سنين العز من عمولاتهم على إنشاءات تسببت بقتل أرواح عديدة! ولكن الحقيقة أن الشعوب لا تستطيع الإنتظار، فهي بحاجة لضمان قوتها وضمان وظائفها وضمان أمن أطفالها!

تحاصر الأنظمة العربية، دول طامعة ومتحفّزة.. إما لهمينة سياسية كما في حالة إيران.. وإما لمصالح إقتصادية كما في حالة تركيا..
إيران لا زالت متحفزة لإقتناص إنتفاضات الشباب العربي وتوجيهها لما يخدم مصالحها وطموحاتها، محاولة توسيع تاثير إسلام الخميني المتعصب الذي أدى إلى عزلة إيران دوليا، وإضطهاد المواطن الإيراني وقبوله بالظلم.. في سبيل أن تصبح دولة عظمى تتحدث بإسم المسلمين في العالم، قادرة على توجيهه، وتمتلك قوى نووية أسوة بالدول العظمى.. تتحدى المجتمع الدولي الذي يرفض إمتلاكها لهذه القوة خوفا من تعريض أمن إسرائيل لأي خطر.. وأيضا خوفا منها كدولة إسلامية قد تعمل على تهديد الأمن العالمي.. وقد تعمل على نشر الإسلام المتطرف الذي يخشى منه العالم، وتهديد تدفّق إمدادات النفط. ولكن إيران لا زالت تفجّر في المنطقة وفي العالم حربها الكلامية ضد كل من يحاول تحجيمها.. وتتهدد أميركا بالتحديد بأن فرض أي حظر لصادراها النفطية ستقابله الحكومة الإيرانية بما هو أشد.. وهو تعريض الإقتصاد الأميركي الهش لإنهيار لا أحد يستطيع التكهن بمداه.. وذلك عن طريق إغلاق مضيق هرمز ورفع سعر برميل النفط إلى عنان السماء. تستبق كل ذلك بإستعراض لقدرة صواريخها على الوصول لأي منطقة خليجية في عملية نهديد واضحة !! يقابله سباق تسلح آخر بعد صدور الأنباء عن شراء المملكة السعودية لطائرات وصواريخ ب 120 مليار دولار!

إيران قلقه أيضا من تفكك آخر.. فبرغم تأمينها لإنصياع العراق.. إلا أن أحداث الإنتفاضة السورية تقلقها لأن إنهيار نظام سورية يعني إنهيار نفوذها في بيروت.. إضافة إلى إحتمال فك إرتباطها مع حماس من خلال إحتضان الأردن لمشعل ولحماس..

تركيا.. يبدو أن رياح الخماسين وصلت حدودها بحيث كبلتها فجأة.. فبعد الدور الذي حاولت لعبه على ساحة المنطقة العربية.. تواجهها عواصف داخلية بدأت بمواجهتها لفرنسا في موضوع تجريم الأخيرة عن سكوتها وعدم الإعتراف بمذبحة الأرمن.. إضافة إلى مشكلة داخلية أكثر تعقيدا من إعترافها أم عدمه.. إنتفاضة الأكراد والذين يبلغ تعدادهم 15 مليون نسمة.. والتي أشعلها خطأ مخابراتي أوعزت به إسرائيل عبر طائرات الهرون quot;quot;بدون طيار quot;quot; إلى تركيا بان مجموعة من المقاتلين من حزب العمال الكردي يستعدون لمهاجمة قواعد عسكرية تركية، ( للعلم فقط فإن إسرائيل بحثت في الكنيست موضوع تجريم عدم الإعتراف التركي بمذبحة الأرمن أيضا والإحتمال الأكبر بأنها ستجرمه أيضا ) الأمر الذي حدا بتركيا لمهاجمة مجموعة من الأكراد وقتل 36 شخص إتضح بأنهم مدنيون يعملون في تهريب السجائر والمازوت من العراق عبر الأراضي التركية.. إضافة إلى وحشية الجيش التركي في تعامله مع المتظاهرين الأكراد مما حدا بالبرلمانية الكردية ليلى زانا قبل يومين بقولها إن laquo;الحكم الذاتي لن يكفي الأكراد في تركيا، والذين يحتاجون الى دولة مستقلةquot;quot;.

وكلها أحداث إستبقت نية أردوغان تسوية القضية الكردية من خلال إعداد دستور جديد وعد بأن يبصر النور في صيف 2012، ويتوقع أن يؤسس لحكم إداري ذاتي للأكراد في مناطق يشكلون غالبية فيها.

ولكن تصريح السيدة ليلى إستبق أردوغان وأكد بأنه لا حل لهذه المشكله بدون إحقاق حقوق الأكراد في دولتهم المستقله..
ولكن الأهم وهو الأول من نوعه ما ورد أخيرا عن السيدة أيما سينكلير- ويب الباحثة التركية في مؤسسة هيومان رايتس واتش عن إعتقال مئات من سجناء الرأي فمنذ شهر أيلول، أدانت تركيا ما يقارب 13 ألف شخص بتهم تتعلق بالإرهاب، وأن فترات الاعتقال الطويلة قبل المحاكمة، والميل إلى المباشرة بقضايا استناداً إلى أدلة واهية، واعتقال المحامين، الذين يتولون الدفاع عن المعتقلين، يعني أن هناك مشاكل جدية في تركيا حول الحقوق. الأمر الذي سيقوض من سمعتها، ومن أملها في القبول كعضوة في الإتحاد الأوروبي، ويعيد التتساؤلات حول انزلاق تركيا نحو سلطة ديكتاتورية بعد أن إعتبرت النموذج الديمقراطي في المنطقة الشرق اوسطية.

ولكن وفي خضم كل هذه الأحداث تبقى إسرائيل الرابح الأكبر في المنطقة؟
فكما ورد في صحيفة القدس العربي اليوم بأن quot;quot;اسرائيل تحضر لمطالبة السعودية باكثر من 100 مليار دولار تعويضا عن املاك اليهود على اراضيها منذ زمن الرسول محمد ( سلام الله عليه ). وهو أمر غير مستبعد على العقلية الإسرائيلية المشهورة بقدرتها على الإستثمار معاناة اليهود، حتى ولو كان قبل 1400 سنة!

يقول البعض بأن إسرائيل هي الأكثر خوفا من نجاح أحزاب الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة، ولكني لا أشاطرهم هذا الراي.. فإسرائيل مرة اخرى هي الرابح الأكبر.. وإن كانت لن تتوانى عن الإستثمار في لغة الخوف من هذه الأحزاب.. والإستثمار بتهديد هذه الأنظمة الإسلامية للعالم أجمع من خلال تصريحات زعمائها..

ولكن تبقى الحقيقة الأهم وهي ان هذه الأحزاب مجبرة على إنجاح تجربة وصولها بالإنتخابات والحفاظ على مصلحة المواطن حتى ولو كان على حساب التضحية بمبادىء معينة تبنتها قبل الوصول إلى السلطة.. معتمدة بأنها وفي حيال تخييرها للمواطن نفسه بين لقمة العيش والأمان والتعايش مع العالم فإنة سيختار نفس الطريق.. وبالتالي قإن البراغماتية تجبرها على الحفاظ على علاقاتها الدولية مع العالم كله والإعتراف بالشرعية الدولية.. التي ظهرت واضحة في تعاملها مع الملف الفلسطيني ndash; الإسرائيلي خلال الأشهر القليلة السابقة.. ففي تونس منذ ثلاثة أشهر إنسحبت حركة النهضة من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بعد رفض عدد من الأعضاء المصادقة على وثيقة تجرّم التطبيع مع إسرائيل..كما و أكد الغنوشي أنه quot;لا يوجد في برنامج سياستنا ما يشير إلى إلغاء إمكانية قيام علاقات مع إسرائيل الدستور يجب أن يتداول السياسات الطويلة المدى التي تهم تونس، والصراع الإسرائيلي العربي ليس من جملة هذه المسائل. اما في مصر فأكد رئيس حزب النور السلفي بأنهم سيقبلون بما يقبل به الشعب الفلسطيني. ويبقى الإخوان منقسمين بين تيار يلتزم بنفس موقف حزب النور، وتيار لا زال يتبنى المقاومة وتحرير فلسطين..

وبرغم تصريح الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بأن قوة إيران النووية لا تشكل خطرا على إسرائيل فقط بل خطرها على العالم كله خطرا. فإن هذا التصريح لن يمنع إسرائيل التي تملك الرؤوس النووية المقدّرة في حدود 200 الى 300 رأس نووية من القيام وبخطوة إستباقية سريعة بضرب المفاعلات الننوية الإيرانية.. خاصة بعد خروج القوات الأمريكية من العراق والتي لم تسمح سابقا للطيران الإسرائيلي من الطيران فوقها. ومن تخوف من أن الإيرانيين قد ينزلون معظم خطوط الإنتاج النووي إلى أعماق الأرض أو داخل مغارات في الجبال بحيث لن تتمكن أقمار التجسس أو طائرات الإستطلاع من تحديد أماكنها.

نعم ستضطر الأحزاب الإسلامية إلى تطويع خطابها بما يتلائم مع الظروف. ليس كرها بالفلسطيني.. وإنما لأنها ومهما تشدقت بالإمتلاء بالنفس لن تسطيع الدخول في حرب مع العالم حولها، ومع مواطنها الملزمة به أولا وأخيرا.. طريق الإنسان الفلسطيني للحرية ليس عبر الحرب، وإنما عبر تمكينه من التطور والتقدم والتعليم بحيث يستطيع أن يقف على قدم المساواة مع كل إنسان في العالم مطالبا بحقوقه المدنية أسوة بكل البشر.. سواء في دولته المستقلة.. أم في دولة واحدة..

الإنتصار الحقيقي للأنظمة العربية كلها، الجديدة والأخرى التي تصارع لإنقاذ نفسها.. يمر عبر الإصلاح.. الإصلاح في كل ما يتصل بالإنسان لحمايته وحماية مستقبل أباؤة.. وهي الضمانة الوحيدة لإستمرارها.. الإصلاح السياسي عبر العدالة وإحقاق حقوق الإنسان في تداول سلمي للسلطة.. في سيادة القانون، في ترسيخ العدالة الإجتماعية. عبر ثورة تغيير حقيقي في ذهنية الإنسان العربي ليتقبل الإختلاف والمختلف.. عبر ثورة على الفكر والعادات.. عبر ربط القيم العالمية للحقوق بقيم الدين بلا غموض ولا لبس.. من خلال تحييد الدساتير.. من خلال كتابة دساتير جديدة تستند إلى الحقوق الإنسانية العالمية وليس فقط إلى حقوق الأغلبية التي تعتنق دينا واحدا.. مهما كانت هذه الأغلبية.. ضمان حماية الأقليات هو ضمان إستمرارية هذه الدساتير بحيث لا تعاد صياغتها ولا تعرض المجتمع لأزمات كلما واجهته مشاكل داخلية.. وإستبعاد الخطاب الديني من هذه الدساتير من خلال التأكيد على مدنية الدولة...

نعم فصل الدين عن الدولة وحماية الأقليات هو معيار نجاح الإنتفاضات العربية.. وأيضا معيار مدى الإستقرار في عام 2012 في المنطقة العربية.. حتى ولو قامت إسرائيل بعمليتها العسكرية.. لا يمكن إبقاء خيارات الإنسان العربي محدودة ما بين الظلم أو الظلام...

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان