لا تقتصر الوقاحة على حسني مبارك دون سواه من الحكام العرب.. فهم وقحون بقدره إن لم يكن أكثر منه. وهذه المقارنة ستثبت نفسها - أي إن كانوا اكثر أو أقل وقاحة - خلال الأسابيع المقبلة حين تصل الثورات إلى بلادهم وتهز عروشهم.
فجأة قرر حسني مبارك أنه يريد أن يموت في مصر بعدما قتل الشعب فقرًا وجوعًا واضطهادًا وقمعًا. لا يريد أن يتنحى الآن ولا ينوي إطلاقًا أن يموت في أي وقت قريب.
يخرج مبارك بخطابات، ويأتي بأشخاص جدد. ابو الغيظ احتفظ بمنصبه كوزير للخارجية.. لا سمح الله ان يحرم الشعوب العربية من طلته البهية!.
وفي خضم كل ما يحدث في مصر، لا تقتصر الرغبة في إسقاط هذا النظام على الشعب المصري فحسب، فتأثير مبارك تجاوز حدود الجمهورية وطال شعوبًا عربية كثيرة وبالتالي فإن المطالبة بإسقاط هذا النظام يجب أن تعني كل الشعوب العربية. وعليه فإن عواصم العالم العربي يجب أن تشهد تظاهرات تنادي بإسقاط هذا النظام الذي شكل حجر أساس لنشر سياسة أميركا وإسرائيل في المنطقة. فقد كان مبارك وفيًا لأميركا وإسرائيل وحريصًا على مصالحهما ولو إضطر الى ذبح شعبه فردًا فردًا، وخنق الشعوب العربية واحدة تلو الاخرى.

لقد سقط محور الاعتدال..سقط عن بكرة أبيه
أي إعتدال هو في كل الأحوال؟ اعتدال القمع والفساد؟ أم اعتدال التمسك بالسلطة ولو خرجت الملايين تهتف بسقوط الطاغية؟ أهو إعتدال البقاء في الحكم الى أبد الآبدين، أم إعتدال المصلحة الشخصية على حساب الشعوب؟ إعتدال صنف وختم في الولايات المتحدة الأميركية، الولايات التي تحاور وتناور الان مطالبة بإنتقال سلمي للسلطة، أي إعادة تدوير النظام، من مبارك إلى سليمان.
لقد سقط مبارك، سقط بدماء الشباب المصري وحناجرهم وسواعدهم. سقط زين العابدين بن علي، وينتظر الشعب المصري ومعه العربي سقوط مبارك، والدور على رئيس عربي ما في دولة ما.
يكاد المرء لا يصدق ما يراه، ثورات في عالمنا العربي، لقد حل يوم الانتفاضة.. أخيرًا.
انتفاضة لن نراها في لبنان، بلدي، لأن اللبناني بطبعه وتطبعه وطينته مستعد للموت من أجل الزعيم والطائفة لا من أجل مصلحته ومصلحة وطنه. لن نشهد ثورات في لبنان، لكننا سنشهد الكثير من الكره والتعصب والطائفية.. سنرى الشعوب العربية تهب شعبًا تلو الاخر مطالبة بحقوقها وبإخراج الطغاة من القصور لكننا لن نرى ثورات quot;وطنيةquot; في لبنان.
quot;الشعب يريد إسقاط النظام quot;.. جملة يجب أن تجد صدى في نفس كل عربي شريف، يستثنى من ذلك quot;حاشية أميركا وأزلامها في المنطقةquot;، فهذه الفئة معفية من أي إحساس وطني أو عروبي وحبذا لو تعفي نفسها من الوجود بين الشعوب العربية.
يتمسك مبارك بالكرسي بكل ما أوتي من قوة، أخرج مجموعة من المنتفعين بوجه التظاهرات المطالبة برحليه.. أمر مؤسف أن تجد مجموعة من quot;المرتزقة quot; تحتشد من أجل حفنة من المال لدعم بقاء طاغية في السلطة. فلا يهمه أن يقتل أبناء الشعب المصري بعضهم البعض، ولا يهمه لو أريق المزيد من الدماء، ولا يهمه لو قتل جميع المتواجدين في ميدان التحرير.فلا وجود في عقل مبارك سوى رجل واحد.. مبارك.
في حفلة جنونه الاخيرة، قرر مبارك اطلاق رجاله المأجورين للانقضاض على شباب مصر، لعب ورقته الاخيرة وكأن دخول quot;المرتزقة quot; خاصته الى ميدان التحرير سيحفظ له مقعده أو يمنحه وقتًا اطولا أو يكسبه وقتًا إضافيًا. والمثير للسخرية في خضم كل هذه الاحداث الاليمة مشهد الخيول والجمال وهي تحاول شق طريقها بين شباب مصر الثائر.. وكما يقال شر البلية ما يضحك.
لطالما آثرت الحكومات العربية على إستغباء شعوبها، لكن أحداث تونس وأحداث مصر أثبتت واقعًا واحدًا لا لبس فيه، انه كما زين العابدين بن علي كذلك مبارك، يعاني كل منهما من غباء مزمن. غباء لا ينتقص من قدرتهم الاجرامية على التنكيل وقتل شعوبهم.. لكن الثورات وجدت لتنتصر، ومبارك سيسقط وسيكون سقوطه مدويًا.
مصر ستعود الى أهلها الاوفياء.. بالصبر والمثابرة، ستعود كأم الدنيا وسيسقط الطاغية وسيسقط معه طغاة من دول اخرى.

ملاحظة : منذ أكثر من عام كتبت مقالا بعنوان quot; فلتكن ثورةquot;، حينها مازحني أحد الزملاء بالقول quot; تريدين قيادة ثورة!quot; مع تربيتة على الكتف. تربيتة الـquot; أين تظنين أنك تعيشينquot;.
حين كتبت عن قوة الشعب كنت بكل صراحة أفرغ ما بنفسي، رغبتي بالثورة على كل هذا الفساد والتجبر والتحكم بالعباد. لطالما تمنيت لو أنني ولدت في زمن اخر، زمن يمكنني فيه أن أثور وأن أشهد ثورات.. أمنية جاءت نتيجة quot;كبوة quot; الشعوب لفترة طويلة.
والان تحول المستحيل إلى حقيقة.. لقد ثارت الشعوب وهزّت العروش وأخرجت بن علي والدور على مبارك.. والبقية تنتظر.